الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

اليائس يرفع أيده

[٧:٥٢ ص، ٢٠٢١/٩/٣] Mohsen Awadallah: عجيب هو الإنسان ! يفرح فيظن أنه ما حزن أبداً  ويحزن فينسى لحظات الفرح التي عاشها يوماً ، متقلب المزاج دوماً ،قليلاً ما يرضي ونادراً ما يصفى ، كثير الغضب سريع الندم حاد الأفكار بطئ في توافقه مع باقى الأفراد، عينيه على سعادته بينما قدميه تمضي في طريق تعاسته.. 
لأنه ببساطة لم يدرك الخيط الرفيع بين ما يرسم له البهجة وما يكتب له الشقوة ، غريب هو هذا الكائن الحيران!

الضجر واليأس والاكتئاب ثالوث التدمير الإنساني أخطر أعداء النفس البشرية ، أعداء ماكرة تتسلل للنفس في لحظة هي فيها حائرة.
ليس للأمر علاقة بالمستوى الثقافي  وإلا ما انتحر إرنست هيمنجواي وڤيرچينيا وولف ،ولا بقدر  الشهرة فالمخرج الأمريكي توني سكوت المعروف باخراج معظم أعمال المبدع  دينزل واشنطن والتي حققت نجاحاً مادياً وجماهيرياً انتحر  قفزاً من فوق أحد الجسور بلوس أنجلوس،كما أنه من المستحيل ربط الأمر  بمعيار الجمال وإلا ما انتحرت مارلين مونرو وداليدا !
ولا يهم إذا ماكانت تلك الشخصية فرفوشة أو كوميدية فحادث انتحار روبين ويليامز لا زال محيراً ، وهناك المزيد من النجوم الساطعة في سماوات الدنيا الواسعة من أصحاب التجربة.

ولن نعول على المسببات الاجتماعية والخلفيات العائلية والظروف المادية فلا يوجد سبب ثابت ولا نمط واحد، وربما لو علمنا أن كل من يسرا وأحمد زكي ونجلاء فتحي ورشدي أباظة وصباح وتحية كاريوكا ونجيب محفوظ وأنيس منصور كلهم أصحاب محاولات انتحار سابقة ولأسباب متباينة سندرك أن النفس البشرية كالأواني الزجاجية قد تتحمل الكثير من الضغط والصدمات لكن قد تعصف بها أضعف الخبطات…

ولنتذكر قصة نقطة المياه التي فتت الحجر ، فآخر نقطة بريئة كالذئب من فتاته ، ولكنها تحملت وزر ما سبقها من سيل الزمن ! انهار الحجر ولم تكف المياه عن تدفقها فتلك طبيعتها ،أما الحجر  فلم يكن في سعته المزيد من التحمل…
أكاد أسمع تلك الهمسات الغاضبة المستنكرة وهي تتمتم وأين الدين؟ وربما من البداية وهناك من يرفض كل الحكاية ومن وجهة نظره ما يعنينا من فناء بعض الملحدين والكافرين! وما يشغلنا  بالفنانين سواء مسلمين أو مسيحيين ! أما الأدباء فلن يلتفت إليهم أحداً فالبعض يرى إنهم بالأساس زمرة من المجانين! أما البشر العاديين الغير معروفين فهم خاسئين ؛ وكل من حاول الانتحار آثم بعيد كل البعد عن الدين لذا لن يضير  الكوكب فناء بعض الفاسقين !

لا شك أن الوازع الديني والحافز الايماني لهما باع في مدى هوان النفس على صاحبها ، ولكن بالتأكيد ليس لهما ذراع في كل أفعالنا، وخاصةً أن كلاهما مختلفان فالدين والإيمان فكرتين مستقلتين ، فكل منا له دينه ولو كان من عبدة البقر ؛ والإله له قدسيته في طوايا أتباعه وإن كان شجر ، حتى الملحد له إله يجله ويبجله وهو هواه وإن ضله وغيبه. 
أما الإيمان فهو الطريق الذي نختاره بالعقل أو القلب ،العمل والحب والذات والأفكار ما هي إلا عقائد إيمانية، ذلك الإيمان هو المسؤول عن الطاقة النورانية التي تدفعنا للنهوض من كبوة الكوابيس الليلية ومطاردة أحلام اليقظة النهارية. 
فالوازع الديني وحده لا يكفي لصد هجمات الأفكار السلبية ذات النتيجة الانتحارية ولا الإيمان المطلق بشئ أو بشخص أو بالنفس تحول بين المرء وعثراته النفسية ، هي فقط لحظة واحدة يقينية للفكرة الخالدة الشيطانية كفيلة بأن تجعل الأرض تضيق عليك بما رحبت ؛ اللحظة التي ترى نفسك فيها ( فاشل )!

طريق النجاح مملؤ بالعثرات والكبوات ،لا ندرك النجاح إلا بقدر نهوضنا بعد التعثر ، فالعُسر فرض واليُسر وعد والناجي من أنياب اليأس هو الواثق من قدرته على الحفاظ على العهد…
ذلك العهد الذي تقطعه مع حلمك وتكتب له نذور الإخلاص في نفسك، فأنتم معاً في الفرح والترح واليسر والعسر لن يفرقكم عِند الزمان ولا صلابة الأيام التي تُرهب الأحلام وتقهر الحالمين. 
طائرات الأحلام ربما تكون ورقية لكن يجب أن تكون إرادتها فولاذية فهي تتخبط بين الرياح تتعثر وتتعسر ولكن يجب أن لا تتأثر ، فلا تغير قبلتها مهما كانت المعوقات ولا تتراجع رغماً عن كل التحديات. 
لذا يجب أن نحصن نفوسنا من عفاريت اليأس الخفية وندرك أن عدم النجاح لا يعني الفشل !

نسعى ونخلص ونَكِد من أجل أحلامنا ولكن إدراك الحلم ليس بأيدينا إنما هي كلمة القدر ، وليس من العيب أن لا نصل وجهتنا ولكن العار أن نتنازل عنها هذا هو الفشل ، التراجع فشل والتنازل فشل والرحيل فشل ، فتمسك بحلمك وإن رحل عنك واستوطن أرضه وإن زجرتك. 
لا ترتد عن دين الحلم ولا تقتلع إيمانك به فذلك ما يجعلنا نترك الفِراش لننهض، ما يجعل للحياة معنى ، ما يلون النهار حتى لو بألوان قاتمة لكن ثقتك بالله ورغبتك فيه ستجعل الضؤ يتسلل لنهارك وتدرك نعمة الألوان وإن لم تكن مبهجة فهي أفضل من عتمة الليل وظلام القلب وسواد العقل.

إذا فشلت فأنت الملام لأنك لم تكن مخلصاً بما يكفي لتفهم ذاتك وتقدرها وتحملها قدر طاقتها ، فقد تحقق نجاح يشار له بالبنان ولكن ذلك لا يبرأك من تهمة الفشل، ببساطة لأنه لم يكن حلمك لم تحقق ذاتك ، نجحت ولكن في تحقيق حلم أحدهم تفوقت ولكن تلبية لرغبة بعضهم ؛ نجاحك مربوط بما تمناه الآخرون لكنه لم يكن يوماً يمثلك..أنت !
وقدلا تصل أبداً لهدفك المنشود لكنك تظل ناجحاً لأن قدمك ما زَلت عن الطريق وقلبك ما يزال ينبض باسم حلمك وإن بات بعيداً عن التحقيق، لذا كن نفسك ، صادق قلبك وصالح عقلك وأقرأ رغباتك وأفهم إمكانياتك وانطلق ، عليك السعي وعلى الله التساهيل …
 

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط