الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الالتفات في القرآن!

تنقسم الضمائر في اللغة العربية، إلى بارز ومستتر، والبارز ينقسم الى متصل ومنفصل، والضمائر هى ضمير المتكلم، وضمير المخاطب، وضمير الغائب، وفي القرآن الكريم يختلف استخدام الضمائر عن استخدامها في علم النحو والصرف، فمثلا ً كلمة هو في اللغة تفيد الغائب، وفي القرآن كلمة هو تفيد الغائب بالنسبة للبشر، وتفيد تأكيد الحضور بالنسبة لله تعالى: (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) البقرة 255.
ولأن الله تعالي هو الحي القائم على كل شيء، فهو الحاضر الشاهد على كل شيء: (أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) المجادلة 7، والله تعالى هو الذى يعلم الغيب والشهادة: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) الحشر 22، وهو الذي لا يغيب: (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ فلنقصن عليهم بعلم وماكنا غائبين) الأعراف 7.
وعندما ينتقل الخطاب من المتكلم إلى المخاطب، أو ينتقل إلى الغائب يسمى ذلك التفات، لأن الخطاب التفت وتبدل من المتكلم إلى المخاطب، أو من المخاطب إلى الغائب والعكس. 
وفي القرآن أساليب مختلفة للخطاب منها أسلوب الالتفات، فمثلاً في سورة الفاتحة: (بسم الله الرحمن الرحيم. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) الفاتحة 1-4، الآيات لا تتحدث عن غائب بل عن أسماء الله الحسنى، وبعدها التفات إلى المخاطب وهو الله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) الفاتحة 5-6، والالتفات هنا مركب لأنه يتضمن في داخله المخاطب وهو الله تعالى، والمتكلم وهم المؤمنون، الذين يقولون له (إِيَّاكَ)، و(نَعْبُدُ)، و(نَسْتَعِينُ)، و(اهْدِنَا)، وبعدها التفات إلى الغائب: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) الفاتحة 7.
وفي سورة الشعراء يقول تعالى على لسان النبي ابراهيم عليه السلام: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) 78-79، الالتفات المركب هنا أنه يتحدث عن نفسه وعن الله تعالى، ثم يقول عن نفسه بصيغة المتكلم: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) 80، لم يقل وإذا أمرضني فهو يشفين، ثم يتحدث عن الله تعالى: (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) 81، ثم يدعو الله تعالى بطريق غير مباشر: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) 82، ثم يدعو الله بطريق مباشر: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ. وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ. وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) الشعراء 83-85.
وأسلوب الالتفات موجود في القصص القرآني، فمثلاً في سورة الفجر يأتي الكلام للمخاطب ثم عن الغائب: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ)، (أَلَمْ تَرَ) للمخاطب، ثم بعدها عن الغائب: (..كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ. وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي. وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ) الفجر 6-13، ثم الكلام عن الله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)، ثم عن الغائب: (فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)، ثم للمخاطب: (كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ. وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ. وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَّمًّا. وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) الفجر 14-20.
وفي قوله تعالى عن استخفاف الكفار بالنبي عليه الصلاة والسلام: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً. أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً) الفرقان 7-8، الكلام عن الغائب، وبعده كلام للمخاطب وهو النبي عليه الصلاة والسلام: (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً. تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً)، ثم عودة الى الغائب: (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) الفرقان 9-11. 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط