الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

احتفاء بمولد أيقونة العمل الإنساني.. الأم "تريزا" تاريخ طويل من العمل الخيري

الأم تريزا
الأم تريزا

"بالدم، أنا ألبانية، بالمواطَنة أنا هنديّة، بالإيمان أنا راهبة كاثوليكية، أما عن دعوتي، أنا أنتمي إلى العالم، أما عن قلبي فأنا أنتمي كلياً إلى قلب  يسوع".. أنها كلمات الأم القديسة الراحلة تريزا، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 1979، والتي يحتفي العالم اليوم بميلادها في 26 أغسطس عام 1910.

الأم تريزا بالساري الهندي

مشوار طويل مع العمل الخيري

اسمها الأصلي "آنجيس جونكزا بوجاكسيو"، ولدت في بلدة إسكوبية "عاصمة جمهورية مقدونيا المعاصرة" التي كانت تابعة لولاية قوصوه في الدولة العثمانية، لعائلة مسيحية  كاثوليكية متديّنة أصلها من ألبانيا، وهاجرت العائلة في وقت لاحق إلى يوغسلافيا، حيث عمل أفرادها في الزراعة، وتعلمت آنجيس في بداية حياتها في مدرسة تابعة للرهبانية اليسوعية اليوغسلافية، وعندما بلغت سن العاشرة توفي والدها فازدادت تعلقاً بالإيمان، في نوفمبر 1928 أُرسلت إلى دبلن في أيرلندا  للدراسة والتأهيل الديني، وفي عام 1929  أُرسلت للبنغال لتعمل في دير لوريتو، وفي عام  1931 دخلت في سلك الرهبنة واتخذت لنفسها اسم الأخت تريزا، وفي عام 1937 نذرت نفسها وأصبحت الأم تريزا. عام 1948 اهتمت الأم تريزا بالعناية بالأطفال المهمّلين، وعلى إثر ذلك خلعت زي الرهبنة ولبست الساري الهندي القطني بلونه الأبيض والخط الأزرق الذي عرفت به فيما بعد، حيث توجهت إلى دير للرهبنة الأمريكية يُقدم العناية الطبية والتمريض، ولما لم تُرضِ توجهاتها مسؤولي الدير واضطرت إلى الاعتماد على نفسها في البداية، قبل أن تصلها المعونة من متبرعات أخريات، فأسست جمعيتها لراهبات المحبة عام 1950، التي اهتمت بالأطفال المشردين والعجزة، وفي عام 1957  اهتمت بالمجذومين وعمدت إلى العناية بهم، ومع اتساع نطاق عملها أسست جمعية أخوة المحبة عام  1963 الخاصة بالرهبان، وعندما بلغت الخامسة والسبعين من عمرها، ذهبت إلى إثيوبيا لمساعدة المنكوبين هناك وإغاثتهم بعد أن تفشت المجاعة في بلادهم وتشرّد على إثرها الآلاف، وأُعجب بها الكثير من الناس بسبب مواقفها الإنسانية من إغاثة المنكوبين والمحتاجين والفقراء في المناطق الموبوءة بالأمراض والمبتلية بالمجاعات، وبسبب مُناؤتها للإجهاض.

الأم تريزا

انتقادات ومعوقات في طريق الأم تريزا

لم يخلُ عمل الأم تيرزا من التعرض لانتقادات عديدة، منها أن فريق الأم تيريزا لم تكن له دراية واسعة بالطب، كما لم تراعِ الأساليب المتبعة في العناية الطبية والمعايير الصحية السليمة، فكان فريقها يستخدم الحقن عدة مرات وبدون تعقيم، كما أن عدد الذين تمت العناية بهم شُكك به كثيرًا، وكانت الأم تريزا تكتفي بالرد على بعض تلك الانتقادات بقولها: "إن النجاح ليس المقياس، بل الصدق والأمانة والإخلاص في العمل هي المقياس"، وانكبت على العمل أكثر دون أن تهتم يوما بالمال، فقد عُرفت برفضها للمال والتبرعات المالية، وكانت تُصرّ على المساعدة والمشاركة الشخصية، إضافة إلى الانتقاد بسبب عدم توفيرها ما يُسلتزم من أدوات وأجهزة للتخفيف عن المرضى المحتضرين في دور العناية التي تشرف عليها.

