لكل منا حكاية وأسرارًا، منها ما نبوح به ونحن على قيد الحياة، ومنه ما نخفيه عن أقرب الناس، ونفس الأمر بالنسبة للفنانين، لكنهم يجدون من يتحدث عنهم، ربما بعد وفاتهم، أو كلما حلَّت ذكرى رحيل أي منهم.
وأمس الثلاثاء، حلَّت الذكرى 18 لوفاة الفنانة الكبيرة أمينة رزق، التي رحلت في 24 أغسطس عام 2003، بعد رحلة طويلة قضتها «راهبة الفن» فى المسرح والسينما والتليفزيون، واشتهرت بالعديد من الأعمال المهمة في مشوارها الفني، وتركت بصمة كبيرة مع جمهورها، وتعد واحدة من أهم الفنانات في تاريخ الفن المصري.
مسيرة طويلة لـ«أمينة النونو» بدأت من طنطا
ولدت الفنانة أمينة رزق في 15 إبريل عام 1910، في مدينة طنطا بمحافظة الغربية، وانتقلت مع والدتها للعيش في القاهرة وتحديدا في حي روض الفرج بشبرا، عند خالتها الفنانة أمينة محمد على، إثر وفاة والدها وكان عمرها ثماني سنوات.
بدأت حياتها الفنية بالعمل في فرقة رمسيس المسرحية، التي أسسها يوسف وهبي، وعرفت باسم «أمينة النونو»؛ للتفرقة بينها وبين خالتها، والتحقت بالمسرح القومي عام 1943، كما عملت مشرفة فنية بالمسرح الشعبي، وعضو المجلس الأعلى لرعاية الفنون والأدب.
حصلت علي لقب فنانة قديرة، لما تركته من بصمات علي الأداء التمثيلي في المسرح والسينما والإذاعة والتليفزيون، وشاركت يوسف وهبي في العمل المسرحي، ومن أبرز مسرحياتها التي قدمتها في السبعينات «السنيورة»، والمسرحية الكوميدية «إنها حقا عائلة محترمة» بالاشتراك مع فؤاد المهندس وشويكار.
وكان آخر ما قدمته على خشبة المسرح «يا طالع الشجرة» مع الفنان أحمد فؤاد سليم، وحصلت على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، وعلى أوسمة من المغرب وتونس، إضافة إلى شهادات التقدير والجوائز كأحسن ممثلة عن أدوارها السينمائية والمسرحية.
توفيت أمينة رزق عام 2003 عن عمر يناهز 93 عامًا، وتعدت أعمالها 280 عملا فنيا، قدمت منها 130 فيلما خلال 7 عقود، وما يقارب الـ120 عملا تليفزيونيا.
«سعاد الغجرية» ينتشلها من فرقة رمسيس المسرحية
في أثناء عمل الفنانة أمينة رزق في فرقة رمسيس المسرحية، شاهدها المخرج والمنتج «جاك شوتز»، وهو مخرج فرنسي من المقيمين في مصر، وعرض عليها المشاركة في فيلم «سعاد الغجرية»، عام 1928، وقامت بدور البطولة الممثلة فردوس حسن.
وتدور قصة الفيلم حول الحب الذى بين قلب الفتاة الغجرية سعاد «فردوس حسن» وبين عمدة شيخ العرب جويدة «عبد العزيز خليل» عقب اختطاف الغجر لها وضمها إلى قبيلتهم، إلا أن أبرز أدوارها في مشوارها الفني؛ كان دور الأم في الفيلم الشهير «دعاء الكروان» المستوحى من قصة بالاسم نفسه لعميد الأدب العربى طه حسين.
يوسف وهبي كلمة السر في حياتها وصدمة خطوبته
مَثَّلَ الفنان يوسف وهبي حجر الأساس في حياة الفنانة أمينة رزق، ولولاه ما وصلت إلى ما وصلت إليه في الفن، وهو ما اعترفت به في أحد الحوارات التليفزيونية، حيث أكدت أن الفضل لما وصلت إليه؛ يرجع للفنان يوسف وهبي، فهو من منحها فرصة التحول من فتاة في فرقة رمسيس تنطق كلمة أو كلمتين في كل عرض، إلى بطلة الفرقة.
