الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نجيب مصر

الأدب ثورة على الواقع وليس تصويراً له بهذا الوعي استطاع الاديب العالمي نجيب محفوظ  أن ينقل إبداعه من المحيط الضيق إلى افاق تنوعت بين الواقعية والرمزية والفلسفية بدأ محفوظ كتابته للرواية  في الثلاثينات  بروايات تاريخية كفاح طيبة وهمس الأقدار وكانت البداية التي تنبات باديب استثنائي وتلاحقت اعماله.
التي جاءت انعكاس صادق للمتغيرات السياسية والاقتصادية  مرتكزا  حول الطبقة الوسطي وقضاياها الاجتماعية  متمحورا احيانا حول كوامن النفس البشرية بكل تفاصيلها وتعقيداتها من خلال البحث وراء المعاني الكبري وصياغتها في بناء روائي ناعم تجاوز الواقع المادي بايحاءات ذات دلالات فلسفية جعلته ينتقل من دائرة العمل الابداعي الي الرؤية الاعمق متعددة الابعاد  وافاق رحبة  تخطت حدود جغرافيا المكان والزمان  فانطلقت شخصياته الروائية الشديدة المحلية الي العالمية محدثة حالة من الجدل  الابداعي لاديب شديد الثراء  من طراز شديد  التفرد.
وكانت الحارة المصرية هي القاسم المشترك لانتاجه الادبي فهي ملهمة محفوظ  وبطله الرئيسي الذي استوحي منه واضاف عليه استوعب ملامحه وتفاصيله فرسم منه صورة دقيقة بنماذج انسانية بسيطة تارة ومعقدة تارة اخري ليرصد لنا مشهد يعج بحراك اجتماعي وتحولات سياسية واقتصادية صاحبها متغيرات ترتبت عليها فجاء ابداعه عبراكثر من خمسون عاما مكملا لحقبة تاريخية لايمكن فهمهما فهما صحيحا بدون قراءة ادب نجيب محفوظ.
وتنوعت اعماله بين الواقعية والفلسفية والرمزية وتبقي رواية أولاد حارتنا التي صدرت عام 1959ونشرت في حلقات متتابعة بجريدة الأهرام  وتوقف نشرها  بعد اعتراض الأزهر الشريف عليها باعتبارها تمس المقدسات الدينية والذات الالهية رغم تاكيد محفوظ علي تمحور روايته المربكة حول القيم العليا و صفات العدل و الرحمة التي افتقدتها الحارة الا انه اثر السلامة منعا للاصطدام مع الأزهر الشريف وإن لم يمنع ذلك الناشرون من نشرها بالخارج في  طبعات عديدة ويشاء القدر ان تكون الرواية المحرمة هي طريقة للعالمية .  
وبعد سنوات يعيد نجيب محفوظ نفس الفكرة في نسخة معدلة وهي الحرافيش عام 1977 ولكنه هذة المرة التزام بالفكرة الرئيسية بعيدا عن اي خط رمزي قد يفسر دينياً من خلال عشر حكايات تدور حول قيم الحق والعدل والخير والمساواة من خلال اجيال متعاقبة. 
وما بين رواية عبث الأقدار  و أحلام فترة النقاهة هو العمل الأخير لصاحب جائزة نوبل قبل الغياب تخلل  التاريخ الابداعي للاديب العالمي  فترات من الصمت الروائي وان لم يكن صمتا تام بل افرز لنا مجموعة من القصص القصيرة والصمت عند نجيب محفوظ ارتبط بمرحلة المتغيرات فالصمت الاول من 1942حتي 1951هو صمت ترقب فيها المتغيرات الاجتماعية والسياسية التي افرزت ثورة يوليو وجاء الصمت الثاني عقب هزيمة 67واستمر حتي عام 1972  وكانت القصة القصيرة هي وسيلته في فترات الصمت  لتناول فكرة ملحة لا يمكن الانتظارلمعالجتها روائيا. 
ومابين التاريخية والوقعية تجلت لغة السرد ببلاغيات رفيعة المستوي ومفردات سلسة ثرية كانت السهل الممتنع فاخرج محفوظ اللغة العربية من عليائها  اللغوي الكلاسيكي ونزع عنها قدسيتها وشحنها بهواء جديد ممزوج بملح الارض فقد رسم الطريق لتأسيس لغة طيعة دقيقة شديدة الالتصاق بالواقع في تحولاته الدائمة. 
تميز اخر تفرد به السرد الروائي عند محفوظ وهوبراعته في استحضار الصورة الذهنية للمكان بتفاصيله الجغرافية وعبقه الزماني فجعل للمكان صورة وللزمان رائحة يشعربها قارئه ويستحضرها وهو يتنقل بين سطور رواياتة التي قدمت لنا وصفا دقيقا فعانق المكان الجغرافي الحقبة التاريخية في صورة ابداعية ساحرة جعلت للزمان والمكان  دورا كبيرا في مسارات ادب نجيب محفوظ.
نجيب محفوظ منارة تنويرية وهرم ابداعي يضاف لاهرامات مصر الخالدة  غاب الجسد لكنه حاضرا بقوة  في مسيرة الرواية العربية بابداعاته التي ستبقي خالدة في التاريخ الانساني وفي الوجدان المصري والعربي بل وفي ذاكرة الادب العالمي.
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط