الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصطفى الشيمى يكتب: قسمة مطولة

صدى البلد

أتذكر و أنا فى المدرسة كان فصل الشتاء هو المسيطر على الحالة الجوية أغلب فترات الدراسة، فكانت أمى  تراعى  تلك التقلبات و تعتبرها الأخطر على الصحة،  وتجبرنى على ارتداء البلوفر الأخضر الصوف وتوصينى بألا أقلعه ما دمت ارتديته حتى لا يلفحنى برد الشتاء . وكنت أقطع مسافه كبيرة حتى اصل إلى المدرسه  على قدمى يومياً أعجز عن سيرها الآن . ولكن ما كان  يميز هذا الطريق الصعب ، هو السير فى تجمعات مع أصدقاء الفصل أو زملاء الشارع الواحد .  ففى طريقنا المعتاد كان المطر لا يكف ، وكنا نستمتع به وبرائحته .فيصفى الجو بعد أن أهمدت الأمطار الغبار فى مثل ذلك الوقت من كل يوم . كنت طفلاً يصعب وصفه بالنبوغ أو البلادة .. ولكنى أتذكر معظم المواقف التى أُثنى علىّ فيها و كذلك ما تمنيت أن تقطع من الذاكرة و احفظها  بمخيلتى واسترجعها وقتما شئت  عندما يتكر المشهد أو الموقف فى حكاوي  المقربين لى . 
هناك مشاهد لا تقبل الذاكرة حذفها ، وتترك فى نفسى  غصه حتى هذة اللحظه . كانت حصته تربك قولونى العصبي.  فأهرب إلى المقاعد الخلفيه حتى أفلت من  العقاب أو يرحمنى  جرس انتهاء الحصه  قبل أن يصل الأمر  إليّ وتمر برداً وسلامًا.   فكنت أَمنّى نفسى كل يوم  بعدم حضوره و أرتجف رعبًا عند سماع صوته فى الطرقه المتصلة بالفصل  ، فكنا نؤكد حضوره عندما نسمع صوت قلقلة مفاتيحه فى بنطلونه الفضفاض ، وهو يأخذ خطواتاً ثابته نحو الفصل .   كان لا يصفنا بأسماء بشريه  فإما أن يؤنث الذكور  أو يُذكر الإناث أو ينعتنا بأسماء الزواحف والثديات  .  فى هذا اليوم ألقى كراسات التحضير على أول مقعد بنفور واضح  وظل يرمق للجميع ، ثم أعطانا ظهره و أخد يفكر  ثم وضع أصبعه السبابة بالعرض بين شفتاه ورسم شكل القسمه المطوله على رقمين كحرف ال Z المقلوب ، ثم  أشار إلىّ بأن أجد حلاً لهذة العقدة الرياضيه البحته.  لم يترك لى العنان لأفكر وطالبنى بفتح يدى ، حتى الآن أتذكر تلك العصى التى كسرت على يدى بسبب فشلى فى حل تلك المسأله الخوارزميه الصعبه .. ووصل بيا الحال لكرهه كعقاب له . حاولت أن أتناسى ولكن دون جدوى حتى جمعتنى به صدفه إلهية بحته فى فرح  أحد أصدقائى وبادرت  بالذهاب والسلام عليه ، و قابلنى  بصوته الأجش و مرحباً قائلاً " أهلاً يا شيمى " . وقتها رأيت رسمة القسمه  أمام عينى ولم أتردد لحظه فى مصارحته بعقدة حياتى المطوله وأنى كلما رأيت هذة الرسمه أتذكر ألم يدى وما حدث لى . إبتل وجهه عرقاً وخجلاً وحاول أن يجد مبرراً  ، ولم أضغط عليه بعد أن ارتضيت بتلك النظرة التى بردت النار التى اشتعلت فى يدى من أثر الضرب والعنف الذى مرّ عليه أكثر من عقدين كاملين . 
على النقيض .... أتذكر معلمِى وقدوتى ومن جعلني أعشق اللغة العربية وأجيد كتابه الخط العربى .أستاذى  محمد فاروق الملاح ، هو مثال للمعلم الناجح الذي لعب دور الواسطة بين المتعلم و العلم بروحه الايجابية التى انعكست علينا ونحن أبرياء  .  كان له طريقه عبقريه يمزج بها الحيوية و الإبداع و روح الدعابة  ، فلا يرى أن الجدية المفرطة هى الطريقه الوحيدة لإيصال المعلومه مما ترك انطباعا جيدا في نفسية المتعلمين امتد معنا  حتى بعد تخرجنا  من الجامعة.
عندما يحين موعد حصته كانت تدب البهجة فى الفصل . كنا نتمنى أن يدرس لنا جميع المواد بالإضافة لمادتى العربى والدين ، كنا نشتعل غيظاً عندما يدخل احتياطياً للفصول المجاورة . نعم كان مختلف فى كل شىء ، فكان يتبنى طرق تنافسيه إبداعيه تخلق بيننا المرح و التفوق . أتذكر إبتسامته المعهودة فى فض المنازعات وحل مشاكلنا  . حقيقى أدين له بكثير من الذكريات الناجحه المفحمه بالطاقه والبهجة و الإيجابيه  . و حتى الآن أتذكر تلك المسابقات التى كان يطرحها بيننا ويجبر الخاسر على الإبتسامه . أتذكرها جيداً و أضحك بين متاعب هذة  الحياة الضخمه . هى ذكريات جيدة ، تعمق  الأثر الايجابى وتكرس دور القدوه فى حياتنا .وتتماشى جنبا إلى جنب لما اقتسمته الذاكرة من ذكريات سيئة مثل ما تركته حكايه القسمه المطوله إياها فى نفسى  ولكن بالتأكيد تتفوق وتنتصر عليها .