البيت التذكاري للأم تريزا في بلدتها سكوبيه 

الجوائز تطارد القديسة تريزا في كل مكان

تلقت الأم تريزا العديد والعديد من الجوائز التقديرية خلال حياتها، منها جائزة "رامون ماجسايساى" للسلام والتفاهم الدولي سنة 1962، وجائزة نوبل للسلام سنة 1979، وفي عام 2016 رفع البابا فرنسيس أسم الأم تيريزا إلى مرتبة القديسين في احتفال أقيم بالفاتيكان  تقديرًا لمساعداتها الإنسانية وتضحياتها، وأعلن تاريخ وفاتها "5 سبتمبر 1997" عيدًا، ونُشرت سيرتها الذاتية الموثقة سنة 1992، وكُتبت بيد الكاتب الهندي "نافين تشاولا"، وصورت سيرة حياتها في عدة أفلام سينمائية وبرامج وثائقية، وسُردت في مجموعة من الكُتب الأُخرى، وفي يوم 6 سبتمبر 2017، جُعلت الأم تريزا شفيعةً مُشتركةً لأبرشية كلكتا الكاثوليكية إلى جانب القديس "فرنسيس كسفاريوس".

تكية الأم تريزا للمحتاجين

تدهور حالتها الصحية وحزن عالمي لوفاتها

تعرّضت الأم تريزا لنوبة قلبية في روما عام  1983، أثناء زيارتها البابا يوحنا بولس الثاني، وبعد أن أصيبت بنوبة قلبية ثانية عام 1989، استعانت بناظمة قلبية اصطناعية عام 1991، وبعد إصابتها بذات الرئة في المكسيك، تعرضت لمشاكل إضافية في القلب، وعرضت استقالتها كرئيسة للبعثات التبشيرية الخيرية، إلا أن الأخوات صوتن لبقائها واستمرارها في اقتراعٍ سري، وفي أبريل 1996، تعرضت للسقوط وكسرت عظمة الترقوة، كما أصيبت بعد أربعة أشهر بالملاريا وقصور القلب، وعلى الرغم من أنها خضعت لجراحة في القلب إلا أن صحتها أخذت في التراجع بشكل واضح، ووفقاً لرئيس أسقفية  كلكتا، أمر كاهناً بالقيام بطقوس طرد الأرواح الشريرة "بعد السماح لهم" حيث دخلت إلى المستشفى لأول مرة بعدما عانت من مشاكل في القلب؛ لأنه كان يعتقد أنها قد تعرّضت لمسٍّ من الشيطان.

جثمان الأم تريزا 


في 13 مارس 1997، استقالت الأم تريزا من منصبها كرئيسة للبعثات التبشيرية الخيرية، وتوفيت في 5 سبتمبر من العام نفسه، ووُضع جثمان الأم تريزا في سانت توماس في كلكتا  لمدّة أسبوع قبل دفنها، وأقامت لها الحكومة الهندية جنازة رسمية امتناناً لخدماتها في مساعدة الفقراء من جميع الأديان في البلاد،  وأحزن موت تريزا مختلف الطوائف العلمانية والدينية، وقال عنها نواز شريف رئيس وزراء باكستان في ذلك الوقت: "شخص نادر وفريد من نوعه، عاشت طويلاً لأهداف سامية، كان تفانيها لخدمة ورعاية الفقراء والمرضى والمحرومين أحد أعلى الأمثلة في خدمة الإنسانية"، وقال عنها أمين عام الأمم المتحدة  السابقة "خافيير بيريز دي كويلار": "إنها الأمم المتحدة، هي السلام في العالم".