قليلون هم من يعرفون أن أفغانستان ليست ذلك المجتمع الواحد المتجانس الذي يتصورونه، فهي بالأحرى مجتمع جامع لألوان متباينة من القوميات والقبائل والثقافات، يسود بينها السلام والتناغم حينًا، والاحتراب والتنافر أحيانًا.
وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، رُسمت حدود دولة أفغانستان الحالية أواخر القرن التاسع عشر في سياق التنافس بين الإمبراطوريتين البريطانية والروسية.
ولم يتم إجراء إحصاء وطني للسكان في أفغانستان منذ الإحصاء الجزئي الذي جرى في عام 1979.
وجعلت سنوات الحرب والهجرة والنزوح إجراء إحصاء دقيق أمراً مستحيلًا، وبالتالي فإن التقديرات الحالية للسكان هي تقريبية.
البشتون رأس الحربة
حسب التقديرات الحالية يشكل البشتون حوالي 40 في المئة من السكان وأكبر مجموعتين من قبائل البشتون هما "دوراني" و"غلزاي"، والموطن التاريخي لقبائل البشتون هو جنوب وشرق أفغانستان والمناطق القبلية في الشمال الغربي من باكستان والتي تعرف بالمناطق الفدرالية المدارة قبلياً وإقليم بلوشستان في غرب باكستان. حيث يشكل البشتون ثاني أكبر مجموعة عرقية في باكستان بعد البنجابيين.
وتعتبر مدينتا بيشاور الباکستانية وقندهار الأفغانية موطناً رئيسيا للبشتون الذين يقيمون في کويتا بباكستان وکابل ولغمان وكنر وباكتيا وفارياب بأفغانستان، ويقدر عدد البشتون المقيمين بمدينة کراتشي الباکستانية بأکثر من 1.5 مليون نسمة.
وكان كل حكام أفغانستان خلال القرنين الماضيين من البشتون وهم من المسلمين السنة ويتبعون المذهب الحنفي، ومعقل البشتون في أفغانستان هو إقليم هلمند الذي يعتبر أيضاً أحد أهم وأكبر معاقل حركة طالبان، ومعظم البشتون مزارعون مستقرون، يجمعون بين الزراعة وتربية الحيوانات. وعدد قليل منهم لا يزالون من البدو الرحل.
صلة الدم هي أساس المجتمع البشتوني القبلي. وتتكون كل قبيلة من أقارب يتتبعون ذات النسب في سلالة الذكور من جد مشترك، وتنقسم القبيلة إلى عشائر وعشائر فرعية وعائلات.
وشكل البشتون رأس الحربة في مقاومة الغزو السوفييتي عام 1979 حيث كانت المناطق القبلية للبشتون في باكستان المجاورة القاعدة الخلفية للتزود بالسلاح والمؤن وتجنيد المقاتلين وتدريبهم. كما أنهم لعبوا نفس الدور بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001 حيث عجزت القوات الأمريكية في كسر شوكة حركة طالبان التي يشكل البشتون عمودها الفقري، على مدى عقدين من الزمن.
الطاجيك السكان الأصليون
الطاجيك هم السكان الأصليون الناطقون بالفارسية في أفغانستان وفي إقليم شينجيانج (تركستان) في الصين. ويشكل الطاجيك ما يقرب من أربعة أخماس سكان جمهورية طاجيكستان السوفيتية السابقة.
في أوائل القرن الحادي والعشرين كان هناك أكثر من 5.2 مليون طاجيكي في طاجيكستان وأكثر من مليون طاجيكي في أوزبكستان، وفي أفغانستان يبلغ عددهم خمسة ملايين شخص ويشكلون حوالي عشرين في المئة من السكان لكن تقديرات أخرى تشير إلى أن نسبتهم تبلغ نحو 27 في المئة.
ومعظم الطاجيك هم من المسلمين السنة، ولكن عدداً قليلاً منهم في المناطق الجبلية النائية هم من الشيعة الذين يطلق عليهم التسمية التركية "قزلباش". ويتركز الطاجيك في أفغانستان في الأقاليم الشمالية المحاذية لطاجيكستان وإلى الغرب على الحدود مع إيران حيث يشكلون غالبية سكان مدينة هيرات وفي مدينة مزار الشريف يشكلون حوالي 60 في المئة من السكان. وفي العاصمة تبلغ نسبتهم حوالي 45 في المئة.
وأبرز وأشهر معاقل الطاجيك هو وادي بانشير الصعب التضاريس الذي يتحصن فيه حاليا أحمد مسعود، نجل الزعيم الطاجيكي الأفغاني الراحل أحمد شاه مسعود، الذي اغتاله تنظيم القاعدة في 9 سبتمبر 2001.
وشكل الطاجيك الجزء الأكبر من النخبة الأفغانية من الناحية السياسية والاقتصادية. ونتيجة لثرائهم ومستويات التعليم الجيدة بينهم يمارسون دوراً سياسياً هاماً بالغ التأثير في أفغانستان.
ولعب التحالف الشمالي الذي كان يسيطر عليه الطاجيك دوراً كبيراً في الإطاحة بحكم طالبان عام 2001 من قبل الولايات المتحدة كما احتل قادة التحالف مناصب هامة في حكومتي الرئيسين السابقين حامد كرزاي وأشرف غني البشتونيين. وكان لافتاً المعارضة الشديدة للساسة الطاجيك مثل النائب الأول للرئيس أمر الله صالح وأحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود، للمفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان حول انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.
أقلية الهزارة
الهزارة هم مجموعة عرقية ودينية تعيش في المنطقة الجبلية في وسط أفغانستان والمعروفة باسم هزاره جات (هزارستان) المترامية الأطراف وأدى الفقر في المنطقة والصراع المستمر إلى تشتت العديد من الهزارة في جميع أنحاء أفغانستان.
كما توجد مجموعة كبيرة من الهزارة في إيران وبلوشستان (باكستان)، والعدد الدقيق للهزاره غير معروف وحسب الموسوعة البريطانية تبلغ نسبتهم 9 في المئة من سكان أفغانستان.
ويتحدث الهزارة لهجات شرقية متنوعة من الفارسية تسمى الهزاراغي مع العديد من الكلمات المنغولية والتركية، ومعظمهم من المسلمين الشيعة الإثنى عشرية على الرغم من أن بعضهم من الشيعة الإسماعيلية أو السنة.
ويعيش الهزارة في قرى محصنة تطل على الوديان الضيقة التي يزرعون فيها الشعير والقمح والبقوليات بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الفاكهة والخضار. وتُستخدم الجبال الشاسعة الخالية من الأشجار لرعي الأغنام.
كان الهزارة يتمتعون بالحكم الذاتي إلى حد كبير حتى تسعينيات القرن التاسع عشر، وأدى اندماجهم القسري والوحشي في الدولة الأفغانية الوليدة من قبل جيوش عبد الرحمن خان ذات الغالبية البشتونية إلى زرع بذور العداء الدائم بين الهزارة الشيعة والبشتون السنة على أسس دينية وعرقية.
ومنذ ذلك الحين يواجه الهزارة تهميشاً واضطهاداً وتشريداً وكان آخر فصول هذا الاضطهاد على يد طالبان في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين حيث قتل المئات منهم عندما دخل مقاتلو طالبان إلى مدينة مزار شريف.
مجموعة الأوزبك
الأوزبك مجموعة عرقية ناطقة بالتركية، يُعتقد أنهم ظهروا في آسيا الوسطى في القرن الثالث قبل الميلاد، ويدعي البعض أنهم من نسل جنكيز خان.
ترى غالبيتهم أنهم من أصل تركي والغالبية العظمى منهم مسلمون سنة من أتباع المذهب الحنفي والذي يعكس في المقام الأول هوية ثقافية وليست هوية دينية. لغتهم هي الأوزبكية وعلى الرغم من أنها إحدى اللهجات التركية لكنها وثيقة الصلة باللغة التي تتحدث بها أقلية الويغور المسلمة في إقليم شينجيانغ في الصين.
وتبلغ نسبة الأوزبك حوالي 9 في المئة من سكان أفغانستان ويتمركزون في الأقاليم الشمالية المجاورة لأوزبكستان. ومن أبرز المدن التي يتمركزون فيها ميمانه وساري بول ومزار الشريف وقندوز. وما زالت بنية المجتمع الأوزبيكي قبلية إلى حد بعيد وهذا ينعكس على حياتهم الاجتماعية وكذلك السياسية.
