الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«حروب بر مصر 2021»: نهاية الربيع الأوروبى - العربى (1)

ربيع الشعوب أو الثورات الأوروبية عام 1848 تعرف أيضاً في بعض البلدان باسم ربيع الأمم وربيع الشعوب وعام الثورة، كانت سلسلة من الاضطرابات السياسية في جميع أنحاء القارة الأوروبية. وعدت من أكثر الموجات الثورية انتشارا في تاريخ أوروبا. كانت الثورات ذات طابع ديمقراطي في الأساس، بهدف إزالة الهياكل الإقطاعية القديمة وخلق دول وطنية مستقلة. بدأت الموجة الثورية بالثورة الفرنسية في فبراير، سرعان ما امتدت إلى بقية أوروبا. وقد تأثرت أكثر من 50 دولة بتلك الموجة، ولكن لم يكن هناك أي تنسيق أو تعاون بين ثوريي تلك الدول. ووفقا لإيفانز وفون ستراندمان (2000) فإن من بين العوامل الرئيسية المساهمة في انتشار تلك الموجة هي الشعور العام بعدم الرضا على القيادة السياسية، والمطالبة بزيادة المشاركة في الحكومة والديمقراطية، وحرية الصحافة، بالإضافة إلى مطالب الطبقة العاملة، وازدياد النزعة القومية، وإعادة تشكيل قطعات الجيوش الحكومية القائمة. وكانت الانتفاضات تقودها تحالفات مختصة من الإصلاحيين والطبقات الوسطى والعمال الذين لم يجتمعوا معا منذ زمن. حيث قتل عشرات الآلاف من البشر وهجر العديد منهم. ولكن بالمحصلة النهائية أتت إصلاحات هامة ودائمة، مثل إلغاء القنانة في النمسا-المجر، ونهاية الملكية المطلقة في الدنمارك، وإدخال الديمقراطية البرلمانية في هولندا. أما الثورات الأكثر أهمية فكانت في فرنسا وهولندا والدويلات التي شكلت الإمبراطورية الألمانية أواخر القرن 19 وأوائل القرن 20 وإيطاليا والإمبراطورية النمساوية.

نشأت تلك الثورات من أسباب عديدة يصعب التمعن بها والإستدلال على أنها ناتجة عن حركة متماسكة أو من مجموعة من الظواهر الاجتماعية. فقد حدثت تغيرات عديدة في المجتمع الأوروبي طوال النصف الأول من القرن 19. وكان كل من الإصلاحيين الليبراليين والسياسيين الراديكاليين يعيدون تشكيل حكوماتهم الوطنية.  وقد احدثت التغيرات التقنية ثورة في حياة الطبقات العاملة. وساهمت الصحافة المتميزة بشعبيتها في نشر الوعي وبرزت قيم جديدة وأفكار مثل الليبرالية الشعبية والقومية والاشتراكية. كما أكد بعض المؤرخين أن النقص الفادح في إنتاج المحاصيل وخاصة في 1846 كان سببا في انتشار الفقر والبلاء في أوساط الفلاحين والعمال القاطنين خارج المدن. ازدادت أعداد النبلاء المستاءين من الاستبداد الملكي أو شبه مطلق. فانتفضوا في غاليسيا النمساوية سنة 1846، التي لم تواجه إلا عندما ثار الفلاحون بدورهم ضد النبلاء. بالإضافة إلى ذلك فقد كان هناك مخطط للقوى الديموقراطية في بولندا الكبرى للإنتفاضة  ضد بروسيا، ولكن لم يتم تنفيذ المخطط فعليا.

