الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رجب الشرنوبي يكتب: سياسة مصر الخارجية.. رؤية إستراتيجية (1)

صدى البلد

لا يستطيع أحد أن ينكر التغيرات الهيكلية التي حدثت خلال السنوات الماضية علي محاور العمل الوطني داخل وخارج جمهورية مصر العربية..بدأت نتائج هذه القناعات الجديدة التي تحكم خطوط ومسارات العمل المؤسساتي الحكومي تتحدث عن نفسها وبصوت مسموع وواضح من خلال نتائجها المتعاقبة،التي كان لها أكبر الأثر في تغيير  الصورة الذهنية عن مفهوم ومعني الدولة لدي المواطن المصري وبخاصة أجياله الجديدة من الشباب والفتيات.

لاشك أن التصورات التي وضعها الرئيس السيسي لنفسه في قيادة الدولة وهي تمر بمرحلة من أخطر مراحلها التاريخية كان لها إنعكاسات إيجابية داخل دولاب العمل الحكومي..وهو مابدأ يستقر ويرسخ داخل دهاليز وأروقة الدولة،أعتقد أن أهمية العلاقة بين مفهوم قوة بنيان الدولة الداخلي وموقعها المتميز علي خريطة السياسة الإقليمية والقارية والدولية أصبحت الآن أكثر جلاء عن زي قبل.

قوة أداء الدولة الداخلي  وإستقرارها ودعم مواطنيها لقيادتها السياسية بلا شك سيمكن الرئيس من التحرك بأريحية شديدة..وسط هذه التحديات والتوترات والتغيرات التي تجتاح عالمنا اليوم،وهو مايعني في الوقت نفسه مضاعفة قدرة الدولة علي تحقيق المزيد من المكاسب الوطنية،التي ستنعكس فوراً بالإيجاب علي مستوي مؤشر جودة الحياة علي أرض مصر.

شهدنا جميعاً الوطن ولانزال وهو يجد نفسه في مواجهه تحديات لم يسعي إليها ولكنها فرضت عليه..كان تعامل فخامة الرئيس السيسي مع هذه التحديات حكيماً وهادئاً ومعبراً دون أدني شك عن الثوابت التي تنطلق منها سياسة مصر الخارجية بأبعادها الوطنية والقومية..مامكنه من قيادة السفينة بأمان وسط هذه الأمواج المتطلاطمة.

رؤية القيادة المصرية للمعطيات الداخلية الإقليمية من أكثر من زاوية وبعمق إستراتيجي متعدد الأبعاد،كان السمة الغالبة في تحركات كتيبة السياسة الخارجية بمؤسساتها الأربع خلال السنوات الماضية،تلك التحركات داخل القارة السمراء مقرونة بتحركات أخري في المحيط العربي والشرق أوسطي بالتأكيد كانت تحتاج إلي تحضير من نوع خاص وقدرات لها طابعاً مميزاً،حتي نتفادي صدام التفاصيل الداخلية لهذه الملفات المتشابكة والمعقدة، مما جعل لهذا الأداء إنعكاسات إيجابية وتقدير دولي صوب مسار  السياسة المصرية تبلور في النهاية مسار إقتصادي صحيح يصب في صالح الشعب المصري وأبنائه.

إنطلاق مصر لإعادة ترتيب علاقتها العربية ووضع أولويات لها بالتأكيد كان داعماً لها في مجابهه التحديات الداخلية التي صاحبت سنوات عسيرة..بدأت عقب أحداث يناير مروراً بحالة اللادولة التي عشناها جميعاً..والتي وصلت من خلالها جماعة الإخوان الإرهابية للإمساك بمقاليد الحكم،حتي كادت أن تطيح بالهوية المصرية التي تميز بها المصريين وحضارتهم بجذورها الضاربة في عمق التاريخ آلاف السنين.

