الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الذكرى 15 لرحيل أديب نوبل.. 3 نساء أثرن في حياة نجيب محفوظ

مراحل حياة نجيب محفوظ
مراحل حياة نجيب محفوظ

لم يكن الأديب المصري نجيب محفوظ روائيا عظيما فحسب، بل كان مصريا يحمل كل سمات الشخصية المصرية، وهو ما جعله يتربع على عرش قلوب المصريين خاصة، والعرب والغرب أيضا.
هل كان يدرك نجيب محفوظ صاحب نوبل، أن 1742 شخصية روائية وقصصية، خلقها «محفوظ» طوال 60 عاما، تقريبا، كانت كافية لجعله واحدا من أمهر صناع الإبداع والحكى والتجسيد فى العالم؟.

أديب نوبل نجيب محفوظ

بعض شخصيات محفوظ، تحتاج إلى دراسة مطوّلة، مثل أحمد عبد الجواد وولده كمال فى «الثلاثية»، وعاشور الناجى عميد «الحرافيش»، وأيضًا قاسم فى الرواية المثيرة للجدل «أولاد حارتنا»، ذلك أن تلك الشخصيات المعقدة، المركبة بلغة الدراما التى كان لمحفوظ منها نصيب الأسد بين أقرانه من المبدعين وظهرت فى 141 عملا دراميا، ما بين سيناريو وحوار له شخصيًا، أو أعمال مأخوذة عن إبداعه لكتاب سيناريو آخرين.

شخصية السيد أحمد عبد الجواد

ترى هل كان يدرك صاحب «القاهرة 30» أن محجوب عبدالدايم، تلك الشخصية النادرة فى بدايات القرن الماضى، فى التحليل السسيولوجى للشخصية المصرية بوجه عام، ستزكم رائحتها الأنوف بعد عقود من الزمن حتى بات العصر الذى نحياه بعد رحيل صاحب نوبل، يعج بآلاف من عينة «محجوب» ؟.

شخصية محجوب عبد الدايم

نجيب محفوظ كان «الراصد الأول لطبيعة الشخصية المصرية على مر العصور» - حسب وصف الروائى والكاتب ناصر عراق - كان معجمًا دقيقا للشخصية المصرية وجوهرها، تلك الشخصيات التى احتلت رواياته الساحرة، التى متى أدركناها، لن نعجز عن فهم أنفسنا بعد ذلك أبدًا.
لقد لعب صاحب «أصداء السيرة الذاتية وأحلام فترة النقاهة»، دورًا رائدًا، فى ترسيخ تقاليد الرواية العربية، منذ رواياته التاريخية الأولى التى صدرت فى الثلاثينيات «كفاح طيبة- رادوبيس»، حتى «قشتمر»، التى نشرت حلقاتها فى الأهرام عام 1988.

نشأة أديب عالمي

ولد نجيب محفوظ فى حى الجمالية بالقاهرة، في ١١ ديسمبر ١٩١١، وأمضى طفولته في الجمالية، ثم انتقل إلى العباسية والحسين والغورية، وهى أحياء القاهرة القديمة التي استلهمها في أعماله الروائية، والده كان موظفاً لم يقرأ كتاباً فى حياته بعد القرآن غير حديث عيسى بن هشام، لأن كاتبه المويلحى كان صديقاً له، وكان عمره 7 أعوام حين قامت ثورة 1919 التى أثرت فيه وتذكرها فيما بعد فى "بين القصرين" أول أجزاء ثلاثيته.
التحق بجامعة القاهرة فى 1930 وحصل على ليسانس الفلسفة، انضم إلى السلك الحكومى ليعمل سكرتيراً برلمانياً فى وزارة الأوقاف (1938 - 1945)، حتى أصبح رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما (1966 - 1971)، وتقاعد بعده ليصبح أحد كتاب مؤسسة الأهرام.
بدأ نجيب محفوظ الكتابة فى منتصف الثلاثينيات، وكان ينشر قصصه القصيرة فى مجلة الرسالة، وفى 1939، نشر روايته الأولى «عبث الأقدار» التى تقدم مفهومه عن الواقعية التاريخية.
توقف عن الكتابة بعد الثلاثية، ودخل فى حالة صمت أدبى، انتقل خلاله من الواقعية الاجتماعية إلى الواقعية الرمزية، ثم بدأ نشر روايته الجديدة "أولاد حارتنا" فى جريدة الأهرام فى 1959، التى طبعتها دار الآداب اللبنانية فى بيروت عام 1967، وأعيد نشرها فى مصر عام 2006 عن طريق دار الشروق.

