هل الميت يحس عند الغسل ، وهل يشعر بمن يبكي عليه قبل دفنه ، وهل يشعر بمن يزوره؟، وكذلك هل يسمع الميت من يدعو له؟، وأمور أخرى عديدة تحير الكثيرون عن عالم البرزخ وأهل القبور، خاصة مع كثرة الاعتقادات والأقاويل الخاطئة عن هذا العالم، ولعل أول تلك الأسئلة التي تطرح بعد وفاة أحبائنا مباشرة، هوهل الميت يحس عند الغسل ؟، ولعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، كما ورد في الحديث ، أنه قالالرسول- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « تَرَكْتُكُمْ عَلَى المَحجّةُ الْبَيْضَاءِ ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ»، ففي سنته الشريفة نجد مبتغانا وكل إجابة من شأنها تثلج صدورنا الملتهبة بالحزن على من فارقونا.
هل الميت يحس عند الغسل
هل الميت يحس عند الغسل، يذهب بعض أهل العلم إلى أنَّه لا يمكن للميت أن يحس أثناء تغسيله، ويستدلَّ أصحاب هذا الرأي بقول الله تعالى : «وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ» الآية 7 من سورة فاطر، ومن هنا يقول أصحاب هذا الرأي إنَّ الميت لا يشعر من حوله ولا يسمعهم، وعن هل الميت يحس عند الغسل ، ورد أنه قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث: «إنَّ العبدَ إذا وُضِعَ في قَبرِه، وتولى عنه أصحابَه، وإنه ليسمعُ قَرْعَ نعالِهم» .
كيفية تغسيل الميت
كيفية تغسيل الميت، ورد أنه عند موت المسلم فينبغي علينا أن نقوم بأربعة أمور له، أولها التغسيل، وثانيها التكفين، وثالثها الصلاة عليه، ورابعًا الدفن، و كل مرحلة من هذه المراحل الأربع لها حد أدنى وركن، وركن التغسيل قد يُكتفى فيه بكوب كبير من الماء - كوز من الماء-، ولا شيء فيما إذا كان الماء ساخنًا أو دافئًا أو فاترًا أو باردًا، وكذلك لا مانع منها إذا كانت بها عطور أو ليس بها عطور.
كيفية تغسيل الميت ، ويتم صب الماء على الميت من الرأس إلى الساس، و الساس هو القدمين، وعليه فلو تخيلنا أن هناك "بانيو" وتم تغطيس الميت فيه ثم إخراجه، فقد تمت مرحلة التغسيل على أكمل وجه، وهذا ليس ما يتم العمل به عند تغسيل الميت، ففي الواقع يتم تغسيل الميت من خلال خطوات أكثر من هذا حيث يتم تنظيف بطنه وعينيه وأنفه وكل أعضائه وأمور أخرى أكثر ، لكن جميعها ليست فرض عند تغسيل الموتى.
كيفية تغسيل الميت ،و لو اكتفينا بتعميم الجسم بالماء، فبقية الأمور هي على سبيل السُنن والهيئات وهكذا، و لا مانع إن توضأ أو اغتسل من يقوم بتغسيل الميت قبل القيام بعمله، وكذلك لا شيء فيما إذا لم يكن المُغسل على وضوء.
كيفية تغسيل الميت ،يستحب في الغسل حمل الميت إلى موضع خالٍ مستورٍ لا يَدخله إلا الغاسل ومن يعاونه عند الغسل، وغسل الصغير لا يختلف الكبير، ولولي الميت أن يدخل إن شاء وإن لم يغسل ولم يُعِن، ويوضع الميتُ على لوح أو سرير هُيِّئ له ويكون موضع رأسه أعلى لينحدر الماء، ويغسل الميت في قميص يلبسه عند إرادة غسله، ثم إن كان القميص واسعًا أدخل المغسل يده في كمه -فتحة الصدر- وغسله من تحته، وإن كان ضيقًا فتق رأسه وأدخل يده فيه، ولو لم يوجد قميص أو لم يتأتَّ غسله فيه ستر منه ما بين السرة والركبة وحرم النظر إليه، ويكره للغاسل أن ينظر إلى شيء من بدن الميت إلا لحاجة بأن يريد معرفة المغسول، وأما المعروف فلا ينظر إلى شيء من بدنه إلا لضرورة.
