الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد سالم يكتب.. «الإيجار القديم» وسنوات الحق الضائع

الكاتب/ أحمد سالم
الكاتب/ أحمد سالم

لك أن تتخيل أن رجلًا شريداً ملقى على أحد الأرصفة بهيئةٍ رثة وملابس بالية، لا تبدو ملامحه من كثافة الشعر الذي غطى وجهه ممزوجا بكل ما حمله الهواء من ملوثات وأتربة.

الرجل يبدو كذلك في هيئته وحياته، دون مسكن آدمي أو ملبس يستر عوراته، أو حتى مصدر رزق يقتات منه، لكنه على الورق يمتلك عمارة كاملة ممنوع – قانونًا من التصرف أو الاستفادة منها لأنها مع الأسف « إيجار قديم » .. القصة حقيقية.

العمارة بالتأكيد تحوي عشرات الشقق السكنية وبعض المحلات التي تحولت إلى مشروعات تُدر ربحية عالية على المستأجر، بينما لا ينتفع المالك منها سوى ببضعة جنيهات شهرية، في عوار مجتمعي وموروث مُشوه تعاقبت عليه الحكومات بدون تصرُف حازم لا يضمن للمالك حقه فحسب، لكن يضمن للساكن أو المستأجر حقه في السكن أيضًا.

لم يتصدى لتلك الظاهرة مؤخرًا وبشكل علني وفاعل، سوى الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي ألقى عبارة عميقة المعاني، واضحة الرسالة والمقصود « يجب احترام الملكية من غير ما ندوس على الناس »، الرئيس السيسي فسر الرسالة قائلًا إن بعض الوحدات إيجاراتها جنيهات قليلة، فيما تتعدى قيمتها السوقية نحو 5 ملايين جنيه.

بالكاد، تحركات مجلس النواب حيال تلك المشكلة كانت كثيرة وملموسة، فضلًا عن جملة المقترحات التي تقدم بها النواب، لتعديل قانون الإيجار القديم، والتي سعت جميعها لاسترداد حق المالك برفع قيمة الإيجار تدريجيا، وكذلك الحفاظ على الأسر الساكنة دون تعريضهم للتشريد أو تحميلهم أعباءً كبيرة.

القصة معقدة بشكل يستدعي التفكير مليًا وعدم  والدراسة الشافية الكاشفة لكل الآثار الجانبية، فيما يخص تعديلات القانون بشأن شقق الإيجار القديم .. لكن ماذا عن المحال التجارية !!

هل يُعقل أن يتم تعميم القانون الخاص بالشقق السكنية لينسحب بدوره على مشروعات تجارية قائمة بذاتها قد تجني أرباحًا بالملايين شهريًا في مناطق مميزة بينما لا ينتفع مالكها الأصلي سوى بقيمة إيجارية لا تتعدى 100 جنيه مثلًا ؟.. التفصيل واجب هنا.  

في تجربة واقعية عاينتها بنفسي، أضطر صاحب الملك أن يستأجر محل تجاري في منطقة ( ميتة ) بمفهوم السوق، بقيمة إيجارية قاربت 1000 جنيه، ليبدأ فيه مشروعه الذي أكدت دراسة جدواه أنه لن يحصل منه على مكسب يتجاوز 3000 جنيه شهريًا منها قيمة الإيجار والفواتير وغيرها.. والمفارقة أن نفس الرجل يمتلك محلات تجارية ومخازن أسفل منزله ( إيجار قديم ) لا يجني منها سوى 400 جنيه شهريًا، بينما مستأجريها يربحون الملايين فعليًا.

الوضعية المجتمعية التي آل إليها مُلاك الإيجار القديم، تستدعي قبل الشعور بالشفقة عليهم، وجوب التدخل لحماية أملاكهم، وبخاصة الأملاك التجارية التي لن تنتقص من ربح المستأجر كثيرًا إذا قُيمت بسعرها السوقي، وهنا يجب التفرقة بين ماهو سكني وما هو تجاري، كما الحال في فواتير الكهرباء والمياه والغاز التي يدفعها الموطنون للحكومة.

أظُن أن مصر الآن لا تخضع سوى للقانون ومنح كل صاحب حق حقه، ولا تقف أمام عثرات في طريقها نحو العدالة والانضباط، ورسائل الرئيس السيسي واضحة وجلية لكل من يمتلك عقلًا ومسؤولية « يجب احترام الملكية من غير ما ندوس على الناس ».

مجلس النواب الحالي، الأنشط والأسرع والأكثر كفاءة من حيث سن التشريعات وتعديل القوانين، أصبح في مواجهة حقيقية وأمام مسؤولية كبرى مع بداية دور الانعقاد الثاني، هي بالتأكيد مهمة مقدسة من أجل بسط العدالة وانتزاع حق المالك والرفق أيضًا بالمستأجر.