بدأت صباح اليوم جلسات المؤتمر السابع للمسؤولين عن حقوق الإنسان في وزارات الداخلية العرب المنعقد حضوريا وعبر الدائرة التلفزيونية بحضور كلا من العقيد فلاح حسين موسى واستهلت الجلسة بكلمة الدكتور محمد بن على كومان الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب.
حيث قال يشرفني وأنا أرحب بكم في هذا المؤتمر أن أعبر عن تقديرنا البالغ للرعاية الكريمة التي تحيط بها تونس العزيزة مجلس وزراء الداخلية العرب وأمانته العامة، فلها منا كل الشكر والعرفان.
ويُسعدني أن أرفع إلى أصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية العرب، كل التقدير والامتنان على جهودهم الحثيثة لتعزيز الأمن والاستقرار في الوطن العربي وتدعيم حقوق الإنسان وكرامته.
تجتمعون اليوم وما تزال جائحة كوفيد 19 تُلقي بظلالها القاتمة على العالم أجمع بما نتج عنها ـ علاوة على آلاف الضحايا ـ من تعطيلٍ الدورة العادية للحياة الاقتصادية والاجتماعية وتفاقمٍ للفقر والحرمان واستشراءٍ للإجرام.
وفي ظل هذا الوضع ـ كما هو الحال بالنسبة لكل الأوضاع التي تواجه فيها المجتمعات البشرية أخطاراً وجودية، تقتضي تسخير كل الإمكانيات للتصدي لها وتركيز كل الطاقات لمجابهتها ـ قد تبدو مسألة حقوق الإنسان لدى البعض مسألة ثانوية يمكن وضعُها بين قوسين أو إرجاؤها إلى حين. وليس هذا بالطبع موقفنا في مجلس وزراء الداخلية العرب، فنحنُ نرى أن على الأجهزة الأمنية ـ رغم المسؤوليات الجديدة الملقاة على عاتقها بسبب الجائحة ووقوفها مع الطواقم الطبية في خطوط المواجهة الأولى ـ أن تظل حريصة على أن يكون تطبيق إجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي وحظر التجوال في كنف الاحترام التام لحقوق الإنسان والحفاظ على كرامته وخصوصيته.
وهذا التوجه هو ذاته الذي طبع موقف المجلس من مكافحة الإرهاب، إذ ظل متمسكا ـ حتى في أحلك الفترات التي عانت فيها دولنا العربية من الأعمال الإرهابية ـ بأن تظل الإجراءات المتخذة في سياق التصدي للإرهاب مُستجيبة لمعايير حقوق الإنسان، منُسجمة مع القواعد القانونية.
ولا شك أن مناقشة مؤتمركم اليوم لموضوع احترام حقوق الإنسان في سياق مكافحة جائحة كوفيد 19 ستكون مُناسبة لاستعراض التجارب الناجحة والممارسات الفُضلى لدى الدول الأعضاء في هذا المجال.
وإن هذا الحرص على تبادل التجارب وتقاسم الممارسات الفُضلى هو الذي يقف وراء البند الدائم على جدول أعمال مؤتمركم والمتعلق بتجارب وزارات الداخلية العربية في مجال حقوق الإنسان الذي يسمح في كل سنة لثلاث دول أعضاء بعرض تقارير عن الإجراءات المتخذة لتدعيم احترام حقوق الإنسان في إجراء شبيه بما تقوم به الدول من عرض تقارير على الهيئات العربية والدولية المعنية.
وإن وضع تصور نموذجي لتلك التقارير ـ موضوع البند الرابع من جدول الأعمال ـ وتوصية مؤتمركم الماضي بأن يتضمن التصور قسماً خاصا بعرض حالات انتهاك حقوق الإنسان من قبل الأجهزة الأمنية إن وُجدت، من شأنه أن يضفى المصداقية على هذه التقارير وأن يُسهم بالتالي في تفنيد كثير من ادعاءات انتهاك حقوق الإنسان وفي تبديد الصورة غير الإيجابية التي ترتسم في بعض الأذهان.
ويُشكل الدليل العربي الاسترشادي للإجراءات النموذجية لحماية الضحايا والشهود في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان ـ موضوع البند السادس من جدول الأعمال ـ خُطوةً مُتقدمة على صعيد مواجهة هذه الانتهاكات بما يتضمنه من إجراءات تُعزز التبليغ عنها وتقديم الشهادة عليها.
ودعُوني أشير في هذا السياق إلى أننا نعكفُ حاليا بالتنسيق مع إدارة حقوق الإنسان في جامعة الدول العربية على إعداد مشروع دليل عربي استرشادي لمناهضة التعذيب، سنعرضُه بحول الله على اجتماع مشترك بينكم وبين اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان.
ما فتئ مجلس وزراء الداخلية العرب منذ إنشائه يعمل على تعزيز احترام حقوق الإنسان في العمل الأمني من خلال إجراءات مُتنوعة تعززت منذ إقرار عقد مؤتمركم هذا. واليوم حان الوقت لصهر كل تلك الإجراءات في بوتقة استراتيجية شاملة تضمن استدامة العمل وتجدده. لذا ستنظرون اليوم في مشروع الاستراتيجية العربية لتعزيز حقوق الإنسان في العمل الأمني في صيغته المعدلة في ضوء ملاحظات الدول الأعضاء، وهو مشروع سيسهم دون شك في تعزيز احترام أجهزة الشرطة والأمن لهذه الحقوق، من خلال ما وضعه من أهداف وما رسمه من سياسات وطنية وعربية فاعلة، وما تضمنه من وسائل لتعزيز التعاون العربي والدولي والتنسيق بين الأجهزة الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني.
يُسعدني في الختام أن أجدد الترحيب بكم واثقا من أنكم ستُعالجون المواضيع المهمة المدرجة على جدول أعمالكم بكل كفاءة ومسؤولية، بما يسهم في تعزيز احترام حقوق الإنسان في العمل الأمني في وطننا العربي.
والله أسأل أن يكلل أعمال هذا المؤتمر بالنجاح، وأن يوفقكم لما فيه الخير والرشاد.