محفوظ شابا

محفوظ وكيفية الحفاظ على حرارة اللغة العربية

كان الهاجس الذى يؤرق جيل نجيب محفوظ - وفقًا لما ذكره الكاتب الكبير فى أحاديثه عندما احترفوا مهنة الكتابة منذ أواسط الثلاثينيات- هو كيفية الحفاظ على حرارة اللغة العربية وتطويرها، فى وجه احتلال إنجليزى بغيض، يفرض لغته فى كل شىء، محاولا بخبث إزاحة اللغة العربية وإضعافها.
لم يكن من عجب، أن يشير عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين فى شهادته حول تجربة محفوظ بقوله: «إن روعة قصص نجيب محفوظ تأتى من لغتها، فهى لم تكتب فى اللغة العامية المبتذلة، ولم تكتب فى اللغة الفصحى القديمة التى يشق فهمها على الناس، وإنما كتبت فى لغة وسطى يفهمها كل قارئ لها مهما كان حظه من الثقافة، ويفهمها الأميون إن قرئت عليهم، وهى مع ذلك لغة فصيحة نقية، لا عوج فيها ولا فساد، وقد تجرى فيها الجملة العامية أحياناً حين لا يكون منها بد فيحسن موقعها، وتبلغ منك موقع الرضا».

رسالة نادرة من محفوظ إلى طه حسين

الحب في حياة نجيب محفوظ

«الحب يسعد لا يشقي.. ولكن لم أسعد بحبي»، بهذه الكلمات افتتح الأديب الراحل نجيب محفوظ حديثه عن الحب، الذي كشف عن فشل كل مغامراته العاطفية بدايةً من بنت الجيران في حي العباسية، وهي العقدة التي طالت الكثيرات من بعدها حتى ظل وحيدًا دون شريكة.
حينما يُصاب «نجيب» بولع وعذاب الحب لا يجد مفرًا سوى للسفر إلى الإسكندرية، فهو المكان الذي يهدئ من «فورة عواطفه»، وقال في أحد حواراته الصحفية: «اهرب إلى الإسكندرية.. وفي كل مرة يصطدم حبي بصخرة الواقع».
وعن سبب عدم زواجه ممن أحب وهن كثر، قال:  «لأن أبي مات وفات والدتي "فاطمة" أرملة وأم، وكانت ماليتي يا دوب، وكنت رجلهم الوحيد، وقد تزوج أخواي الأكبر مني منذ سنوات وانشغلا بأسرتيهما».
وأردف: «كنت خاطب قبل موت أبي، خاطب حبيبتي الأولى، فذهبت إليها وأفهمتها الظروف وافترقنا، وظلت تلك الظروف قائمة حتى سرقني الزمن وفاتني سن الزواج، أما الآن زالت الأسباب، ولكن سن المرونة في أخلاقي فات، زال هو الآخر».

نجيب وزوجته

سر عزوفه عن الزواج 43 عامًا

بدأ «محفوظ» في سرد أسباب عزوفه عن الزواج رغم بلوغ سنه وقتها 45 عامًا، قائلا: «الزواج عبارة عن توافق وتوازن وشركة، أعني أن الرجل يقابل المرأة في منتصف الطريق، يعني بيتنازل لها عن أشياء وتتنازل له عن أشياء، أما أنا فقد كبرت الآن واعتدت على العزوبية، وأرفض أن أغير شيئًا من عاداتي وطباعي، لكني أرفض أيضًا أن أعذب تلك التي سترتبط بي بإرغامها على نظام حياتي أنا، دون أن تكون لها كلمة واحدة أو رأي واحد فيها».
الطريف هو أن نجيب محفوظ كان متزوجًا من السيدة "عطية الله إبراهيم" قبل ذلك الحوار بحوالي عامين، وهو ما أخفاه عن والدته وأصدقائه وأقربائه لـ10 سنوات، وهي الفترة التي أنجب فيها ابنتيه أم كلثوم وفاطمة، وفضل إخفاء خبر زواجه للحفاظ على حياته الخاصة، وهو ما انكشف بعد أن تشاجرت إحدى ابنتيه مع زميلة لها في المدرسة، لتصل المعلومة إلى صلاح جاهين من خلال والد الفتاة، ومنه اتسعت دائرة المعرفة بحقيقة الأمر.

محفوظ وابنتيه

النساء في حياة وأدب نجيب محفوظ

أكد نجيب محفوظ، أنه كتب الكثير من أعماله تحت تأثير حُب المرأة، مُسترجعًا ذكرياته بقوله: «عرفت النساء في الأحياء الشعبية من المعايشة المباشرة، يكفي جلوسي أمام بيتنا في الجمالية، كنّ يجئن إلى أمى، إحداهن تبيع الفراخ، أخرى تكشف البخت، دلالات، منهن نساء واظبن على زيارتنا في العباسية، كُنت أصغي إليهن في أحاديثهن مع الوالدة، وهن يروين لها الأخبار، وعرفتُ نماذج عديدة منهنّ ظهرت في رواياتي فيما بعد».
وأضاف: «الحقيقة أن المرأة في حياتي وأدبي شيء واحد، لعبت المرأة في حياتي دورًا كبيرًا، إن لم يكن مثل السياسة فهو يفوقها، أثر الوالدة في التربية، ونوع الثقافة التي منحتها لي، على الرغم أنها لم تكُن مثقفة، ثم تجربة الحب الأول التي سيطرت على حياتي بدرجة كبيرة، وبعد ذلك تجارب حُب، منها ما هو عابر، لكن كان لهُ أثره الكبير في تعرفي إلى عدد كبير من النساء والفتيات، نماذج عجيبة وغريبة، ظهرت فيما بعد في أعمالي كُلها».

