قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إنه بإلقاء نظرة إلى التطور القانوني والتشريعي في مصر مثلًا في قضية ختان الإناث، نجد أن أوّل نص صدر في مصر حول ختان الإناث هو القرار الوزاري رقم 74 لعام 1959.
وأِشار عبر صفحته على فيس بوك الى أن هذا القرار يتضمّن في مادته الأولى كشفًا بأسماء لجنة مكوّنة من خمسة عشر عضوًا من رجال الدين المسلمين وأهل الطب، من بينهم وكيل وزارة الصحّة مصطفى عبد الخالق، ومفتي الديار المصريّة حسن مأمون، ومفتي الديار المصريّة سابقًا حسنين محمّد مخلوف. وقد جاء في المادّة الثانية أن تلك اللجنة قد قرّرت ما يلي:
أن يحرّم بتاتًا على غير الأطبّاء القيام بعمليّة الختان وأن يكون الختان جزئيًّا لا كليًّا لمن أراد.
منع عمليّة الختان بوحدات وزارة الصحّة لأسباب صحّية واجتماعيّة ونفسيّة.
غير مصرّح للدايات المرخّصات بالقيام بأي عمل جراحي، ومنها ختان الإناث.
ونوّه الى أن الختان بالطريقة المتّبعة الآن له ضرر صحّي ونفسي على الإناث سواء قَبل الزواج أو بعده.
وتابع: عندما كثرت حالات الختان وتسببت في تلك الأضرار البالغة بصحة الإناث؛ أصدر وزير الصحة المصري قرارًا وزاريًّا بتاريخ 8/7/1996 القرار رقم 261 لسنة 1996 الذي يقول: «يحظر إجراء عمليّات الختان للإناث، سواء بالمستشفيات، أو العيادات العامّة، أو الخاصّة، ولا يسمح بإجرائها إلاّ في الحالات المرضيّة فقط والتي يقرّها رئيس قسم أمراض النساء والولادة بالمستشفى وبناء على اقتراح الطبيب المعالج».
وذكر أنه قد ظن بعض المسلمين ممن لم تتسع آفاقهم أن هذا القرار يعد مخالفاً للشريعة الإسلامية، وبالتالي حسبوه مخالفاً للدستور المصري، فقاموا برفع دعوى قضائية لدى محكمة القضاء الإداري، وذكرت المحكمة في حيثيات حكمها ما نصه: «وخلصت محكمة القضاء الإداري إلى أن المستفاد من استعراض الآراء الفقهيّة المتقدّمة: أن الشريعة الإسلاميّة لم تتضمّن حُكمًا فاصلاً أو نصًّا قطعيًّا يوجب ختان الإناث أو يحظره، ومن ثم فإن الأحكام التي وردت في هذا الشأن كلّها ظنّية، وحيث إن الطب لم يُجمع أيضًا على رأي واحد، وإنّما ذهب البعض إلى أن ختان الإناث يحقّق مصلحة طبّية، بينما ذهب البعض الآخر إلى أنه يلحق بهن أشد الأضرار النفسيّة والطبّية، وحيث إن لولي الأمر أن ينظّم الأمور التي لم يرد فيها نص شرعي قطعي في كتاب الله أو سُنّة رسوله ولم يرد فيها إجماع، وكذلك المسائل الخلافيّة التي لم يستقر فيها الفقه على رأي واحد.
وبصفة عامّة جميع المسائل التي يجوز فيها الاجتهاد، وأن مسلك ولي الأمر في ذلك ليس مطلقًا، وإنّما يجب أن يكون مستهدفًا بتنظيمه تلك المسائل تحقيق مصلحة عامّة للناس أو رفع ضرر عنهم بما لا يناهض نصًّا شرعيًّا ولا يعاند حُكمًا قطعيًّا».
وجاء قرار محكمة القضاء الإداري سنة 1997 بأنه: لا يمكن اعتبار قرار الوزير مخالفاً للدستور. و«طالما أن الختان عمل جراحي خلت أحكام الشريعة الإسلاميّة من حُكم يوجبه، فالأصل ألاّ يتم بغير قصد العلاج». «فالجراحة أيًّا كانت طبيعتها وجسامتها التي تجرى دون توافر سبب الإباحة بشروطه كاملة تعتبر فعلًا محرّمًا شرعًا وقانونًا التزامًا بالأصل العام الذي يقوم عليه حق الإنسان في سلامة جسمه، وتجريم كل فعل لم يبحه المشرّع يؤدّي إلى المساس بهذه السلامة».
هذا بالنسبة لمصر، أما في أغلب الدول الإسلامية الأخرى؛ فهي لا تختن النساء، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية مثلاً، ولعل هذا الرد الموجز على تلك الشبهة قد أزال اللبس، وصحح الفهم في تلك القضية التي تستخدم للدعاية أكثر ما تستخدم للإنصاف، وعلى كل حال؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَرِد أنه ختن بناته الكرام عليهن السلام.