ثم بدأت بدأت الطبقات الوسطى بالاحتجاج. وقد بدأ كلا من كارل ماركس وفريدريك إنجلز الذان كانا في بروكسل بكتابة بيان الحزب الشيوعي (الذي نشر باللغة الألمانية في لندن يوم 21 فبراير 1848) بناء على طلب الرابطة الشيوعية (وهي منظمة تتألف أساسا من العمال الألمان). ثم بدأوا بالتحريض داخل ألمانيا بعد تمرد مارس في برلين. وأصدروا من باريس "مطالب الحزب الشيوعي في ألمانيا" في مارس؛ حيث حث الكتيب على توحيد ألمانيا والاقتراع العام وإلغاء الإقطاعية وبعض الأهداف التي تنشدها الطبقة الوسطى.  كانت كل من الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة تتقاسمان نفس الرغبة في الإصلاح وتتفقان على الكثير من الأهداف المحددة. غير أن المشاركة في الثورة شكلت نقطة التباين. إن الطبقة الوسطى هي التي بادرت بخلق الجو أكثر تحفيزا وقوة وحركة، غير أن دوي مدافعها انطلق من الأسفل (الطبقة الدنيا). فاندلعت الثورات أولا في المدن.  ارتفع عدد سكان المناطق الريفية الفرنسية بسرعة، مما دفع العديد من الفلاحين إلى البحث عن عيشهم في المدن. وكان الكثير من البرجوازية يخشون على أنفسهم ويتفادون الاختلاط بالعاملين الفقراء. فالعديد من العمال غير المهرة يكدحون من 12 إلى 15 ساعة عمل يوميا، ويعيشون في أحياء فقيرة مزدحمة وتنتشر فيها الأمراض والأوبئة. وقد شعر الحرفيون التقليديون بضغوط التصنيع بعد أن فقدوا نقاباتهم. قام الثوريون مثل كارل ماركس بفتح منهاج يمكن اتباعه. وكذلك كان الوضع في ألمانيا مماثلا. فقد انتشر التصنيع في العديد من مناطق بروسيا تدريجيا. فخلال عقد 1840 سمح اعتماد على الآلات في صناعة النسيج بانخفاض في أسعار الألبسة وتراجع في كمية المنتجات المصنعة يدويا والتي كانت تستورد من ألمانيا قبل ذلك. وأحدثت الإصلاحات تحسنا في أوضاع الريف التي يسودها الإقطاع. إلا أن العمال الصناعيين ظلوا غير راضين عن ذلك وضغطوا من أجل إحداث تغيير أكبر.  كان عمال المناطق الحضرية ينفقون نصف دخلهم على الطعام والغذاء الذي يتألف في معظمه من الخبز والبطاطس. ونتيجة لضعف المحاصيل، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية وانخفض الطلب على السلع المصنعة، مما تسبب في زيادة البطالة. وخلال الثورة وبغية معالجة مشكلة البطالة، نظمت حلقات عمل للرجال المهتمين بأعمال البناء. كما أقام المسؤولون ورش عمل للنساء عندما شعرن بأنهن مستبعدات. وقام الحرفيون والعاطلون عن العمل بتدمير الآلات الصناعية عندما أحسوا بالتهديد أن تلك الآلات تمنح أصحاب العمل مزيدا من السلطة عليهم.

أدى النمو السكاني في المناطق الريفية إلى نقص الغذاء، والضغط على الأراضي، والهجرة سواء داخل أوروبا أو خارجها وخاصة إلى أمريكا الشمالية. في السنوات 1845-1846 تسبب نقص البطاطاس في أزمة معيشية حادة في أوروبا الشمالية. حيث انتشرت تلك الأزمة خصوصا في أيرلندا التي عرفت بمجاعة أيرلندا الكبرى، وانتشرت أعراضها القاسية حتى بلغت مرتفعات اسكتلندا ومناطق أوروبا القارية.  ان يمتلك الناس الثروة (والسلطة المناسبة) يعني أنهم بالضرورة ملاك أراضي يمارسون السلطة بحق الفلاحين. لذلك انفجرت مطالب الفلاحين الثورية ابتداء من 1848.

على الرغم من الجهود القوية وعنيفة في كثير من الأحيان من القوى الراسخة والرجعية للبقاء، إلا أن الأفكار المدمرة لها قد اكتسبت شعبية، وهي: الديمقراطية والليبرالية والقومية والاشتراكية.  في لغة الأربعينيات من القرن 19: كانت "الديمقراطية" تعني حق التصويت للذكور، و"الليبرالية" تعني أساسا موافقة المحكومين، وتقييد سلطة الكنيسة والدولة، والحكومة الجمهورية، وحرية الصحافة والفرد. "القومية" تؤمن بتوحيد الناس مرتبطين ب (أو مزيج من) اللغات المشتركة والثقافة والدين والتاريخ المشترك، وبالطبع الجغرافيا المتصلة. وهناك أيضا حركات وحدوية في ذاك الوقت، حيث كانت ألمانيا وإيطاليا مقسمتين إلى دويلات صغيرة ومستقلة عن بعضها البعض. ولم يكن لمصطلح "الاشتراكية" في الأربعينيات من القرن 19 تعريف متفق عليه، وهو ما يعني أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين، ولكنه كان يستخدم عادة في سياق القوة للعاملين في نظام يقوم على ملكية العمال لوسائل الإنتاج.