ويحتل الأوزبك القسم الأكبر من الأراضي الصالحة للزراعة في شمال أفغانستان، ومعظمهم مزارعون، يزرعون الحبوب والخضروات. بالإضافة إلى ذلك، ينتجون المصنوعات والمنتجات الحيوانية التي تدر دخلاً كبيراً على مجتمعاتهم.
لم يكن للأوزبك تنظيم سياسي خاص بهم حتى انشق الجنرال عبد الرشيد دوستم عن نظام نجيب الله الموالي للسوفييت وأصبح بعد سيطرته على المقاطعات الشمالية ناطقاً باسم الأوزبك في أفغانستان.
يذكر أن الجنرال دوستم هو أحد أبرز أمراء الحرب في أفغانستان وانضم إلى التحالف الشمالي المناهض لطالبان بزعامة أحمد شاه مسعود، ويتهم دوستم بارتكاب مذابح وعمليات قتل.
أيماق (جهار أيماق)
تبلغ نسبة هذه القبائل البدوية أو شبه البدوية حوالي 4 في المئة من سكان أفغانستان. والأيماق هم مسلمون سنة ومن أصول منغولية ويتحدثون لهجة من اللغة الفارسية مختلطة مع مفردات تركية.
في حين أن الأيماق كانوا تقليديا من البدو الرحل لكنهم أصبحوا تدريجياً شبه رحل، وموردهم الاقتصادي الرئيسي هو السجاد وثاني مصدر لديهم هو الزراعة.
ولأنهم كانوا بدواً تاريخياً فإنهم تنقلوا بين أفغانستان وباكستان وإيران. وبسبب طابعهم القبلي وتنقلهم لم ينخرطوا في النشاط السياسي على نطاق واسع ولم يسعوا إلى الحصول على حقوق قومية أو سلطة محلية بسبب عدم تطويرهم صلة أو إرتباطاً بمنطقة جغرافية معينة. وكان للأيماق عدد من النواب في البرلمان الأفغاني قبل انهيار الحكومة الأخيرة.
أقلية التركمان
وتبلغ نسبة التركمان حوالي ثلاثة في المئة من سكان أفغانستان ويتمركزون في شمالي البلاد قرب الحدود مع جمهورية تركمانستان السوفييتية السابقة.
والتركمان من القبائل الناطقة باللغة التركية التي هاجر عدد كبير منها من آسيا الوسطى في ثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي إلى أفغانستان إثر فشل "ثورة باسمشي" في آسيا الوسطى ضد الحكم الشيوعي هناك، رغم أن ترسيم الحدود بين أفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية السابقة قد قسم التركمان والأوزبك والطاجيك بين هذه الجمهوريات وأفغانستان.
بعكس الأوزبك سعى التركمان إلى تجنب الدخول في الحرب الأهلية التي أعقبت سقوط الحكم الموالي لروسيا وظلوا على الحياد تقريباً طوال عقود من الصراع في أفغانستان.
ونتيجة لذلك لم يكن لديهم قادة بارزين أو أمراء حرب لتمثيلهم سياسياً أثناء الحرب الأهلية وفي أعقابها.
وظل التركمان بمعزل عن الحراك الاجتماعي والسياسي السائد في أفغانستان. وعانوا تاريخياً من الإقصاء عن عملية صنع القرار السياسي وتجاهلتهم الطبقة الحاكمة. لم يكن لديهم أي تمثيل سياسي للدفاع عن حقوقهم ولم يتم تمثيلهم على الإطلاق في الهياكل الإدارية للدولة.
كما أن هناك أقليات عرقية اخرى تبلغ نسبتها حوالي 6 في المئة من السكان مثل البلوش والقرغيز والنورستان والعرب.
وفي عام 2016 كان يقدر أن هناك حوالي 900 شخص من اتباع الديانتين الهندوسية والسيخية، لكن يُعتقد أن أعدادهم انخفضت بشكل كبير خلال العقود الماضية بسبب الهجرة.