نجيب مع زوجته وابنتيه

ثلاث نساء أثرن في أديب نوبل

يرصُد نجيب محفوظ قصة 3 سيدات من أصحاب الفضل عليه، كخيوط بِكر للإلهام، بدأت حبيبته الأولى، والثانية جامعة أعقاب السجائر، أما الثالثة فكانت سيدة الغناء العربي، كوكب الشرق، أم كلثوم.

1- «عايدة يا قضائي وقدري، ولو لم أعرف عايدة لكُنت إنسانًا غير الإنسان، ولكان الكون غير الكون»، هكذا قال كمال عبدالجواد، في «قصر الشوق»، الرواية التي سطّرها نجيب محفوظ، بناءً على مشاعر حقيقية، مستوحاة من شخصية «عايدة»، كما اعترف في أواخر الثمانينيات للأديب الراحل، جمال الغيطاني، وهو ما سجّله الغيطاني ضمن كتاب بعنوان «نجيب محفوظ يتذكّر».
يقول محفوظ عن المرأة التي ألهمتهُ: «خبأت حبي الأول مُنذ زمن بعيد، لا أستطيع تتبع أخبارها الآن، لأنها ابنة عائلة اندثرت منذ مدة، قصرهم أصبح عمارة، كانت سراياهم في شارع بالعباسية اسمه حسن عيد يصل بين شارع العباسية وشارع الملكة نازلي، أصبح مكان السراي الآن عمارتان حديثتان؛ لا أعرف مصيرها، أو أين هي الآن، في مصر أو خارجها، حتى إخوتها انقطعت أخبارهم عني».
وأضاف: "أحيانًا يقولون إن الدنيا تلف وتدور ثم تشوف، لكن هذه انقطعت أخبارها كلها عنى بالمرة، الغريب أن البيت الصغير الذي أسكن فيه بالإسكندرية تعيش به قريبتها في الطابق الذي يقع تحتي، ابن عمها دكتور قابلني ذات مرة وتذكرني، لكن ليس من المعقول أن أسأله عنها، معقول أن تكون ماتت، لو أنها تعيش، فهي الآن فوق الثمانين".
يُحدث نجيب محفوظ نفسه عن الحُب الأول، قائلًا، قيل في الزمن البعيد، إنها تزوجت مهندسًا، وبعد زواجها لم أرها إلا مرة واحدة في ميدان الإسماعيلية، واسمه الآن ميدان التحرير، تمكن مني هذا الحب في شبابي إلى حد كبير، ومن عجب أن صورتها اختفت تمامًا وراء سُحب الماضي، بل تعذرت على الوضوح، كما قال في فصل «صفاء الكاتب»، من كتاب «المرايا»: «لا أعرف لون شعرها ولا تسريحتهُ ولا لون عينيها أو رسمها، ولا طول قامتها أو درجة امتلائها، ذاب ذلك في سائل سحري».

2- في أحد اللقاءات الصحفية القديمة، التي عُقدت مع الأديب الراحل نجيب محفوظ، سألهُ المحاور «ماذا كان موضوع قصتك القصيرة الأولى؟»، فردّ نجيب قائلًا: «جامعة أعقاب سجائر»، فكانت تلك الفتاة هي إحدى مُلهمات الأديب، نجيب محفوظ، والتي أثرت عالمه الروائي.

نجيب وأم كلثوم

3- أما السيدة الثالثة التي ألهمت نجيب محفوظ، كانت كوكب الشرق، أم كلثوم، حيثُ قال في اعترافاته للغيطاني: «في البداية لم أكُن أستمع إلى أم كلثوم، سمعناها في أسطوانات سنة 1926، كما تشاجرتُ مرة مع واحد لأنه قال إن أم كلثوم أفضل من منيرة المهدية».
وبعد ذلك تحسنت العلاقة بين نجيب محفوظ وأم كلثوم سماعيًا، لدرجة أنه كتب في جريدة «الأيام»، 21 ديسمبر 1943، مقالاً عن أم كلثوم، قائلاً: «وما من جمود مثل أن تقارن أي صوت من الأصوات المصرية بهذا الصوت المُتعالي، فقل في غناء أسمهان وليلى مراد ونور الهدى ما تشاء، إلا أن تقارنه بصوت أم كلثوم، فتضره من حيث أردت أن تنفعه، وتهينه من حيث أردت أن تكرمه وتمرغه في التراب وقد أردت أن تسمو به السماء».

جنازة نجيب محفوظ

وفاة صاحب نوبل

تُوفى نجيب محفوظ فى بدايه 29 أغسطس 2006 عن عمر ناهز 95 عاما، إثر قرحة نازفة بعد عشرين يوماً من دخوله مستشفى الشرطة، لإصابته بمشكلات صحية فى الرئة والكليتين.