أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن مصر تمتلك كنوزًا نادرة وإستثنائية فى كل تاريخها منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى نهاية أسرة محمد على ومن مواطن التميز والإبداع والقيمة الاستثنائية إيوان القبلة بجامع السلطان حسن بميدان صلاح الدين بحى الخليفة والذى اعتبره معظم المؤرخين أعجوبة عصرهم حيث يذكر القلقشندى:"لم يسبق إلى مثلها ولا سمع فى مصر من الأمصار بنظيرها يقال إن ايوانها يزيد فى المقدار على إيوان كسرى بأذرع حددها المقريزى بأنها خمسة اذرع"، ويبلغ ارتفاع ايوان القبلة 19م وجدرانه مكسوة بالرخام والأحجار الفاخرة الملونة.
ويوضح الدكتور ريحان أن كلمة إيوان كلمة فارسية تعنى فى العمارة الإسلامية بناء له سقف يفتح فى ضلع واحد على الصحن بعقد كبير ويلاحظ أن أرضيته تكون مرتفعة عن سطح أرضية المدرسة وأن إيوان كسرى أو طاق كسرى هو الأثر الباقي من أحد قصور كسرى آنوشروان جنوب مدينة بغداد عام 540م ويتكون الإيوان من جزئين أساسيين المبنى نفسه والعقد الذي بجانبه ويعتبر من أعظم الأبنية من نوعه في ذلك العصر
ويتابع بأن إيوان السلطان حسن معقود بعقد مدبب من الحجر ويضم المحراب يجاوره منبر من الرخام له باب من النحاس المفرع وبوسط الإيوان دكة مبلغ من الرخام يلفت النظر فيها تلبيس عمد الرخام الملون في نواحيها ويحيط بإيوان القبلة إفريز نادر من الجص مكتوب عليه بالخط الكوفي المزهر آيات من القرآن الكريم ويتخلل الكتابة زخارف دقيقة وقد غشيت الجدران الجانبية لإيوان القبلة بأشرطة من الرخام الملون إلى ارتفاع متر ونصف من أرضية الإيوان.
ويشير الدكتور ريحان إلى الغموض الذى أحاط بمشيد هذا البناء العظيم وبقي اسم المهندس غير معروف لم يذكره أحد من المؤرخين، ولكن استنتج هرتس باشا من أسلوب عمارته أنه أجنبي ورجح أنه بيزنطي تلقى أصول الطراز الإسلامي في أحد البلاد السلجوقية ولكن اكتشف اسمه الأثري حسن عبد الوهاب سنة 1944 على نص مكتوب في طراز جصي بالمدرسة الحنفية نصه "بسم الله الرحمن الرحيم إن المتقين في جنات وعيون أدخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منا بمخرجين. اللهم يا دائم لا يفنا يا من نعمه لا تحصا أدم العز والتمكين والنصر والفتح المبين ببقاء من أيدت به الإسلام والمسلمين وأحييت حسن ابن مولانا السلطان ال...... عنه على ما وليته وخلده في ذريته كتبة تحمو دولته وشاد عمارته محمد ابن بيليك المحسني".
والأمير محمد بن بيليك المحسني من أمراء الألوف ومن أولاد الناس، وقف بجانب السلطان حسن في محنته مع يلبغا، ونشأت أسرته في عصر المنصور قلاوون، وتقلب أفرادها في وظائف الدولة.
وينوه الدكتور ريحان إلى أن مسجد ومدرسة السلطان حسن أنشأها السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون (757 هـ - 764 هـ/1356م - 1363م) خلال فترة حكم المماليك البحرية لمصر ويوصف بأنه «درة العمارة الإسلامية بالشرق» ويمثل مرحلة نضوج العمارة المملوكية ويتكون البناء من مسجد ومدرسة للمذاهب الأربعة (الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة) وكان يْدَرَّس بها أيضًا علوم تفسير القرآن، الحديث النبوي، القراءات السبع، بالإضافة إلى مُكتِّبين لتحفيظ الأيتام القرآن وتعليمهم الخط.
موقع المسجد قديمًا سوقًا يسمى "سوق الخيل" وكان به قصر أمر ببنائه الناصر محمد بن قلاوون لسكنى الأمير يلبغا اليحياوي، ثم قام السلطان حسن بهدم هذا القصر وبنى محله هذه المدرسة ويواجهه مسجد الرفاعي فى بانوراما متفردة، ويجاوره مسجد المحمودية، مسجد قاني باي الرماح، مسجد جوهر اللالا، بالإضافة إلى مسجد محمد علي، ومسجد الناصر قلاوون بقلعة صلاح الدين، ومتحف مصطفى كامل.
ولفت الدكتور ريحان إلى أن السلطان حسن قرر لمدارس المذاهب الأربعة مدرسين ومراقبين وعين لهم مرتبات وقرر لكل مذهب شيخًا ومائة طالب، من كل فرقة خمسة وعشرون متقدمون وثلاثة معيدون والمعيدهو الذى يردد وراء الشيخ، وعين مدرسًا لتفسير القرآن، وعين معه ثلاثين طالبًا، وعين مدرسًا للحديث النبوي، ومقرئًا لقراءة الحديث ومعهما ثلاثين طالبًا، ثم عين بالإيوان القبلي شيخًا مفتيًا، وعين مدرسًا عالمًا بالقراءات السبع، وعين اثنين لمراقبة الحضور والغياب أحدهما بالليل والآخر بالنهار، كما أعد مكتبة وعين لها أمينًا، وألحق بالمدرسة مكتبين لتعليم الأيتام القرآن والخط، وقرر لهم الكسوة والطعام، فكان إذا أتم اليتيم حفظًا يعطى خمسين درهمًا، ويمنح مؤدبه خمسين درهمًا مكافأة له وعين السلطان ثلاثة أطباء أحدهم باطني والآخر للعيون، يحضر كل منهما كل يوم بالمسجد ليداوي من يحتاج إلى علاج من الموظفين والطلبة والثالث جرّاح.