حكم تنظيم النسل .. تنظيم النسل حلال ولا يكون اعتراضًا ولا تدخلًا في قدر الله تعالى؛ لأنه من باب الأخذ بالأسباب، والإنجاب حق وواجب في ذات الوقت؛ فهو حق للزوجين، وواجب على المستوى العام والكلي لأنه مطلب وجُودِيٌّ لاستمرار بقاء النوع الإنساني الذي لا يبقى إلا عن طريق التناسل المنضبط.
أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الفتوى في دار الإفتاء المصرية مستقرة على مشروعية تنظيم النسل، أما الفتاوى التي تعوق تنظيم الأسرة فهي فتاوى صدرت عن غير المتخصصين ولا يجوز أن نلجأ إلا إلى أهل الاختصاص.
جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها في الندوة التي نظمها صالون صحيفة الجمهورية الثقافي، وعقدت مساء الأحد حول الزيادة السكانية ومستقبل مصر.
وأوضح المفتي أن تنظيم النسل هو كل ما يتبعه الزوجان باستعمال الوسائل الصحية التي من شأنها أن تحول دون حدوث الحمل، مؤكدًا أنه أمر جائز شرعًا، وهو مخالف للإجهاض الذي هو إماتة للجنين بعد حدوث الحمل؛ لأن الإجهاض حرام شرعًا إذا لم توجد الأسباب القوية الملجئة لارتكابه.
وحول الأدلة الشرعية على جواز تنظيم النسل، استدل فضيلة مفتي الجمهورية بحديث جابر رضي الله عنه أنه قال: «كنَّا نعزل على عهد النبي ﷺ والقرآن ينزل»، مشيرًا إلى أن وسائل تنظيم النسل مباحة ما دامت تحت الإشراف الطبي السليم؛ لأن الوسائل تأخذ حكم المقاصد.
وأوضح المفتي أن من البواعث على إباحة تنظيم النسل: المحافظة على حياة المرأة؛ خوفًا من خطر الولادة، ووقوع الحرج بسبب كثرة الأولاد، وعدم وجود مصدر عمل ثابت يضمن الاكتساب ويعطي القدرة على الإنفاق، أو العجز عن الإنفاق بشكل عام، بل حتى للمحافظة على جمال المرأة وحسن صفاتها، وكل هذا غير منهي عنه؛ بل هو من قبيل رفع الحرج.
وأكد مفتي الجمهورية كذلك أن تنظيم النسل لا يتعارض مع ما جاء في القرآن الكريم عن قتل الأولاد خشية الإملاق والنهي عن ذلك، فهو متعلق بقتل النفس أو قتل الشيء الذي له روح. ولا يمكن أن يكون حجة أو أساسًا للقول بأن القرآن الكريم ينهى عن تحديد النسل؛ لأن تحديد النسل هو فقط تجنب الحمل قبل وقوعه.
ولفت المفتي إلى أن الفتوى التي استقرت عليها دار الإفتاء المصرية من إباحة تنظيم النسل مبنية على فهم صحيح للواقع، مشيرًا إلى أن الإمام الشافعي رحمه الله حذر من كثرة العيال والفقر.
حكم الإجهاض لتنظيم النسل
وأما عن الإجهاض وعلاقته بتنظيم النسل، شدد مفتي الجمهورية، على أن دار الإفتاء المصرية ترى أنه يَحرُمُ الإجهاضُ مطلقًا؛ بعد نفخ الروح في الجنين، إلَّا لضرورةٍ شرعية؛ بأن يقرر الطبيبُ المتخصص أن بقاء الجنين في بطن أمه فيه خطرٌ على حياتها، فحينئذٍ يجوز إسقاطه؛ مراعاةً لحياة الأم وصحتها المستقرة، وتغليبًا لها على حياة الجنين غير المستقرة.
وواصل: أن بعض العلماء قديمًا لم ينظروا للعزل -الذي يشبه تنظيم النسل الآن- من منظور الفقر أو الحاجة، بل نظروا إليه من منظور تجميلي ورفاهية أو مراعاة لصحة الإنسان، فنجد مثلًا الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين يذهب إلى أن العزل بسبب الخوف من حصول المشقة والحرج بكثرة الأولاد والتكاليف ليس منهيًّا عنه شرعًا؛ لأنه من باب النظر في العواقب والأخذ بالأسباب.
هل يحقق للدولة تنظيم النسل؟
واختتم قائلًا: «ولا مانع من اتِّخاذ الدولة ما تراه من وسائل وتدابير لتنظيم عملية النسل وترغيب الناس فيه؛ فإنه ليس منعًا من الإنجاب مطلقًا، فالمحظور هو المنع المطلق، وهذا ليس منه، وإنما هو طلبُ الدولة الحياةَ الكريمة لشعوبها، وحرصٌ منها على الموازنة بين المواردِ وعدد السكان الذين ينتفعون بهذه الموارد، وهؤلاء يُطالِبون الحكومات بتقديم الخدمات اللازمة لهم في أمور المعيشة المختلفة، والتي تؤثر عليها بالضرورة الزيادةُ في عدد السكان».