كيفية تغسيل الميت ، ويُحضِر المغسل ماءً باردًا في إناء كبير ليغسل به، وهو أولى من المسخن، إلا أن يحتاج إلى المسخن لشدة البرد أو لوسخ أو غيره، وينبغي أن يبعد الإناء الذي فيه الماء عن مكان الغسل بحيث لا يصيبه رشاش الماء عند الغسل، ويعد الغاسل قبل الغسل خرقتين نظيفتين، وأول ما يبدأ به بعد وضع الميت على المغتسل أن يجلسَه إجلاسًا رفيقًا بحيث لا يعتدل ويكون مائلا إلى ورائه، ويضعَ يده اليمنى على كتفه وإبهامه في نقرة قفاه؛ لئلا يميل رأسه، ويسندَ ظهره إلى ركبته اليمنى، ويُمِرَّ يدَه اليسرى على بطن الميت إمرارًا بليغًا لتخرج الفضلات، ويكون عنده مجمرة فائحة بالطيب، ويصب عليه الشخص المُعِين ماءً كثيرًا؛ لئلا تظهر يخرج، ثم يرده إلى هيئة الاستلقاء، ويغسل بيساره وهي ملفوفة بإحدى الخرقتين دبر الميت ومذاكيره وعانته كما يستنجي الحي، ثم يلقي تلك الخرقة ويغسل يده بماء وصابون مثلا.
كيفية تغسيل الميت ، أنه الأحسن أن يغسل كل الدبر بخرقة والقُبُل بخرقة، ولا شك أنه أبلغُ في النظافة، ثم يتعهَّد ما على بدنه من قذر ونحوه، فإذا فرغ مما قدمناه لف الخرقة الأخرى على اليد وأدخل أصبعه في فم الميت وأَمَرَّها على أسنانه بشيء من الماء ولا يفتح أسنانه، وعلى المغسل أن يدخل أصبعه في فتحتَي أنف الميت بشيء من الماء ليزيل ما فيهما من أذى، ثم يوضئه كوضوء الحي ثلاثًا ثلاثًا مع المضمضة والاستنشاق، ولا يكفي ما قدمناه من إدخال الأصبعين عن المضمضة والاستنشاق، بل ذاك كالسواك، ويُمِيل رأس الميت في المضمضة والاستنشاق لئلا يصل الماء باطنه، فإذا فرغ من وضوئه غسل رأسه ثم لحيته بشيء فيه رغوة كالصابون أو "الشامبو" وسرحهما بمشط واسع الأسنان إن كانا متلبدين، ويرفق لئلا ينتف شعرًا، فإن انتتف رده إليه في كفنه، ثم يغسل شقه الأيمن المقبل من عنقه وصدره وفخذه وساقه وقدمه، ثم يغسل شقه الأيسر كذلك، ثم يحوله إلى جنبه الأيسر فيغسل شقه الأيمن مما بعد القفا والظهر من الكتفين إلى القدم، ثم يحوله إلى جنبه الأيمن فيغسل شقه الأيسر.
كيفية تغسيل الميت ،وغسل الرأس لا يعاد، بل يبدأ بصفحة العنق فما تحتها وقد حصل غسل الرأس أولا، ويجب الاحتراز عن كبه على الوجه، ثم جميع ما ذكرناه غسلة واحدة، وهذه الغسلة تكون بالماء والشيء الذي فيه رغوة، ثم يصب عليه الماء القراح -أي الذي لا يخالطه شيء- مِن أعلى رأسه إلى قدمه، ويستحب أن يغسله ثلاثًا، فإن لم تحصل النظافة زاد حتى تحصل، فإن حصل بعدد زوجي من الغسلات استُحِبَّ الإيتار، والمحسوب من الغسلات هو ما يُصَبُّ عليه مِن الماء القراح بعد زوال الصابون وأمثاله من المنظفات، فيغسل بعد زوال ذلك ثلاثًا بالماء القراح، ويعيد تليين مفاصله بعد الغسل، ثم ينشفه تنشيفًا بليغًا، ويتعهد الغاسل مسح بطن الميت في كل مرة بأرفقَ مما قبلها، فإذا خرجت منه نجاسةٌ في آخر الغسلات أو بعدها وَجَبَ غسل لنجاسة قطعًا بكل حال سواء كان قبل وضعه في الكفن أو بعده، ولا يعيد غسل الميت.
من له حق تغسيل الميت
من له حق تغسيل الميت ، الأصل أن يغسل الرجال الرجال وأن تغسل النساء النساء، فإن تعذر وجود الرجال أو أرادت الزوجة أن تغسل زوجها برا به فلا حرج في ذلك شرعا، منوها إلى أنه لا يجوز للرجل أن يغسل أمه أو أخت، حيث إن السيدة عائشة ورد عنها أنها قالت "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي إلا نساءه"، منوها إلى أن تغسيل الرجل زوجته جائز لأن سيدنا علي بن أبي طالب غسل زوجته السيدة فاطمة، وكذلك يجوز للمرأة أن تغسل زوجها، والقاعدة العامة أن الرجل يغسله الرجال والمرأة تغسلها النساء، ثم الأقرب فالأقرب إلى كل منهما إن تعذر وجود الأولى.
من له حق تغسيل الميت، الأصل أنه لا يغسِّل الرجل المتوفى إلا الرجال، ولا يغسِّل النساء إلا النساء، لكن يجوز عند بعض الفقهاء تغسيل الزوج لزوجته المتوفاة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال لعائشة رضي الله تعالى عنها: «مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي، فَقُمْتُ عَلَيْكِ، فَغَسَّلْتُكِ، وَكَفَّنْتُكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ، وَدَفَنْتُكِ» أخرجه ابن ماجه في "سننه" بإسناد جيد، و جماهير الفقهاء ترى أنه لا يجوز للرجل أن يغسل المرأة المتوفاة أيما كان سواء كان أبًا أو أخًا أو زوجًا أو عمًا أو خالًا أو محرمًا أو غير محرم، ولا يجوز للمرأة -عند جمهور الفقهاء- أن تغسل الرجل بعد الوفاة، إلا أن هذه الصورة وهي تغسيل الرجل لزوجته أو تغسيل الزوجة لزوجها، اختلف فيها الفقهاء لأن علاقة الزوجية علاقة فيها ميثاق غليظ وفيها إباحة لما كان خفيًا عن الغير حتى الأب والأم من العورات وغيره، واستدل القائلون بجواز تغسيل الرجل لزوجته من الفقهاء، وهم قلة، بأن علي –رضي الله عنه - غسل السيدة فاطمة رضي الله عنها؛ لأن سيدنا علي كان من كبار فقهاء الصحابة.
من له حق تغسيل الميت ، بعض الفقهاء رأوا أن علاقة الزوجية انتهت بالموت، فلا يجوز للرجل أن يغسل زوجته بعد موتها، فإذا كانت العلاقة فيها شبهة قيام بذلك فهو يجوز للمرأة أن تغسل زوجها فقط، لأن المرأة عند موت الزوج تكون في فترة العدة، سواء كانت حاملًا أو غيره، وكأنها شرعًا لا تزال زوجته، لكن جماهير الفقهاء أجمعوا على أنه يغسل الرجال الرجال وتغسل النساء النساء، ولا يجوز للرجل أن يغسل المرأة، ولا يجوز للمرأة أن تغسل الرجل بعد الوفاة.