وعن قصة حبها ليوسف وهبي، الذي كان يمثل أحد «دنجوانات» هذا العصر، نفت أمينة رزق ذلك، مشددة على أنها لم تنظر له يوما من هذا المنطلق، والدليل أنها شهدت على زيجاته الثلاث، قائلة: «ما بيني وبين يوسف وهبي كان إخلاص وود، ولم أرفض الزواج بسببه، بالعكس هو تزوج 3 مرات على يدي، لكن أنا كان عندي اعتقاد كامل أن الأسرة مملكة مستقلة عايزة تفرغ تام، والفن أيضًا مملكة أخرى تريد تفرغا تاما، أنا طموحي كبير جدًا، حياتي كانت كلها الفن والتمثيل وتصقيفة الجمهور".
وعن لقب «عدوة الرجال» قالت إن السبب يرجع إلى رفضها الزواج وقرارها بالتفرغ للفن،لأنها مع كل قصة تقدمها كانت ترى ما يفعله الرجال بالنساء بعد الإيقاع بهن، إلا أن الفنانة عادت وكشفت في حديث صحفي مع مجلة الكواكب بتاريخ 5 يونيو 1956، عن أنها صادفت الحب الأول في الرابعة عشرة من عمرها، وكان حب من طرف واحد، لكن لم تجرؤ على مصارحته بحبها له، وكان هذا الشاب هو الفنان الكبير يوسف وهبي، وكان شابًا لامعًا ومشهورًا في ذلك الوقت، حتى جاء اليوم الموعود وأعلن خطبته لفتاة من عائلة معروفة جدا في ذلك الوقت، وعندما علمت بالخبر؛ سقطت من الصدمة وغابت عن الوعي.
رجال في حياة عذراء السينما المصرية
كانت الفنانة أمينة رزق مثل بنات جيلها، لديها معجبين يحاولون التقرب منها، إلا أنها لم تشعر بالميل لأحدهم، ربما لاعترافها السابق بإعجابها بالفنان يوسف وهبي.
وقالت الفنانة الراحلة في تصريحات صحفية سابقة، إن الفنان مختار عثمان- أحد زملائها في فرقة «رمسيس»- كان يبدى اهتماما واضحا بها، وصرح لها بحبه ورغبته في الزواج منها، لكنها لم تبادله تلك المشاعر، وقالت عن الرجال الذين أبدوا حبهم لها ورغبتهم في الزواج منها: «كان قاسم وجدي، مدير مسرح رمسيس، يغار عليها ويهتم بها اهتماماً كبيراً، حتى أنه قام بمنع كل الممثلين في الفرقة من الاقتراب من حجرتها أو التحدث معها، وهي كانت لا تبادله نفس شعوره، واضطرت إلى إبلاغ والدتها بذلك، وقررت أن تحضر معها المسرح لتمنع قاسم وجدي نفسه من الاقتراب منها».
وفاة والدتها واعتزالها الفن
روت الفنانة أمينة رزق في أحد اللقاءات التليفزيونية، كواليس وفاة والدتها، وقالت: «يوم فظيع بالنسبة لي، ولم أُقِم عزاء أو أقدم نعيا؛ لأنني لم أكن أريد رؤية جنس مخلوق غيرها، كنت أريدها هي فقط أمامي، كنا في الإسكندرية بنعيد العيد الكبير، فجأة حدثت لها أزمة قلبية، ونقلتها وقتها للمستشفى، وكشفوا عليها وقالوا دي حاجات بسيطة ولا يوجد قلق، وأكدوا أن الطبيب الكبير سيكون متواجدا في الصباح، فقررنا المبيت في المستشفى، وتم إعطائها أدوية بسيطة حتى الصباح».
وأضافت:بعد قليل وجدت تغيُّرًا في عينها، وذهبت للأطباء الموجودين وأخبرتهم، وقالوا إنها في أحسن حال، وعندما وصلت لغرفتها طلبوا مني مغادرة الغرفة، وبعد 10 دقائق أخبروني بخبر وفاتها، وظللت في حالة ذهول، حتى بعد مغادرة الإسكندرية إلى القاهرة بسيارة الإسعاف، لم أبكِ، وتولت جارتي كل أمور المستشفى، وأغلقت على نفسي المنزل ولم أر أي شخص، وقلت الحل الوحيد هو أن أعتزل التمثيل، لأن والدتي كانت ترافقني في كل خطوة، وتساءلت كيف سأسافر بدونها وأعيش حياتي من غيرها؟».