قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إنه من المسائل الشائكة المتعلقة بمكانة المرأة في حضارة الإسلام قضية تعدد الزوجات وما يتبعها من فهم خاطئ أو ادعاءات مضلة تتنافى تماماً مع ماهية هذا الأمر في شرعنا الحنيف، ومن باب تصحيح المفاهيم وإرساء الحقائق يجب علينا أن نعلم أن الإسلام جاء بالحد من تعدد الزوجات، ولم يأت بالدعوة أصالة إلى تعدد الزوجات كما يظن غير المتخصصين، فعن سالم، عن أبيه؛ أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: «اختر منهن أربعاً» (أخرجه أحمد في مسنده). من هذا الحديث يظهر لنا أن الإسلام نص على الحد من كثرة عدد الزوجات، وفى المقابل لم يرد أمر لمن تزوج واحدة بأن يتزوج أخرى، وذلك لأن تعدد الزوجات ليس مقصوداً لذاته، وإنما يكون تزوج الرجل مرة أخرى لأسباب ومصالح عامة.
وأضاف علي جمعة أنه لم يرد تعدد الزوجات في القرآن الكريم بمعزل عن أسبابه، قال الله عز وجل: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا» (النساء: 3)، فالذين فسروا الآية الكريمة، أو درسوها كنظام إنساني اجتماعي فسروها بمعزل عن السبب الرئيس الذي أُنْزِلتَ لأجله، وهو وجود اليتامى والأرامل، إذ إن التعدد ورد مقرونا باليتامى؛ حيث قاموا بانتزاع قوله تعالى: «فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ» دون القول السابق، الذي صيغ بأسلوب الشرط «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى» وكذلك دون القول اللاحق، والذي يقيد تلك الإباحة بالعدل، حيث قال: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة»ً.
وأوضح عبر صفحته علي فيس بوك إلى أن من يذهب إلى القرآن الكريم لا يجد دعوة مفتوحة صريحة للتعدد دون تلك القيود التي أشرنا إليها، ومن ذهب إلى السنة فسيجد أن الإسلام نهى عن التعدد بأكثر من أربع نساء، وشتان بين أن يكون الإسلام أمر بالتعدد حتى أربع نساء، وأن يكون نهى عن الجمع بين أكثر من أربع نساء.
ونوه أن إنّ نظام تعدّد الزوجات كان شائعاً قبل الإسلام بين العرب، وكذلك بين اليهود والفرس، والتاريخ يحدّثنا عن الملوك والسلاطين بأنّهم كانوا يبنون بيوتاً كبيرة تسع أحياناً أكثر من ألف شخص، لسكن نسائهم من الجواري، وفى بعض الأحيان يقومون بتقديمهن كهدايا إلى ملوك آخرين، ويأتون بنساء جديدات، والغريب أن الذين يحاربون نظام الإسلام في السماح للرجل بالزواج مرة أخرى في ظروف معينة يعانون من تفكك أسرى، وانتشار الفاحشة، وإباحة تعدد الخليلات «العشيقات» بلا عدد ولا حد، فالخليلة لا تتمتع بحقوق الزوجة، إضافة إلى ما يترتب على الأمر من خيانة الزوجة، وإسقاط حقوقها، ناهيك عن عدم الاعتراف بتلك الخليلة وبأولادها. فهي وحدها التي تتحمل ثمن أجرة الإجهاض، أو تعيش غير متزوجة «الأم العازبة»، لترعى طفلها غير الشرعي!.