هل الميت يشعر بمن يبكي عليه
هل الميت يشعر بمن يبكي عليه، ففيها وردأنه لا توجد نصوص في الشريعة تؤكد أن المتوفى يشعر بمن يحزن عليه، فيماأن البعض يعتقدون بأن الميت يعرف عنه كل شيء يحدث له، فليس هناك معلومات مؤكدة في هذا تدل على صحة ذلك، إلا أن النصوص التي وردت في السنة المشرفة لا تدل على أن الميت يشعر بمن يحزن عليه،أو بمن يبكي عليه.
هل الميت يشعر بمن يبكي عليه، وقدورد في السنة أنه عندما أزور وأسلم عليه يرد عليّ السلام وعندما أقرأ له القرآن وأدعو له فيصل إليه الثواب لكن لم يرد في السنة على أن روحه محلقة حولي وتشعر بي فهذا ليس بصحيح، والثابتأنه لا يوجد في الشريعة نصوص تدل على أنه من يحزن أو يبكي عليهم يشعر به الميت.
هل يشعر الميت بمن يزوره ؟
هل يشعر الميت بمن يزوره ؟ ، فجاءأن الشخص المتوفى يعلم بمن يزوره عند قبره، ويأنس لهذه الزيارة، ويرد السلام على من يسلم عليه، وقدوردت أحاديث تفيد سماع الميت لبعض ما يقوله الأحياء، مًستشهدًا بما ورد عن ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ القَلِيبِ، فَقَالَ: وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَقِيلَ لَهُ: تَدْعُو أَمْوَاتًا؟ فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ لاَ يُجِيبُون»َ.
هل يشعر الميت بمن يزوره ؟ كما ورد فيمايتعلق بحال حياة الأحياء من: معيشة وزواج ونجاح وغير ذلك من متُع الدنيا؛ فليس هناك حديث صحيح يؤيد ذلك، ولأن الميت مشغول بحياته البرزخية عن حياة الدنيا؛ فلا يهمه إلا ما يتعلق بثواب يصل إليه دون غرور الدنيا وزخرفها.
هل يشعر الميت بمن يزوره ومن يسلم عليه ؟
هل يشعر الميت بمن يزوره ومن يسلم عليه ؟ فقد ذهب الفقهاء إلىأن الميت يشعر بمن يزوره، لما روي عن بريدة رضي الله عنه قال: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ، فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ" أخرجه مسلم في "صحيحه".
هل يشعر الميت بمن يزوره ومن يسلم عليه؟، وبما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ رَجُلٍ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ، إِلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ» أخرجه تمام في "فوائده"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد".
هل يشعر الميت بمن يزوره ومن يسلم عليه ؟، ففيه كذلكأنه صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه أمر بقتلى بدر، فأُلقوا في قَلِيب، ثم جاء حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم: «يَا فُلانُ بْنَ فُلانٍ، وَيَا فُلانُ بْنَ فُلانٍ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإنَّي وَجَدت ما وعدني ربي حقًّا»، فقال له عمر رضى الله عنه: يا رسول الله، ما تخاطب من أقوام قد جيفوا؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «والَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ مَا أَنتُمْ بِأَسْمَع لِمَا أَقُولُ مِنهُم، وَلَكِنَّهُم لَا يَستَطِيعُونَ جَوابًا» أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" بألفاظ مختلفة.
هل الميت يشعر بمن يدعو له
هل الميت يشعر بمن يدعو له ؟، ففيه جاء أن المتوفى يعلم بمن يدعو له لأنه يصل إليه الثواب وينتفع به، فالميت يشعر ويستأنس ويفرح بمن يزوره، ويرد عليه السلام، كما ورد في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويستحب للمسلم زيارة القبور والسلام على أهلها، والميت يعرف المسلِّم عليه ويرد عليه السلام، كما أن الموتى يتقابلون فى عالم البرزخ، وهو العالم الذى يتخلل الفترة من الموت إلى يوم القيامة.
هل الميت يشعر بمن يدعو له ، فإنالذي يظهر لنا من خلال مراجعة أقوال أهل العلم في هذا الشأن: أن المتوفى يعلم بمن يدعو له لأنه يصل إليه الثواب وينتفع به لذلك روى البيهقي والبزار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تبارك وتعالى ليرفع للرجل الدرجة فيقول: «رب أنى لي هذه الدرجة؟ فيقول: بدعاء ولدك لك»، قال في المجمع: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة وهو حسن الحديث. (البيهقي في سننه الكبرى جـ7/صـ 79 حـ13237)،وقال الحافظ في الفتح: وفي الحديث جواز الصدقة عن الميت وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه ولاسيما إن كان من الولد.
حكم زيارة القبور والسلام على أهلها
يستحب للمسلم زيارة القبور والسلام على أهلها، والميت يعرف المسلِّم عليه ويرد عليه السلام كما ذكرنا؛ قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (5/ 310، ط. دار الفكر): [قال أصحابنا رحمهم الله: ويستحب للزائر أن يدنو من قبر المزور بقدر ما كان يدنو من صاحبه لو كان حيًّا وزاره]، وقال الإمام ابن القيِّم في "الروح" (ص: 5): [وقد شرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه، فيقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين)، وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به].
وعن قول المناوي في "فيض القدير" (5/ 287): [وقال الحافظ العراقي: المعرفة ورد السلام فرع الحياة ورد الروح، ولا مانع من خلق هذا الإدراك برد الروح في بعض جسده، وإن لم يكن ذلك في جميعه. وقال بعض الأعاظم: تعلق النفس بالبدن تعلق يشبه العشق الشديد، والحب اللازم، فإذا فارقت النفس البدن فذلك العشق لا يزول إلا بعد حين، فتصير تلك النفس شديدة الميل لذلك البدن؛ ولهذا ينهى عن كسر عظمه ووطء قبره].
معنى الموت
الموت ليس معناه فناء الإنسان تمامًا، ولا هو إعدام لوجوده الذي أوجده الله له، بل إن الموت حالة من أصعب الحالات التي يمر بها الإنسان؛ حيث تخرج فيها روحه؛ لتعيش في عالم آخر، فخروجها من الجسد الذي كانت بداخله صعب، فالموت هو مفارقة الروح للجسد حقيقة؛ قال شيخ الإسلام الغزالي في "إحياء علوم الدين" (4/ 493): [ومعنى مفارقتها للجسد: انقطاع تصرفها عن الجسد بخروج الجسد عن طاعتها].
الأعمال الصالحة التي ينتفع بها الميت
أولًا: الدعاء والاستغفار له، وهذا مجمع عليه لقول الله تعالى :«وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ» (الحشر:10) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء».
ثانيًا: الصدقة: وقد حكى النووي الإجماع على أنها تقع عن الميت ويصله ثوابها سواء كانت من ولده أو غيره، لما روى مسلم (1630) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالا وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ ».
وروى مسلم أيضًا (1004) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا (أي : ماتت فجأة)، وَإِنِّي أَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَلِي أَجْرٌ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ».
ثالثًا: الصوم: لِمَا رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»، ورويا أيضًا من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: «لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى».
رابعًا الحج: لما رواه البخاري عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: «أنَّ امرأةً مِن جُهينةَ جاءت إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: إنَّ أمِّي نذَرَتْ أن تحُجَّ، فلم تحُجَّ حتى ماتتْ، أفأحُجُّ عنها؟ قال: نعم، حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمِّكِ دَينٌ أكنتِ قاضِيَتَه؟ اقضُوا اللهَ؛ فاللهُ أحقُّ بالوفاءِ».
خامسًا: قراءة القرآن: وهذا رأي الجمهور من أهل السنة، وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل، فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه: اللهم أوصل مثل ثواب ما قرأته إلى فلان، وورد في كتاب «المغني» لابن قدامة : قال أحمد بن حنبل : الميت يصل إليه كل شيء من الخير، للنصوص الواردة فيه، ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر ويقرؤون ويهدون لموتاهم من غير نكير، فكان إجماعًا.