الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل صلاة أربعين رجلا على الميت يدخله الجنة؟

إذا شهد للميت أربعين
إذا شهد للميت أربعين

إذا شهد للميت أربعين أو صلوا عليه الجنازة .. هل يدخل الجنة ؟.. لعله أحد الأسرار المتعلقة بالميت ، والتي تشغل الكثيرون ممن يسعون لبر موتاهم وتخفيف ظلمة القبر عنهم، ويبحثون عن كل ما يُحسن حال موتاهم في القبور وعند ربهم، لذا يلتمسون كل عمل صالح قد يصل إلى الميت ، ومن أحد تلك الأمور ما روي بأنه إذا شهد للميت أربعين أو صلوا عليه الجنازة هل يدخل الجنة ؟.

إذا شهد للميت أربعين 

إذا شهد للميت أربعين  ، ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ مَاتَ لَهُ ابْنٌ بِعُسْفَانَ، أَوْ بِقُدَيْدٍ، فَقَالَ: يَا كُرَيْبُ انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ لَهُ النَّاسُ فَخَرَجَ فَإِذَا النَّاسُ قَدِ اجْتَمَعُوا لَهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: تَقُولُ هُمْ أَرْبَعُونَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَخْرِجُوهُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلا لا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلا شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ"، رواه مسلم، و هذا الحديث جاءت له روايات متعددة في هذا المعنى: منها رواية «لا يشركون بالله شيئاً» وجاء: «مائة رجل» بدلاً من 40 رجلاً وجاء: «صلى عليه أمة يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف»، واستشهاد العلماء بهذا الحديث على أنه إذا كان العدد قليلاً في صلاة الجنازة للإمام أن يقسمهم إلى صفوف ثلاثة، ولو كان الصف شخصين فقط، لتعدد الصفوف على رواية ثلاثة صفوف.

إذا شهد للميت أربعين ، ورد أن المقصود بـ«شفاعتهم» أي يخلصون له الدعاء، فيدعون له بالمغفرة، وبحسن الجزاء، بنية خالصة، وبقصدٍ طيب بأن الله سبحانه وتعالى يغفر له، وبعضهم يقول: يشفعون، أو يشهدون له بالثناء عليه خيراً، وورد،"بأن جنازةً مرت، فأثنوا خيراً، فقال صلى الله عليه وسلم: وجبت، وقيل: قالها ثلاث مرات، وجبت، وجبت، وجبت ومرت جنازة أخرى، فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت، وجبت، وجبت، فقال عمر: ما وجبت يا رسول الله؟! قال: وجبت الجنة بالثناء عليه، ووجبت النار بذمه، أنتم شهداء الله على خلقه".

إذا شهد للميت أربعين ، و تخصيص 40 رجلاً أو مائة ليس قاصراً للشفاعة، وبعض العلماء يقول: هذا عدد لا مفهوم له، أي ليس له مفهوم مخالفة، فلو جاء عدد مائة ونقص واحد أو عشرة وصاروا تسعين، لا نقول إن هذا يبطل العدد، وبعضهم يقول: إن تلك الحالات أجوبة عن أسئلة قد صدرت، بمعنى واحد يسأل: يقول: يا رسول الله! رجل صلى عليه أربعون رجلاً، أيشفعون فيه؟ قال: نعم، ثم جاء رجل آخر وقال: رجل صلى عليه مائة رجل يشفعون فيه؟ قال: نعم، يعني لم يكن ذلك ابتداءً وتحديداً من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كانت أسئلة، والأسئلة مختلفة، تارةً يسأل عن أربعين، وتارةً يسأل عن أربعة، وتارةً يسأل عن مائة، وفي كلٌ يجيب: بنعم يشفعون فيه».

شهادة الناس للميت بالخير

شهادة الناس للميت بالخير ، ورد في صحيح البخاري ، عن عمر بن الخطاب: أَتَيْتُ المَدِينَةَ وقدْ وقَعَ بهَا مَرَضٌ وهُمْ يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَرِيعًا، فَجَلَسْتُ إلى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، فَمَرَّتْ جَنَازَةٌ، فَأُثْنِيَ خَيْرًا، فَقالَ عُمَرُ: وجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بأُخْرَى، فَأُثْنِيَ خَيْرًا، فَقالَ: وجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بالثَّالِثَةِ، فَأُثْنِيَ شَرًّا، فَقالَ: وجَبَتْ، فَقُلتُ: وما وجَبَتْ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ قالَ: قُلتُ كما قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّما مُسْلِمٍ شَهِدَ له أرْبَعَةٌ بخَيْرٍ أدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ، قُلْنَا: وثَلَاثَةٌ، قالَ: وثَلَاثَةٌ، قُلتُ: واثْنَانِ، قالَ: واثْنَانِ، ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الوَاحِدِ.

شهادة الناس للميت بالخير ، وفي هذا الحَديثِ يخبِرُ التابعيُّ أبو الأَسْودِ الدُّؤَليُّ أنَّه قَدِم المَدينةَ وقدْ وقَعَ بها مَرضٌ، وهو كِنايةٌ عن كثرةِ المَوتَى كما سيأتي في الحديثِ، فجَلَس إلى عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضي اللهُ عنهُ، فمَرَّت بِهم جِنازةٌ محمولةٌ لتُدفَنَ -والجنازةُ اسمٌ للمَيتِ في النعشِ- فأَثنَوْا على صاحبِها بِالخَيرِ الَّذي يَعرِفونَه مِن حالِه، فقالَ عُمرُ: وَجبَتْ، ثُمَّ مُرَّ عليهم بِجَنازةٍ ثانِيةٍ، فأُثنيَ على صاحِبِها خَيرًا، فقالَ عُمرُ رَضيَ اللهُ عَنه: وَجبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بالثَّالثةِ فأُثنِيَ على صاحِبِها شَرًّا، فذكروا ما فيه مِن الشَّرِّ وما كان يُشتهَرُ منه بأوْصافٍ وأخْلاقٍ ذَميمةٍ، فقالَ عُمرُ رَضيَ اللهُ عَنه: وَجبَتْ، فسَأله أبو الأَسوَدِ: ما مَعْنى الوُجوبِ فيهِم مع اختِلافِ الثَّناءِ بِالخَيرِ والشَّرِّ؟ .

شهادة الناس للميت بالخير ، فأخبَرَ عُمرُ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّه سَأل النبيَّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ عن مِثلِ ذلك، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَيُّما مُسلمٍ شَهِدَ لَه أَربعةٌ بِخَيرٍ، أَدخَلَه اللهُ الجنَّةَ، فأيُّ إِنسانٍ ماتَ على الإِسلامِ، وأَثْنى عليه أَربعةٌ مِنَ المُسلمينَ مِن أَهلِ الفَضلِ والصِّدقِ بِما يَعرِفونَه عنه مِنَ الأعمالِ الصَّالحةِ الَّتي كان يَفعلُها؛ فإنَّه يُرجى لَه الجنَّةُ، فسَأله عُمرُ وغَيرُه مِنَ الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عَليهِم: وثَلاثةٌ؟ فقالَ صلَّى اللهُ عَليه وسلَّم: كَذلكَ إذا شَهِدَ له ثَلاثةٌ، فقُلْنا: واثْنانِ؟ قالَ: واثْنانِ. ثُمَّ لَمْ يَسألوا النبيَّ صلَّى اللهُ عَليه وسَلَّم عن ثَناءِ الشَّخصِ الواحِدِ؛ لأَنَّ هذا المَقامَ مَقامٌ عَظيمٌ، لا يُكتفَى فيه بأقَلَّ مِن نِصابِ الشَّهادةِ.

شهادة الناس للميت بالخير ، وفي هذا الحديثِ جَعَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَهادةَ أصْحابِه لأحَدٍ بالجنَّةِ أو النارِ دليلًا على وُجوبِها، ومَعْنى وُجوبِ الجنَّةِ لأحَدٍ ثُبوتُها له؛ إذِ الثُّبوتُ هو في صِحَّةِ الوُقوعِ كالشَّيْءِ الواجِبِ، والأصْلُ أنَّه لا يَجِبُ على اللهِ شَيْءٌ، بل الثَّوابُ فضْلُه، والعِقابُ عَدْلُه، لا يُسْأَلُ عمَّا يَفعَلُ، على أنَّ هذا الثَّناءَ بالخيْرِ أو الشَّرِّ لمن أَثْنَى عليه الناسُ فكان ثَناؤُهُم مُطابِقًا لأفْعالِ مَنْ أَثْنَوْا عليه، فإنْ لم يكُنْ كذلك فليس هو مُرادًا بالحديثِ، وقد قيل: إنَّ المُخاطَبينَ بذلك هُمُ الصَّحابةُ، ومَن كان على صِفَتِهِم من الإيمانِ؛ لأنَّهم يَنْطِقون بالحِكْمةِ، ويَختَصُّ ذلك بالثِّقاتِ والمتَّقينَ، وفي الحديثِ: أنَّ المُسلِمين إذا شَهِدوا بالخيرِ للمَيتِ، فقد أثْبَتوا له الحقَّ بالجنَّةِ، وفيه: التَّنبيهُ على الإحسانِ إلى النَّاسِ، وإظْهارِ الخيرِ للمُسلِمينَ، وعدَمِ إظْهارِ السُّوءِ.

ما من مسلم يشهد له ثلاثة إلا وجبت له الجنة 

ما من مسلم يشهد له ثلاثة إلا وجبت له الجنة ، ورد في صحيح الترمذي عن عمر بن الخطاب ،  مرُّوا بجنازةٍ فأثنوا عليها خيرًا فقالَ عمرُ وجبت فقلتُ لعمرَ وما وجبت قالَ أقولُ كما قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قال ما من مسلمٍ يشهدُ لَه ثلاثةٌ إلَّا وجبت لَه الجنَّةُ قالَ قلنا واثنانِ قالَ واثنانِ قالَ ولم نسأل رسولَ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عنِ الواحدِ.

ما من مسلم يشهد له ثلاثة إلا وجبت له الجنة ، ورد أن َرحمةُ اللهِ بعِبادِه واسعةٌ، وفضْلُه عليهم لا يُحْصى، ومن ذلك أنَّه جعَلَ شَهادةَ المُسلِمين لأحدِهم بالخيرِ دليلًا على استحقاقِه الدُّخولَ في فضْلِ اللهِ وجنَّتِه، وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أبو الأسودِ الدِّيَليُّ: "قدِمْتُ المدينةَ"، أي: مدينةَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان ذلك في عَهْدِ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنه، "فجلسْتُ إلى عمرَ بنِ الخطَّابِ"، أي: جلسْتُ عندَه أو قريبًا منه، "فمَرُّوا بجِنازةٍ"، أي: بميِّتٍ على نَعْشِه، "فأثْنَوا"، أي: بعضُ مَن كان عندَ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنه، "عليها خيرًا"، أي: ذَكَروا الميِّتَ بالخيرِ، وشَكروا أفعالَه في حياتِه قبْلَ موتِه، فقال عمرُ رضِيَ اللهُ عنه: "وجبَتْ"، أي: وجبَتْ له الجنَّةُ واستحَقَّها، "فقلْتُ لعمرَ: وما وجبَتْ؟" قال: أقولُ كما قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ قال: "ما مِن مُسلِمٍ" والمُرادُ به: الميِّتُ المُسلِمُ، "يَشهَدُ له ثلاثةٌ"، أي: من المُسلِمين، "إلَّا وجبَتْ له الجنَّةُ، قال: قُلْنا: واثنانِ؟ قال: واثنانِ".

ما من مسلم يشهد له ثلاثة إلا وجبت له الجنة ، وجاء أن مِن الحِكمةِ في اختلافِ هذا العددِ- حيث جاء: أربعةٌ، وثلاثةٌ واثنانِ، كما في روايةِ البُخاريِّ-؛ نظرًا لاختلافِ المعاني؛ لأنَّ الثَّناءَ قد يكونُ بالسَّماعِ الفاشي على الألْسنةِ، فاسْتُحِبَّ في ذلك التَّواتُرُ والكثرةُ، والشَّهادةُ لا تكونُ إلَّا بالمعرفةِ بأحوالِ المشهودِ له، فيأتي في ذلك أربعةُ شُهداءَ؛ لأنَّ ذلك أعلى ما يكونُ من الشَّهادةِ، كما في الشَّهادةِ على الزِّنا، فإنْ قَلُّوا كانوا ثلاثةً، فإنْ قلوا عن ذلِك كانوا شاهدَينِ؛ لأنَّ ذلك أقلُّ ما يُجزِئُ في الشَّهادةِ على سائرِ الحُقوقِ؛ رحمةً من اللهِ تعالى لعِبادِه المُؤمِنين؛ ولهذا لم يسْألوا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن الواحدِ؛ حيث قال عمرُ رضِيَ اللهُ عنه: "ولم نسأَلْ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن الواحدِ"، أي: ثمَّ لمْ نسأَلِ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ثَناءِ الشَّخصِ الواحدِ: هل يُكْتفى به؟ وذلك أنَّ هذا المقامَ مَقامٌ عَظيمٌ؛ فلا يُكْتفى فيه بأقلَّ من النِّصابِ كما أجراهُ اللهُ في أُمورِ الدُّنيا.

ذكر الميت بالخير

ذكر الميت بالخير ، ورد أنه ينبغي إذا مات المؤمن أن يذكر بما فيه من الأوصاف الحميدة، ويدعى له، ويرجى له الخير من الله تعالى؛ ولا ينبغي ذكر أخطائه؛ فإنه أفضى إلى ما قدم، ولا ندري لعل الله تجاوز عن سيئاته، وغمرها ببحار حسناته؛ ففي حديث البخاري: لا تسبوا الأموات؛ فإنهم أفضوا إلى ما قدموا.

ذكر الميت بالخير ، جاء في الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ. وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ. قَالَ عُمَرُ: فِدًى لَكَ أَبِي، وَأُمِّي: مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ، فَقُلْتَ: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ، فَقُلْتَ: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ.

ذكر الميت بالخير ، جاء أن تأبين الميت، ورثاؤه على الطريقة الموجودة اليوم من الاجتماع لذلك، والغلو في الثناء عليه، لا يجوز؛ لما رواه أحمد، وابن ماجه، وصححه الحاكم من حديث عبدالله بن أبي أوفى قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي ـ لما في ذكر أوصاف الميت من الفخر غالبا، وتجديد اللوعة، وتهييج الحزن، وأما مجرد الثناء عليه عند ذكره، أو مرور جنازته، أو للتعريف به بذكر أعماله الجليلة، ونحو ذلك مما يشبه رثاء بعض الصحابة لقتلى أحد وغيرهم، فجائز؛ لما ثبت عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال, صلى الله عليه وسلم: وجبت, ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال: وجبت. فقال عمر ـ رضي الله عنه ـ: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض.

ذكر الميت بسوء

ذكر الميت بسوء ، ورد فيه أن من مات يجب الكف عنه وعدم ذكر مساوئه مطلقاً, ولا يجوز ذكره إلا بالخير كالترحم عليه ونحوه، فالجواب عنه: أن هذا المعنى له أدلة تقرره وتشهد له, وإن كانت ليست على إطلاقها وعمومها, وقد جمع الشوكاني رحمه الله تعالى طرفاً من ذلك في نيل الأوطار فقال: باب الكف عن ذكر مساوئ الأموات: وذكر فيه حديثين أحدهما: عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا. رواه أحمد والبخاري والنسائي. والثاني: عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا. رواه أحمد والنسائي.

