قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن الصحابة، رضوان الله عليهم، اعتنوا عناية شديدة في رواية الحديث ونقله، فقد وضعوا بعض الضوابط لقبول الأخبار عنه ﷺ وإن لم تدوَّن في عصرهم، ومن تلك الضوابط: الاحتياط في قبول الأحاديث بالتحري، وكان أول من احتاط في قبول الأخبار أبا بكر الصديق خليفة رسول الله ﷺ، فقد ورد عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال: «جاءت الجدة إلى أبى بكر رضي الله عنه تسأله ميراثها فقال لها أبو بكر: ما لك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله ﷺ شيئاً، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله ﷺ، أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة، فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر الصديق رضي الله عنه» (رواه أحمد والنسائي)، فكانت رؤية أبى بكر، رضي الله عنه، هي التثبت في الأخبار والتحري، لا سد باب الرواية مطلقاً.
وأضاف علي جمعة خلال صفحته الرسمية على فيس بوك أن ثاني تلك الضوابط: التوقف في قبول خبر الواحد والتثبت من نقله، وبذلك الضابط تمسك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فعن أبى سعيد الخدري قال: «كنت جالساً في مجلس الأنصار، فأتانا أبو موسى فزعاً أو مذعوراً. قلنا: ما شأنك؟ قال: إن عمر أرسل إلىَّ أن آتيه، فأتيت بابه فسلمت ثلاثاً فلم يرد علي، فرجعتُ. فقال: ما منعك أن تأتينا؟ فقلت: إني أتيتك فَسَلَّمْتُ على بابك ثلاثاً، فلم يردوا علي، فرجعت وقد قال رسول الله ﷺ : إذا استأذن أحدكم ثلاثاً، فلم يُؤذن له فليرجع، فقال عمر: أقم عليه البينة وإلا أوجعتُك. فقال أُبَيُّ بن كعب: لا يقوم معه إلا أصغر القوم. قال أبو سعيد: قلت أنا أصغر القوم. قال: فاذهب به» [رواه مسلم].
فرأى عمر رضي الله عنه أن عليه أن يتأكد عنده خبر أبي موسى بقول صحابي آخر، وهذا دليل على أن الخبر إذا رواه ثقتان كان أقوى وأرجح مما انفرد به واحد، وفي ذلك حثٌّ على تكثير طرق الحديث لكي يترقى من درجة الظن إلى درجة قريبة من العلم، إذ الواحد يجوز عليه النسيان والوَهَم وذلك نادر على ثقتين.
وأشار علي جمعة إلى أن من ضوابط النقل عند الصحابة سمة تسمى «اللقيا والسماع» وقد اشتهر «البخاري» بأنه هو الذي اشترط هذا الشرط في صحيحه مما جعل صحيحه أعلى كتب السنة توثيقاً وضبطاً.
إلا أن الصحابة سبقوا «البخاري» في الاهتمام بهذا الشرط، ففي رحلة جابر بن عبد الله رضي الله عنه إلى عبد الله بن أنيس في مصر لطلب حديث واحد دليل على ذلك، حيث كان بإمكانه أن يرسل له رسالة أو يحصل على الحديث بأي شكل بغير لقاء، إلا أنهم اعتنوا باللقاء والسماع حتى يثبت النقل بطريقة أوثق.
وتابع علي جمعة أن من الضوابط كذلك: عرض السنة على القرآن الكريم، وعرض السنة على السنة، وعرض السنة على القياس، ومن ذلك ما روى عن أبى سلمة، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ قال: «الوضوء مما مست النار ولو من ثَوْرِ أَقِطٍ - وهي القطعة من اللبن المجفف المتحجر - قال: فقال ابن عباس: يا أبا هريرة أنتوضأ من الدهن؟ أنتوضأ من الحميم؟» (رواه الترمذي).
فكل هذه الضوابط وغيرها مما اعتنى به الصحابة في نقل السنة النبوية المشرفة إنما يشير إلى مدى اهتمام الصحابة، رضي الله عنهم، برواية الحديث والعناية به وصيانته وتوثيقه.