النبي مربياً ومعلماً.. بين الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، كيف كان النبي مربياً ومعلماً، وذلك في سؤالٍ عن أوصافه صلى الله عليه وسلم بمناسبة العام الهجري الجديد وذكرى الهجرة النبوية الشريفة، وكيف كان تعامله مع المنافقين، وأهل الكتاب وغيرها من الأمور.
الجمع بين القدوة والرحمة
وقال “جمعة”، في إجابته عن تساؤل كيف جمع النبي بين القدوة وبين الرحمة؟ خلال برنامج "من مصر" المذاع على إحدى الفضائيات المصرية، إن مفتاح ذلك كله "وإنك لعلى خلق عظيم"، فالخلق العظيم الذي جُبل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي تمسك به وطبقه، فكان أسوة حسنة للعالمين وكان رحمة بهم، خلق عظيم يحبه الله، لافتاً إلى أن الله سبحانه وتعالى يحب مكارم الأخلاق، فكان النبي لديه أخلاق عالية جداً، وأن الأحاديث كانت تروي مشاهد بعينها وليس المسألة بكمالها.
ولفت المفتي السابق إلى أننا نجد المسألة بكمالها في الروايات التي تأتي عن النبي جميعها، فسنجد هذا الصحابي يصف جانباً والآخر يصف جانباً وغيرها، إلا أن بعض الذين لم يفهموا النبي – صلى الله عليه وسلم، يأخذون جزءاً ولا يبحثون عن الباقي إما عمداً من أجل التشويه، وإما جاهلاً لأنهم لا يستطيعون أن تكتمل عندهم الصورة، ثم تذهب إلى السيرة النبوية الشريفة فتجد أيضاً ما يملئ فراغات هذه القصص وفي النهاية نقول صدق الله تعالى حين يقول" وإنك لعلى خلق عظيم".
وأوضح أن حب النبي ليس من قبيل العقيدة فقط بل إنه من قبيل الانبهار فنحن منبهرين به كإنسان، قائم بالأخلاق، هو الإنسان الكامل والإنسان الأتم والأسوة الحسنة، كان عظيم الخلق، تستطيع أن تفهم وبعمق، وتتوقع ما الذي سيحدث حين يعرض عليه الأمر ونهاية القصة لأنك أمام إنسان ذو خلق عظيم، مشدداً على أن بعض الناس من أهل التجزئة بعضهم ضل فتشدد وبعضهم ضل فأنكر، وبعضهم ضل فتكبر، وقالوا: من هذا الذي تتبعوه؟!، ونقول لهم: "إننا نتبع إنسان عظيم كامل، الخُلق والخلق، من ضمن هذا "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، "فبما رحمة من الله لنت لهم".
واستشهد جمعة بما روي في حب زوجات النبي له وحلمه في التعامل معهن، فيقول: "العجيب أن النبي أذن له الله أن يتزوج تسعة من النسوة على وقت واحد، ولا يوجد واحدة قامت بالخناق على هذا الزواج بالرغم أن الغيرة خلقها الله عزوجل في المرأة للحفاظ على ذلك الكون، ولا يوجد واحدة منهن كرهته، فكان أن السيدة سودة بنت زمعة عليها السلام لما أراد أن ينفصل عنها النبي وقال لها: أنا لا أريد أن أظلمك، قالت: ماذا ستفعل؟، فأجابها: ننفصل، قالت لا واجعل ليلتي لعائشة، معقباً هذا الحب من الأخلاق وأنه ملك فؤاد الناس كل من رأى النبي أحبه".
التعامل مع المخالف في العقيدة
ويضيف: "كان هناك أحد المشركين ويدعى مُطعم بن عدي قد لقي أبا بكر جمع حاجته وذاهب إلى الحبشة، فسأله إلى أين يا أبا بكر؟، فقال: مهاجر إلى الحبشة فقد آذيتمونا، فأجابه: ارجع وأنت في جواري، ولما وجد المشركين يلسنون على النبي في مكة وقف أمامهم، ومات مُطعم فلما جاء بدر وانتصر المسلمون وقبض على أسرى المشركين، قال سيدنا: لو كان مُطعم بن عدي حياً فكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له"، وذلك تكريماً له على كرمه وأخلاقه ووفائه، وظل يذكر مُطعماً في جواره وشهامته ورجولته، ومواقفه، وقد مات على الشرك.
وأشار المفتي السابق إلى أن الموقف يبين لنا أن الحكم على هذا بدخول الجنة وهذا بدخول النار هو أمر بيد الله وحده، وأن لنا في الدنيا طلعت المطعم ابن عدي في السما عشان أخلاقه أخلاق الشخوص كما كان يفعل الحبيب المصطفى، لأن النبي كلما ذكر ابن جدعان تبسم، وهو مات على الكفر، وكان يقول لسفانه بينت حاتم الطائي إن أباكي كان يحب مكارم الأخلاق، أتريدين أن تذهبي إلى أخيك عدي، وقد هرب عدي وحاول مناوشة المسلمين فأسروا سفانة فقالت للرسول: أنا بنت حاتم، فقال النبي: حاتم من؟ قالت: حاتم طي، قال: إن أباكي كان يحب مكارم الأخلاق، ثم أخرجها من بين الناس وفرد لها العباءة ثم أجلسها عليها، وسألها أن تطلب إذنه إذا أرادت أن تذهب إلى أخيها بالرغم من أنه مطلوب، ذلك تكريماً لأخلاق أبيها، فسألته أهو في الجنة يا رسول الله، قال بل هو في النار، ما فعل ذلك إلا لسمعة يتسمعها.