بالتأكيد لم تتوقف نتائج تنشيط هذه العلاقات بمحاورها المتجددة عند هذا الحد،بل تخطت آثار تنسيق المواقف للرباعي العربي مصر والمملكة العربية ودولة الإمارات المتحدة وكذلك مملكة البحرين هذه المنطقة،علي صعيد ملفات هامة وتمثل نقاط ساخنة للصراع الإقليمي والدولي،الأحداث التي تدور كل هذه السنوات ولازالت في ليبيا والسودان وقطاع غزة والقضية الفلسطينية واليمن والمد الشيعي الإيراني ناحية الخليج وحتي ملف مياه النيل..الأمن القومي العربي وتوحيد الصفوف وتعظيم الموارد كلها مشتركات تؤخذ في الإعتبار دائماً،بصرف النظر عن إختلاف وجهات حول بعض التفاصيل الخاصة بهذه الملفات.

إحياء وإعادة تفعيل محور الشرق العربي والعلاقات المصرية الأردنية العراقية،للحد من محاولات السيطرة التركية الإيرانية علي خريطة الأحداث فوق أرض الرافدين،طمع الجارتين في موارد العراق الجريح والعبث بتركيبته العرقية كان واضحاً تحت مجهر السياسة المصرية..خصوصاً في ظل تردي الحالة الصحية للجسد السوري..التي تعمل مصر بكل طاقتها وإمكانيتها علي سرعة تعافية وعودة مؤسساته الوطنية هناك في أسرع وقت وتستضيف من أبنائه مايتخطي نصف مليون من أبنائه..يعيشون حياتهم الطبيعية كأشقائهم من المصريين عل أرض الكنانة.

تطور الأداء السياسي النشط للحكومة العراقية شيئاً فشيئاً يوماً بعد يوم تحت قيادة رئيس الوزراء مصطفي الكاظمي..عقب سنوات من الترهل والضعف في ظل التحديات والأطماع والتبعية لأطراف أقليمية ودولية كل منها يبحث عن مصالحه..عودة العراق الآمن الفاعل المستقل للساحة العربية مؤكد له من الإيجابيات علي تعافي وقوة تأثير القرار العربي الموحد المشترك مالا يمكن التغافل عنه..قدرة بغداد علي تنظيم مؤتمر بهذا الحجم قبل أيام يجمع العرب ودول الجوار في حضور فرنسا ومنظمات عربية وإقليمية ودولية..يبعث بلا شك إشارات إيجابية ورسائل ضمنية تبعث الأمل من جديد..عودة التنسيق العربي والمصالح المشتركة في ظل حالة التربص والصدام التي يعيشها المجتمع الدولي..هي السبيل الوحيد للعيش وسط هذا العالم المتصارع الذي تكون الغلبة فيه للأقوي فقط.

عودة السودان إلي الحضن العربي مرة أخري كانت إحدي هذه الثمار بالغة الأهمية للسياسة المصرية والعربية صوب الجنوب..بعد عقود من الإختطاف الإخواني بدأت مع إستيلاء البشير والترابي علي قرار صناعة مستقبل الأشقاء في جنوب الوادي قبل أن تفرق بينهما الأطماع..يدخل الأشقاء السودانين مع البشير في إقتتال داخلي وعزلة دولية وقطيعة كادت أن تفتك بهم..قبل أن يعود الجار الشقيق بإرادة أبنائه من جديد وبدعم من القاهرة ومساندة عربية..ليبدأ من جديد خطواته الأولي علي طريق النهضة والبنيان و يقبع البشير وعصابته خلف القضبان.

تطورات الأوضاع داخل الأراضي الليبية خلال السنوات الأخيرة كثيرة ومتلاحقة..بالتأكيد كانت القاهرة أحد أهم محطاتها الفاعلة..الداخل الليبي كان من أهم الجبهات المهددة للأمن القومي المصري..خصوصاً بعدما أصبح الغرب الليبي واحداً من قواعد الإرهاب الذي يمكن أن يمثل تهديداً مباشراً للحدود المصرية..في نفس الوقت لم تسلم دول الجنوب الليبي من هذا الإرهاب المنطلق من الأراضي الليبية..إغتيال الرئيس التشادي إدريس ديبي وماتشهده وتعاني منه دول الساحل والصحراء هي في الحقيقة من النتائج مباشرة لهذا الإرهاب..الذي ترعاه ولاتزال أنقرة منذ سنوات.

لايمكن غض البصر عن إرتباط هذا الإرهاب الإخواني ومايرتبط به من حركات جهادية عن تطورات المشهد في تونس..وبخاصة خلال العام الأخير الذي يشهد الآن حركة تصحيحية يقودها الرئيس قيس بن سعيد بدعم من الشعب التونسي الشقيق ضد إرهاب حركة النهضة المخادعة.

أصبح ثابتاً أن  التنسيق المصري العربي مع قيادات الشعب الليبي الوطنية..التي تتخذ من القاهرة مقراً شبه دائم لها..كان حاسماً في هذه المشاهد المؤلمة وفي تحويل مسار الأحداث في ليبيا إلي مافيه صالح الأشقاء الليبين..تجلت هذه التأثيرات ماناله هذا الملف من تفاعل وزخم دولي صاحب إعلان القاهرة وتحديد الرئيس السيسي سرت الجفرة خط أحمر لايمكن تجاوزه..وهو مايستحق أن نفخر كمصريين بما وصلت إليه قوة الدولة المصرية.

المشهد في غزة والقطاع وباقي الأراضي الفلسطسنية لم يكن غائباً عن  أعين صانع السياسة المصرية..القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني كانت حاضرة دائما في ذاكرة السياسة المصرية ولاتزال..الرئيس السيسي ومؤسسات الدولة الوطنية تعلم جيداً قيمة الحدود الشرقية مع غزة وإسرائيل وتأثيرها علي أمن مصر القومي..التكلفة الباهظة من الأرواح والأموال التي تحملها المصريين وأبنائهم للوقوف في وجه هذا الإرهاب الأسود المتسلل من غزة غير خافية علي أحد..تطور الأداء الذي أرتفعت وتيرته عام بعد عام تحت قيادة الرئيس السيسي قطعاً كان حاسماً في القضاء علي هذا الخطر الداهم القادم من الشرق..كان خطراً حقيقياً يهدد حياة أبناء الشعب المصري في ممتلكاته وأرواح أبنائه وهويته الوطنية.

بعد سنوات من العمل الدؤوب الشاق عاد للمصريين أمنهم وأمانهم وعادت القضية الفلسطينية إلي واجهه الأحداث العالمية مرة أخري بعد سنوات من التوهان والنسيان..ماشهدناه من أداء مشرف للقيادة المصرية والدور العربي خلال أحداث غزة الأخيرة..ماتشهده القاهرة اليوم من قمة ثلاثية تجمع القيادة المصرية بالأردنية والفلسطينية بالتأكيد ماهي إلا إنعكاسات طبيعية لهذا الأداء المشرف.

قبول حذر لعودة قطر وبشكل تدريجي للحضن العربي..ماتسعي إليه أنقرة ليلاً ونهار لإحداث تقارب مع الجانب المصري وعربي عبر القاهرة ..حديث في الخفاء يدور في طهران عن إمكانية  فتح ملف إعادة العلاقات مع مصر..تشابكات إقتصادية دولية ومتنوعة لها تأثيرات سياسية بالغة الأهمية أنجزتها القاهرة مع دول كبري خلال السنوات الماضية..تواجد مصري علي مسرح الأحداث القارية والإقليمية الشرق أوسطية معروف ومقدر.

بلاشك أنا ماقطعته مصر من أشواط في محاور البناء الداخلي المتنوع..الذي يبدأ بأمن الشارع وأمانه وينتهي بقدرة الدولة علي حفاظ نقاط أمنها القومي وبينهما عشرات الملفات..الصحية والتعليمية والإستثمارية والإقتصادية والغذائية ومشروعات تختص بالبنية الأساسية والخدمية وغير ذلك كثير لها من الآثار الإيجابية..مايعني تضاعف قدرات مصر علي قيادة العمل العربي في منطقة مملوئة بالمخاطر ومكتظة بالتحديات..وهو ماينعكس في تنامي التقدير العالمي لأهمية الدور المصري في الحفاظ علي السلم والأمن الدولي..في منطقة تملك من الثروات والموارد وتشهد من الصراعات مايجعلها دائما في طليعة الأحداث التي تتصدر نشرات الأخبار وشبكات الإعلام العالمية.

كيف تحركت مصر لإعادة تشابكتها وصياغة علاقتها الأفريقية بعد مرحلة من البرود وسنوات من الركود؟؟!!هذا هو موضوع مقالنا القادم بإذن الله..