لقد نظر الديمقراطيون إلى سنة 1848 بأنها ثورة للديمقراطية، مما ضمن على المدى الطويل الحرية والمساواة والإخاء. بينما ندد الماركسيون بتلك السنة وعدوها خيانة لمثل الطبقة العاملة من برجوازية غير مبالية للمطالب البروليتاريا المشروعة. أما القوميين فقد كانت سنة 1848 هو ربيع الأمل لهم عندما رفضت القوميات حديثة النشأة تلك الإمبراطوريات الحاكمة متعددة الجنسيات القديمة. فقد أصيبوا جميعا بخيبة أمل مريرة، ولكن على المدى القصير.  لم يتغير في عقد مابعد ثورة 1848 سوى القليل، حيث اعتبر معظم المؤرخين أن تلك الثورات فاشلة، نظرا لعدم وجود تغييرات هيكلية دائمة على ما يبدو. ومع ذلك فقد كان هناك بعض النجاحات الفورية لبعض الحركات الثورية، ولا سيما في أراضي هابسبورغ. فقد قضت كلا من النمسا وبروسيا على الإقطاع بحلول 1850، مما حسن من أوضاع الكثير من الفلاحين. وأيضا حققت الطبقات الأوروبية الوسطى مكاسب سياسية واقتصادية على مدى العقدين التاليين؛ فتمكنت فرنسا من الاحتفاظ بالاقتراع العام للذكور. وقامت روسيا لاحقا تحرير القنانة في 19 فبراير 1861. وبالنهاية كان على ملوك هابسبورغ إعطاء المجريين مزيدا من الحرية وتقرير المصير في أوسغليتش من 1867. وألهمت تلك الثورات قيام الدنمارك بعملية إصلاح دائم، بالإضافة إلى هولندا. ألهمت ثورات 1848 إلى قيام تشيلي بثورتها في 1851. سكن الألمان المثقفين الفارين من تطهير الحكم الرجعي في أراضي تكساس هيل (تكسان الألمانية) في الولايات المتحدة. أما على نطاق أوسع فقد ترك العديد من الثوار الذين تعرضوا للخيبة والاضطهاد، وخاصة (وإن لم يكن حصرا) من ألمانيا والإمبراطورية النمساوية، فقد تركوا أوطانهم وذهبوا إلى المنفى في العالم الجديد أو في الدول الأوروبية الأكثر ليبرالية.

بدأت بعد فترة وجيزة من العام الجديد في عام 1848 ، انفجرت أوروبا في ثورة. من باريس إلى فرانكفورت إلى بودابست إلى نابولي ، انتفض المتظاهرون الليبراليون ضد المؤسسة المحافظة. بالنسبة لأولئك الذين عاشوا خلال العام الكارثي ، بدا الأمر مفاجئًا إلى حد ما ؛ ومع ذلك ، فإن الإدراك المتأخر يقدم إشارات تحذير قيمة.  شهد عام 1846 مجاعة شديدة - آخر أزمة غذائية خطيرة في أوروبا. أدى نقص الحبوب إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها بينما ظلت الأجور راكدة ، مما قلل من طلب المستهلكين. مع شراء المستهلكين أقل وأقل ، تراجعت الأرباح ، مما أجبر الآلاف من العمال الصناعيين على ترك وظائفهم. أدى ارتفاع معدلات البطالة إلى جانب ارتفاع الأسعار إلى اندلاع الثورة الليبرالية. جعلت الأحداث اللاحقة في فبراير 1848 في فرنسا مقولة أمير النمسا كليمنس فون ميترنيخ تبدو صحيحة: "عندما تعطس فرنسا ، تصاب أوروبا بنزلة برد".