وحول تعامله مع غير المسلمين، يقول: كانت المدينة بها من التنوع فهناك اليهود والمشركون والأنصار وغيرهم لم يحدث أن اشتكى مُشرك واحد من النبي أو صحابته، فهو يتعايش ويبيع ويشتري مع المسلمين وفق قاعدة "لكم دينكم ولي دين"، لافتاً أن سيدنا النبي –صلى الله عليه وسلم- لما خاطب الناس خاطبهم بما هم عليه فقال :"إلى المقوقس عظيم القبط، وهي توزاي اليوم معاليك وفخامتك، وإلى النجاشي عظيم الحبشة، إلى كسرى عظيم الفرس"، كما أنه لم يأته رسول من هؤلاء أو من غيرهم إلا أكرمه وأمنه، وأرسل معه شخص يصل به إلى المأمن حتى لا يتعرض لأي أذى، وشدد على أن سيدنا النبي عامل غير المسلمين سياسياً اقتصادياً اجتماعياً دينياً بأخلاق عالية جداً.
حقيقة زواج إحدى الملكات من النبي
وبين "جمعة" أن من بين ما روج للإساءة للرسول والمسلمين اجتزاءً أنه ذات مرة ذهب النبي إلى قباء وكان بها حديقة تسمى الشوط فتزوج إمراة وكانت ملكة في قومها، إلا أن تواضع النبي في لبسه وهو ما عليه من الجلال والمهابة، جعلها تظن حين دخل عليها ومد إليها يده، في محاولة للسلام، أنه شخص يتعدى فقال لها هبي لي نفسك، فقالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟، أي أنها لا تعرفه، وأرادت أن تخيفه، وهو أمر قام بعض المجتزئة بالتعامل معه على أنه أراد لفتاة أن تهب له نفسها دون زواج، وهو أمر غير صحيح بل إنه صلى الله عليه وسلم كان متزوجاً منها فقال: أوا أنا من السوقة؟!، فقالت: إني استعيذ بك بمعاذ منيع - أي تطلب عدم إيذائها، فقال النبي: قد استعذتي بمعاذ منيع، ونادى على أحد الأشخاص أن يعطيها حملين بعير وأن تلحق بأهلها، فقال الغلام: أتدرين من هذا؟، قالت لا، قال: هذا رسول الله، قالت: إذاً حظي كذلك، موضحاً أن مثل هؤلاء يأخذون الرواية ناقصة لمحاولة تشويه الإسلام والنبي إلا أنها تدل على هدوء نفسي وكرم وعطاء وحب واحترام وأخلاق عالية.
معجزة النبي في تبديل طبائع العرب
وحول أثر أخلاقه صلى الله عليه وسلم على الصحابة وبعضهم كان به غلظة.. قال جمعة: "التربية هي مفتاح كل ذلك، مر النبي قال: إخواني إخواني قالوا نحن إخوانك يا رسول الله، فقال لا أنتم أصحابي: إخواني أقوام يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني"، فكان النبي يؤثر فيهم بفعله الحسن وبالديمومة على التوجيه والنصح، حيث ذات مرة جاء يهودي لديه دين في ذمة أبي بكر فتأخر عليه، فأخبره به وظن أنه مماطل، وتحدث بأوصاف لا تليق بالصحابي الجليل إلا أنه لم يشأ الحديث في وجود النبي، فلما زاد قال له ليس هكذا يا رجل، فقام النبي، فلم قام النبي علم أبا بكر أنه أخطأ فقال يا رسول الله لم قمت، قال رجل يسبك وملك يدافع عنك، فلما رددت قام الملك، وقمت، كذا كان موقف سيدنا عثمان دخل عليه الأوباش فقتلوه وهو يقرأ القرآن.
وبين أن مراد قوله تعالى "واعلموا أن فيكم رسول الله" أي أنه فينا من الداخل بأخلاقه وحبه وبأسوته ومنهجه ومراده وبالقلب الضارع ، لذا كلما ذكر كانت الصلاة عليه وعلى آله وأصحابه، موضحاً أن أحد المستشرقين قال: "عجباً أمر هذا الرجل، جاء بمجموعة من الحفاة العراة فغزا به العالم"، أي النبي بدلهم بمعجزة فوق العقل لم يستطع أحد فهمها، فحينما نقرأ كيف كان العرب قبل الإسلام وكيف كانوا بعد الإسلام، دليل على أن هناك معجزة حدثت.
واختتم عضو هيئة كبار العلماء حديثه قائلاً: كان يرى الرسول – صلى الله عليه وسلم- أن بناء الإنسان قبل البنيان أي سيقوم ببناء الاثنين لكن سيبدأ بالإنسان أولاً، وثنى بالبنيان ولم يهمله لم يهمل هيكل الدولة أو العلاقات مع العالمين، ولم يهمل الأمور السياسية فنجح في فك الكماشة التي شكلها يهود خيبر ومشركي قريش، فأقام صلح الحديبية ثم ذهب إلى خيبر وفتحها، ثم سقطت قريش في أخطائها فدخل مكة، وهذا دليل عل أنه صلى الله عليه وسلم لديه ذكاء موحى به وهو من عباقرة الخلق، كان كيساً فطناً، شأنه شأن الأنبياء من المنسبين المحسبين، منزه عن الخطأ، كان المصطفى المختار، أراد أن يعلم الأمة العقلية العلمية التي ترى أن هناك كتاب الله المسطور وهو الوحي والكتاب المنظور وهو الكون وله سنن "ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا"، في الحرب استفاد من سلمان في غزوة الخندق ومن موضعه عند بدر، فكان دائماً ما يقول "ألا إني رسول الله ولن يضيعني الله"، دون أن يفتش للناس سر غيب حجب عنهم.