ان البشرية قائمه على الاختلاف والتنوع, فما البشر إلا شعوب وقبائل مختلفة العادات والمعتقدات تتعارف وتتآلف، وعليه فإن الأصل أن لا يشكل الاختلاف تهديداً ولا أن يثير مخاوف، والأصل هو عدم الشعور بالذعر بسبب الاختلاف في الرأي والأفكار.
فالله سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين في كل شيء، في عقولنا وأفكارنا وأشكالنا حتى في بصمة الأصابع، فلا يوجد شخص في العالم بصمته مطابقة لبصمة الآخر.
ومن المؤشرات التي تضع المجتمعات المتقدمة في الصدارة دائماً، هو تطبيق مبدأ التعايش رغم الاختلاف, وكلما كان المجتمع أكثر استعداداً للتعايش والانسجام والتقارب والتناغم، كلما كان المجتمع أكثر تطوراً وتقدماً واستقراراً وهذا ما أرسى دعائمه الإسلام، وغرسه وطبّقه النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم وبعده أهل بيته الكرام، فعاش غير المسلمين مع المسلمين في كنف الأمّة الإسلاميّة بأمن وأمان واستقرار، وقامتْ الحضارة الإسلاميّة وازدهرت فيها العلوم، وكانت مثالا للتعدّديّة الفكريّة والتّنوير، وذلك على مبدأ قوله تعالى (وجَعلْناكُمْ شعوبًا وقبائلَ لِتَعارَفوا). ومعنى تعارفوا، أي أن يحصل بينكم تبادل بالمنافع والأفكار والثّقافات، فهذه الآية تدلّ على أنّ التعدّديّة والاختلاف ثراء وغنى، وإنّ اختلاف المجتمعات والبشر هو إرادة اللّه، والآية واضحة بهذا الشأن في قوله تعالى (ولوْ شاءَ ربّكَ لجعلَ النّاسَ أمّةً واحدةً) وكأنّ حكمة الكون الربّانيّة، هي أنّ الاختلاف هو الذي سيغني الكرة الأرضيّة.
فالاختلاف بين أفراد المجتمع الواحد هو أمر طبيعي ومقبول، لكن من غير المقبول أن يتحول هذا الاختلاف إلى خلاف, بل يجب أن يكون هناك متسع لتقبل الآخرين واختلافهم, وقبول الآخر لا يعني بالضرورة اقتناعك برأيه، فللكل الحق في اتخاذ التصور الذي يراه، وإنما هو إقرار بوجود رأي آخر واحترامه (حتى لو كان مخالفًا لرأيك) والاستماع إليه ومناقشته بكل موضوعيةٍ وحياد وهدوء ورحابة صدر دون التحيّز لرأيك الشخصي وفرضه على الطرف الآخر, ودون الحاجة إلى الذّوبان في الآخر وإلغاء الذّات أو الهويّة أو الثّقافة أو الإيمان.
ولم تعد المشكلة فقط بتقبل الآراء عند اختلاف وجهات النظر، بل أصبح من يخالف يتعرض للهجوم والإقصاء، فضلا عن شن وابل من الاتهامات عليه، ويصل الأمر إلى التنمر عليه والتقليل من شأنه فضلا عن إطلاق أوصاف سيئة قد تطاله وتطال عائلته.
ومن الجدير بالذكر أن مواقع التواصل فتحت المجال لانتشار هذه الظاهرة، وأصبحت مساحة لشن الحروب على من يخالف رأي المجموعة أو يقرر أن يعبر عن رأيه ووجهة نظره كما يراها هو, فكل شخص يشعر أن لديه منبراً يستطيع أن ينظر من خلاله من دون أن يتقبل رأي الطرف الآخر، فضلا عن ثقافة “الأنا” لديه والغرور وعدم إعطاء الآخرين فرصة للتعبير عن آرائهم واحترامها, فيعتقد الشخص أن لا أحد غيره يحق له فرض الرأي، فيغتال شخصية الآخر، ويسعى للهيمنة عليه في حال ناقشه أو حاوره وقد يصبحان عدوين مطبقين مبدأ (إن لم تكن معي فأنت ضدي) رغم أن المطلوب هو فقط (أنت حر إن لم تتقبل رأيي, لكن لا تهاجمني!).
ومن أجل العمل على نشر هذه الثقافة لا بد من اتخاذ بعض الخطوات العملية في هذا المجال ألا وهي:
١- التأكيد على أن قبول الآخر ثقافة تكتسب منذ الصغر فمن المهم أن ننشر هذه الثقافة بين اولادنا أولاً صعوداً إلى الفئات العمرية الأخرى، فالأمر ليس ثقافة عامة بقدر ما هو ثقافة شخصية.
٢- تعلم مهارة الاستماع إلى الطرف الآخر, هي ليست مهارة فحسب، بل هي وصفة أخلاقية يجب أن نتعلمها، كثير من الناس لا يحسنون الاستماع لبعضهم البعض، فلا يستطيعون فهم بعضهم البعض، الكل يريد الحديث لكي يفهم الطرف الآخر، لكن لا أحد يريد الاستماع.
٣- تعلم ثقافة الحوار والعمل على مبدأ (الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية), فثقافة الحوار هي التي تعصمنا من الاختلاف المذموم وتجعله اختلافاً محموداً،
اما على مستوى العمل فعند تطبيق ثقافه الاختلاف فان اختلافك مع مديرك فى وجهه نظر او على مستوى العمل التطبيقى لا يجب ان تؤخذ على المستوى الشخصى فلكل منا وجهه نظره لكن المسؤول الاول هو المدير فيجب الالتزام برايه ان لم يقتنع بوجج النظر والتعلم منها اما ان كان اسلوب ادارته لا يروق للمرؤوس وقرر عدم الاستمرار بالعمل فيجب ان يكون خروجه بكل احترام دون افتعال اى مشكله مع المدير او الاداره عامه اما على الجانب الاخر فيجب على المدير ان يحتوى مرؤوسه ويستمع الى وجهه نظره فيمكن ان تكون صحيحه اما ان كانت خاطئه فيجب تقويمه ولا يجب ان تؤخذ بمحمل شخصى حتى لا يتحول الاختلاف الى مشكله اما ان وصل الاختلاف الى اقصى حالاته فيجب ان يقوم المدير بتوجيه المرؤوس الى نقاط ضعفه ونقاط قوته حتى يعمل عليها وان يضمن له الخروج الامن مع الاحتفاظ بالود والاحترام حتى اخر لحظه فهذه هى اخلاق الاسلام التى دائما يدعونا بها رسولنا الكريم فكما قال ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا).