الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصطفى الشيمى يكتب: طلقني...!

صدى البلد

بالأمس طرق الود بابي وقررت لقاء صديق قديم لم نلتق منذ سنوات ، لم تختلف ملامحه كثيراً غير أن البياض ضرب رأسه ، لا يزال مرحاً ، مثقف ، ناصح أمين ، دعانى لحضور حفل زفاف صديق له في أحد أحياء شبرا القديمة ووافقت . علمت من صديقي أن العريس تزوج من خارج العائلة على غير رغبة والده بفتاة سبق لها الزواج وعاشت زمناً خارج مصر ، الغريب أن أم العروس كانت رافضة تماماً للعريس الذى سبق له أيضاً الزواج وأنجب طفلين من زوجتة الأولى .الفرح بسيط ، جلس العروسين و الطفلين بجانبهما ، أضاف صديقى  أن العريس حاول العدول عن فكرة الفرح لأنهما الاثنان سبق لهما الزواج من آخرين ولكن العروس رفضت وأصرت على الفرح وأن فرحتها لم تكتمل من دون جلوسها فى الكوشة بفستانها الأبيض . مرت الأجواء بهدوء حتى تهكم أحد الأقارب  بأن هذا الزواج تم على ورقة طلاق . انصرفنا فى هدوء حتى لا يلاحظ صديق صديقى وجلسنا سوياً على أحد المقاهى نتحدث ونسترجع ما مضى  . جلس بجانبنا أربعة شباب يتكلموا بصوت عالي يشكون مُر الشكوى من زوجاتهن . جميعا له سابقة في الطلاق مرة و أكثر . تبادلوا أسباب الطلاق وكان كلما يندب أحدهم حظه ، يوقفه الأخر قائلاً : أقسم بالله أنت بتتكلم عن مراتى . فمنهم من طلق زوجته في الهاتف ، والأخر أرسل لها رساله بالطلاق مكتوبة على الواتس أب ، والآخر برسالة صوتية على التلجرام . والأخير طلق زوجته بعدما رفضت أن تحذف تعليقاً وصفته بالعابر ، وضعته على مقالاً لأحد الكُتّاب قالت فيه " جميل جداً سلمت يد من كتبها " ليرُدَّ صاحب المنشور بكلمات شكراً جزيلاً  ،  الأمر الذي تسبّب بحالة احتقانٍ بين الزوجين لتنتهي بالطلاق .
 أجتمعوا على أنهم لم يجدوا أسباب حقيقة واضحة للطلاق  حيثُ إنّ بعض الأزواج والزوجات يُصرون على الطلاق من باب الرد أو إثبات الذات أمام الطرف الآخر، دون الأخذ بعين الاعتبار العواقب الوخيمة بعد الإقبال على هذه الخطوة . استدعى الأمر الضحك والسخرية والتهكم ، ولكنه أيضاً كانت لى فرصة للتأمل والتفكير بين أجواء هذا  الفاصل الكوميدي الذى عُرضت فيه  الأسباب الرئيسية للطلاق من سوء المعاملة والتحقير والأذى البدني والنفسي ، وتسرب الملل و الروتين والتكرار، وعدم التوازن في توزيع مسؤوليات تربية الأبناء وأعباء الحياة الأسرية والتمادي في الاعتماد على الخدم ، و السماح باختراق الأهل الخصوصية وسرية العلاقة ، وعدم الاعتناء بالنظافة واللباس والألفاظ ، والتعصب والعصبية ، والغيرة المرضية والشك وعدم الثقة، وإدمان مواقع التواصل الإجتماعي . ولكن السبب الحقيقي للطلاق لم يكن واضحاً بشكل كامل وهو تراكم لكل ما سبق .
تذكرت وقتها رسالة سيدة إلى خبير أُسري في صحيفة نيويورك تايمز تقول فيها : أنا امرأة متزوجة منذ خمس سنوات، كنت قد اتفقت أنا وزوجي منذ البداية أن الوقت غير مناسب لإنجاب أطفال ، وكان اتفاقاً مشتركاً بيننا، لأن ظروف عملنا تمنعنا من الحصول على أطفال والاعتناء بهم ، ولكن بقاءنا بمفردنا في البيت خلق نوعاً من الملل، وقررت أنا وهو الحصول على قطة في بيتنا، وهو الأمر الذي حدث . الان زوجى لم يعتنى بالقطة أو يهتم بها .. فهل أطلب الطلاق ؟  فمثلاً زوجي لا ينظف صندوق فضلات القطة أبداً ، وكنت أقوم بهذا العمل بشكل يومي، وعدم قيامه بهذه المهمة أزعجني كثيراً. هل عليّ ترك هذا الرجل لأنه لا يتحمل المسؤولية أو ماذا أفعل؟.. أريد نصيحة...!
يمكن القول إن الطلاق أو "مبادرة أقلب الصفحة " في السابق كانت مرتبطة بأسباب جوهرية لا يمكن تحملها مثل غياب الزوج طويلاً عن المنزل إما بسبب السفر وإما العمل  ، عدم الانفاق على الاسرة . وغيرها من الأسباب الاجتماعية المقبولة ولكن الان يحدث لأتفه الأسباب و يكون الطلاق نتيجة للعناء الذي قد يصل إلى كثير من التوتر بين طرفي العلاقة..
 الإسلام جعل الطلاق في أضيق الحدود ، وفي حالة استحالة العشرة بين الزوجين ، وبما لا تستقيم معه الحياة الزوجية ، وصعوبة العلاج إلا به وحتى يكون مخرجاً من الضيق وفرجاً من الشدة في زوجية لم تحقق ما أراده الله - سبحانه وتعالى- لها من مقاصد الزواج التي تقوم على المودة والسكن النفسي والتعاون في الحياة. ولم يكن الأمر بالمطلق فقد ذكر الكاساني في " بدائع الصنائع " أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " تزوجوا ولا تطلقوا، فإن الطلاق يهتز له عرش الرحمن " .
 ويقول الله تعالى في سورة التغابن "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " ... فالعفو أن تستطيعي خصام زوجك ولا تفعلى وكذلك العكس  ، والصفح مبادرة لقلب الصفحة القديمة ، والمغفرة مقترنة بعدم استرجاع الأحداث القديمة مرة أخرى بعد سنين . هناك من يقتصر فهمه على الجزء الأول من الآيه ولا يكملها ، وهنا يصدق قول عبدالله بن مسعود : إنّا صعب علينا حفظ ألفاظ القرآن وسهل علينا العمل به ، وإنّ من بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن ويصعب عليهم العمل به .... الطلاق يبغضه الله ويفرح به الشيطان وهو حصاد لتعجل اللسان ، يقول حكيم لأبنائه: يا بَنيّ ، أصلحوا ألسنتكم ، فإنّ الرجل تنوبه النائبة فيتجمّل فيها ، ويستعير من أخيه دابته ومن صديقه ثوبه ، ولا يجد من يعيره لسانه...