ذكر الميت بسوء ، و معناهما فقال: قوله: لا تسبوا الأموات. ظاهره النهي عن سب الأموات على العموم, وقد خصص هذا العموم بما تقدم في حديث أنس وغيره أنه قال صلى الله عليه وسلم عند ثنائهم بالخير والشر: وجبت، أنتم شهداء الله في أرضه. ولم ينكر عليهم. ونص حديث أنس المشار إليه هو قوله: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال: وجبت، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض. رواه البخاري. وقيل: إن اللام في الأموات عهدية والمراد بهم المسلمون لأن الكفار مما يتقرب إلى الله عز وجل بسبهم.

ذكر الميت بسوء ، يدل على ذلك قوله في حديث ابن عباس المذكور: لا تسبوا أمواتنا... وقال القرطبي في الكلام على حديث وجبت أنه يحتمل أجوبة، الأول: أن الذي كان يحدث عنه بالسر كان مستظهراً به فيكون من باب لا غيبة بفاسق أو كان منافقاً، أو يحمل النهي على ما بعد الدفن والجواز على ما قبله ليتعظ به من يسمعه, أو يكون هذا النهي العام متأخراً فيكون ناسخاً، قال الحافظ: وهذا ضعيف. وقال ابن رشيد ما محصله: أن السب يكون في حق الكافر وفي حق المسلم، أما في حق الكافر فيمتنع إذا تأذى به الحي المسلم، وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك كأن يصير من قبيل الشهادة عليه، وقد يجب في بعض المواضع وقد تكون مصلحة للميت، كمن علم أنه أخذ مالا بشهادة زور ومات الشاهد، فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم أن من بيده المال يرده إلى صاحبه، والثناء على الميت بالخير والشر من باب الشهادة لا من باب السب. 

ذكر الميت بسوء ، والوجه تبقية الحديث على عمومه إلا ما خصه دليل كالثناء على الميت بالشر, وجرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتاً لإجماع العلماء على جواز ذلك، وذكر مساوئ الكفار والفساق للتحذير منهم والتنفير عنهم، قال ابن بطال: سب الأموات يجري مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير وقد تكون منه الفلتة فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقاً معلنا فلا غيبة له وكذلك الميت. انتهى.

ذكر الميت بسوء ، الخلاصة أن الأصل هو الإمساك عن سب الموتى، وذكرهم بما يسوؤهم ويؤذي الأحياء إلا إذا كان لمصلحة، قال المناوي في فيض القدير: نهي عن سب الأموات لما فيه من المفاسد التي منها أنه يؤذي الأحياء, ومحله في غير كافر ومتظاهر بفسق أو بدعة, فلا يحرم سب هؤلاء ولا ذكرهم بشر بقصد التحذير من طريقتهم والاقتداء بآثارهم كما يدل عليه عدة أحاديث مرت، وقال الإمام محمد بن حزم في المحلى: ولا يحل سب الأموات على القصد بالأذى، وأما تحذير من كفر أو من عمل فاسد فمباح.

ذكر الميت بسوء ، وبهذا يتم الجمع بين الآثار والواردة في هذا الباب والجمع أولى من الترجيح، كما يقول أهل العلم فلا يذكر الميت بسوء، وإنما يثنى عليه بما علم من عمله الخير إن وجد, وترجى له المغفرة، ويدعى له بالرحمة, ولا يعدل عن ذلك إلا لمصلحة راجحة, كتحذير من عمله السيء ليلا يغتر الجاهل به ونحو ذلك مما بيناه سابقاً لاعلى سبيل التفكه والتندر أو بقصد إيذاء الأحياء فذلك لا يجوز.