الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمود أبو حبيب يكتب: «يا ليته سكت مرتين»

صدى البلد

لا أدرى ما الذي حمل الأستاذ إبراهيم عيسي مندفعًا؛ أن يطالب بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي، أثناء مؤتمر إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، فجاء رد وزير العدل "بأنها أثبات رسمي للحقوق في الزواج والطلاق والميراث" وهو أمر كفله الدستور في بلد تؤمن بالتعددية، فتبيح أن يحتكم كل أصحاب ديانة إلى شريعتهم في الأحوال الشخصية، وهو ما يؤكد أن مقترحه لم يكن مشفوعا بحج منطقية، تجعله قادر على الدفاع عنه.

ولقد جاء رد وزير العدل، ليؤكد أن الأمر ليس متعلق بدين، ولكنه أمرُ تنظيمي وضعته دولة مدنية تنظم حقوق أصحاب الأديان المختلفة التي تعيش تحت راية دولة تؤمن بالتعددية، ولكن هنا يحق لي أن أتساءل: ما هي الفائدة من حذف خانة الديانة؟، وما هو الخطر من كونها موجودة؟، هل سيعود حذفها بالخير والبركة؟، وهل سيجلب بقاؤها الفقر والمرض؟، هل أحلام الناس وطموحاتهم مرهونة على حذف خانة الديانة؟، وليس السعي والعمل، ما هي الأزمة إذًا في بلد تتعانق فيه أجراس الكنائس مع المآذن؟، فيا ليته سكت.

ويا ليتُه سكت ولم يطالب بأن تصدر الدولة قرارًا بتحديد عدد الأبناء، وأنها ملزمة فيما يخص الإنفاق على إثنين فقط، وهو أمر يجعل المواطن الذي أنجب أكثر من طفلين كأنه اقترفَ جرمًا عظيمًا، ويقابل هذا المولود النبذ والتمييز فور قدومه، فقاطعه الرئيس "وواديه فين؟ وما يخدش حقه من التعليم؟"، الإجابات على هذه الأسئلة تبين مدى الانحدار والفوضى والجهل الذي سيصل إليه المجتمع لو طبقنا هذه النظرية، سيكون لدينا جيل ليس لديه ولاء أو ذرة انتماء لأرض ولد عليها، هل الحل أن نحرمه من حقوقه، وهل نفرض عليه ضريبة للحياة؟، وما ذنبه أن الله قدر وجوده بيننا؟، هل يمنحه الله الحق في الحياة، ونحن نحكم عليه بالإقصاء والتمييز؟، لا شك أنها إجابات مخيفة لو فكرت فيها.

لا ننكر أن الانفجار السكاني أزمة، لكن لا تعالج الأزمات بكوارث، «ليس هكذا تورد الأبل يا أستاذ إبراهيم»، لا تُحل القضايا بمجرد قانون، ولكن بممارسات تضمن تطبيق القانون، الوعي المجتمعي هو الرهان الفائز لتقدم المجتمعات وبناء الحضارات، والمعول عليهم هم المفكرون الذين يشكلون ثقافة الشعوب ويقدمون أطروحات رحيمة بالمواطن لها من أدوات التنفيذ المتاحة ما يجعلها وجيهه وسائغة لدى المجتمع، أطروحات قادرة على فك شفرة التشابك بين رغبات الناس ورؤى صناع القرار.

لقد كان السيد الرئيس أكثر حرصًا من صاحب الأطروحة وأكثر تفهمًا لثقافة المجتمع، خصوصًا أنهم لم يجرموا أو يذنبوا عندما أنجبوا، رئيس يدرك الفرق بين أن تطبق القوانين بقناعة شعبية في تحقيق المنفعة، وبين قانون يتقاطع مع ثقافة وعادات مجتمعية متجذرة لعقود.


كنت أتفهم لو صدر هذا الأمر من شخص عادي، لكن ما لا أقبله أن يختلط الأمر على كاتب كبير «يطلق الحبل على الغارب» لفكره فيتداخل دوره التوعوي للناس بخطورة مشكلاتهم مع دور من يشرعون القوانين التي تخفف العبء على المواطن، ويطالب بسن قانون فيقطف به رقاب الناس، ونسي أن المواطن يحتاج من يأخذ بيده فيصبح ترس في عجلة البناء، لا أن نلقي به حجر عثرة في طريق تقدم الوطن، فيا ليته سكت.