بدأ الليبراليون المعتدلون - المحامون والأطباء والتجار والبرجوازية - في الضغط بنشاط من أجل تمديد حق الاقتراع من خلال "حملة الولائم" ، التي سميت على هذا النحو لأن قادتها حاولوا جمع الأموال من خلال إلقاء خطابات مثيرة في عشاء مشترك في المناطق الحضرية الرئيسية في فرنسا. عندما ألغى مسؤولو باريس في 22 فبراير 1848 المأدبة المقررة ، خوفًا من احتجاج منظم من قبل الطبقات الوسطى والعاملة ، تظاهر المواطنون الباريسيون ضد القمع. تدفق العمال المهرة وعمال المصانع والليبراليون من الطبقة الوسطى إلى الشوارع. انشق الحرس الوطني ، وهو ميليشيا مواطن من البرجوازيين الباريسيين ، عن الملك لويس فيليب ، وانضمت حامية الجيش المتمركزة في باريس إلى المتظاهرين الثوريين أيضًا. حاول لويس فيليب الإصلاح ، لكن العمال رفضوا التغييرات الفاترة.  أثار الإطاحة بالنظام الملكي موجة من الاحتجاجات في جميع أنحاء شرق ووسط أوروبا ، بقيادة الليبراليين الراديكاليين والعمال الذين طالبوا بإصلاح دستوري أو تغيير حكومي كامل. في مارس ، أدت الاحتجاجات في المقاطعات الألمانية إلى إصلاح سريع من الأمراء المحليين ، بينما استسلم القيصر فريدريش فيلهلم الرابع من بروسيا للثورات في برلين بوعده بإنشاء مجلس بروسي. شجع انهيار الاستبداد في بروسيا الليبراليين في مقاطعات ألمانيا المقسمة على الانضمام معًا في جمعية فرانكفورت لوضع دستور وتوحيد الأمة الألمانية. اجتمع المؤتمر في مايو 1848 ، وكان مأهولًا بالموظفين المدنيين من الطبقة الوسطى والمحامين والمثقفين المكرسين للإصلاح الليبرالي. ومع ذلك ، بعد رسم حدود الدولة الألمانية وتقديم التاج لفريدريك فيلهلم ،

 

في النمسا ، ثار الطلاب والعمال والليبراليون من الطبقة الوسطى في فيينا ، وأقاموا جمعية تأسيسية. في بودابست ، قاد المجريون حركة استقلال وطني بقيادة الوطني لاجوس كوسوث. وبالمثل ، في براغ ، ثار التشيك باسم الحكم الذاتي. في إيطاليا ، تم إعلان دساتير جديدة في توسكانا وبيدمونت ، بهدف الإطاحة بأسيادهم النمساويين. هنا ، دفع ليبراليون الطبقة الوسطى بمفهوم التوحيد الإيطالي جنبًا إلى جنب مع هزيمة النمساويين بمساعدة حركة شباب إيطاليا ، التي أسسها القومي جوزيبي مازيني عام 1831 ، وهو مواطن إيطالي فضل ثورة ديمقراطية لتوحيد البلاد. في فبراير 1849 ، قاد مازيني ثورة ديمقراطية ضد البابا في روما ، وأصبح رئيسًا لجمهورية روما في وقت لاحق من ذلك الشهر. بمهاجمة البابا ، ذهب الديمقراطيون بعيدا جدا. تحرك الحماة الذين نصبوا أنفسهم للبابا ، الفرنسيون ، وهزموا الفيلق الروماني لمازيني. تمت استعادة البابا وانهارت إيطاليا الديمقراطية في الوقت الحالي.  في هذه الأثناء ، من أغسطس 1848 ، هزم الجيش النمساوي بقوة كل ثورة في إمبراطوريته. في فيينا ، في بودابست ، في براغ ، سحقت الجيوش النمساوية الحركات الليبرالية والديمقراطية ، وأعادت الإمبراطورية إلى المؤسسة المحافظة التي حكمت في بداية عام 1848. لم يأتِ شيء من ثورات 1848.

 

 

 

 

 

 

 

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط