"بالدم، أنا ألبانية، بالمواطَنة أنا هنديّة، بالإيمان أنا راهبة كاثوليكية، أما عن دعوتي، أنا أنتمي إلى العالم، أما عن قلبي فأنا أنتمي كلياً إلى قلب يسوع".. أنها كلمات الأم القديسة الراحلة تريزا، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 1979، والتي يحتفي العالم اليوم بميلادها في 26 أغسطس عام 1910.
مشوار طويل مع العمل الخيري
اسمها الأصلي"آنجيس جونكزا بوجاكسيو"، ولدتفي بلدةإسكوبية"عاصمةجمهورية مقدونياالمعاصرة" التي كانت تابعة لولاية قوصوه فيالدولة العثمانية، لعائلةمسيحية كاثوليكيةمتديّنة أصلها منألبانيا، وهاجرت العائلة في وقت لاحق إلىيوغسلافيا،حيث عمل أفرادها فيالزراعة، وتعلمت آنجيس في بداية حياتها في مدرسة تابعة للرهبانية اليسوعية اليوغسلافية، وعندما بلغت سن العاشرة توفي والدها فازدادت تعلقاً بالإيمان، فينوفمبر1928أُرسلت إلىدبلنفيأيرلندا للدراسة والتأهيل الديني، وفي عام1929 أُرسلتللبنغاللتعمل فيدير لوريتو، وفي عام 1931دخلت في سلك الرهبنة واتخذت لنفسها اسم الأخت تريزا، وفي عام1937نذرت نفسها وأصبحتالأم تريزا. عام1948اهتمت الأم تريزا بالعناية بالأطفال المهمّلين، وعلى إثر ذلك خلعت زي الرهبنة ولبستالساري الهنديالقطني بلونه الأبيض والخط الأزرق الذي عرفت به فيما بعد، حيث توجهت إلىديرللرهبنة الأمريكية يُقدم العناية الطبيةوالتمريض، ولما لم تُرضِ توجهاتها مسؤولي الدير واضطرت إلى الاعتماد على نفسها في البداية، قبل أن تصلها المعونة من متبرعات أخريات، فأسست جمعيتها لراهبات المحبة عام1950، التي اهتمت بالأطفال المشردين والعجزة، وفي عام1957 اهتمت بالمجذومين وعمدت إلى العناية بهم، ومع اتساع نطاق عملها أسستجمعية أخوة المحبةعام 1963 الخاصةبالرهبان، وعندما بلغت الخامسة والسبعين من عمرها، ذهبت إلىإثيوبيالمساعدة المنكوبين هناك وإغاثتهم بعد أن تفشت المجاعة في بلادهم وتشرّد على إثرها الآلاف، وأُعجب بها الكثير من الناس بسبب مواقفها الإنسانية من إغاثة المنكوبين والمحتاجين والفقراء في المناطق الموبوءة بالأمراض والمبتلية بالمجاعات، وبسبب مُناؤتها للإجهاض.
انتقادات ومعوقات في طريق الأم تريزا
لم يخلُ عمل الأم تيرزا من التعرض لانتقادات عديدة، منها أن فريق الأم تيريزا لم تكن له دراية واسعة بالطب، كما لم تراعِ الأساليب المتبعة في العناية الطبية والمعايير الصحية السليمة، فكان فريقها يستخدم الحقن عدة مرات وبدون تعقيم، كما أن عدد الذين تمت العناية بهم شُكك به كثيرًا، وكانت الأم تريزا تكتفي بالرد على بعض تلك الانتقادات بقولها: "إن النجاح ليس المقياس، بلالصدق والأمانةوالإخلاصفي العمل هي المقياس"، وانكبت على العمل أكثر دون أن تهتم يوما بالمال، فقد عُرفت برفضها للمال والتبرعات المالية، وكانت تُصرّ على المساعدة والمشاركة الشخصية، إضافة إلى الانتقاد بسبب عدم توفيرها ما يُسلتزم من أدوات وأجهزة للتخفيف عن المرضى المحتضرين في دور العناية التي تشرف عليها.
الجوائز تطارد القديسة تريزا في كل مكان
تلقت الأم تريزا العديد والعديد من الجوائز التقديرية خلال حياتها، منهاجائزة "رامون ماجسايساى" للسلام والتفاهم الدولي سنة 1962،وجائزة نوبل للسلامسنة 1979، وفي عام2016رفعالبابا فرنسيس أسمالأم تيريزا إلى مرتبة القديسين في احتفال أقيم بالفاتيكان تقديرًا لمساعداتها الإنسانية وتضحياتها، وأعلن تاريخ وفاتها "5 سبتمبر 1997"عيدًا، ونُشرت سيرتها الذاتية الموثقة سنة 1992، وكُتبت بيد الكاتب الهندي"نافين تشاولا"، وصورت سيرة حياتها في عدة أفلام سينمائية وبرامج وثائقية، وسُردت في مجموعة من الكُتب الأُخرى، وفي يوم6 سبتمبر2017، جُعلت الأم تريزا شفيعةً مُشتركةً لأبرشية كلكتا الكاثوليكية إلى جانب القديس"فرنسيس كسفاريوس".
تدهور حالتها الصحية وحزن عالمي لوفاتها
تعرّضت الأم تريزا لنوبة قلبية فيروما عام 1983،أثناء زيارتها البابايوحنا بولس الثاني، وبعد أن أصيبتبنوبة قلبيةثانية عام1989، استعانتبناظمة قلبية اصطناعية عام 1991، وبعد إصابتهابذات الرئةفي المكسيك، تعرضت لمشاكل إضافية فيالقلب، وعرضت استقالتها كرئيسة للبعثات التبشيرية الخيرية، إلا أن الأخوات صوتن لبقائها واستمرارها في اقتراعٍ سري، وفي أبريل1996، تعرضت للسقوط وكسرت عظمةالترقوة، كما أصيبت بعد أربعة أشهربالملارياوقصور القلب، وعلى الرغم من أنها خضعتلجراحة في القلبإلا أن صحتها أخذت في التراجع بشكل واضح، ووفقاً لرئيس أسقفية كلكتا، أمر كاهناً بالقيام بطقوسطرد الأرواح الشريرة"بعد السماح لهم" حيث دخلت إلى المستشفى لأول مرة بعدما عانت من مشاكل في القلب؛ لأنه كان يعتقد أنها قد تعرّضت لمسٍّ من الشيطان.
في 13 مارس 1997، استقالت الأم تريزا من منصبها كرئيسة للبعثات التبشيرية الخيرية، وتوفيت في 5 سبتمبر من العام نفسه، ووُضع جثمان الأم تريزا فيسانت توماسفي كلكتا لمدّة أسبوع قبل دفنها، وأقامت لها الحكومة الهنديةجنازة رسميةامتناناً لخدماتها في مساعدة الفقراء من جميع الأديان في البلاد، وأحزن موت تريزا مختلف الطوائف العلمانية والدينية، وقال عنهانواز شريفرئيس وزراء باكستان في ذلك الوقت: "شخص نادر وفريد من نوعه، عاشت طويلاً لأهداف سامية، كان تفانيها لخدمة ورعاية الفقراء والمرضى والمحرومين أحد أعلى الأمثلة في خدمة الإنسانية"، وقال عنهاأمين عام الأمم المتحدة السابقة"خافيير بيريز دي كويلار":"إنها الأمم المتحدة، هي السلام في العالم".