أولمبياد طوكيو 2020 كشفت الواقع المزري للجنة الأولمبية المغربية المؤسسة الأهلية الرياضية الأهم، والمسألة لم تتوقف عند الحضور المتواضع والشرفي بمشاركة 48 رياضيا ورياضية، اكتفى من خلالها الحضور بميدالية ذهبية واحدة حققها البطل البقالي في سباق 3000 متر موانع، وهي نتائج تعكس واقع وحقيقة اللجنة الأولمبية وما يدور في فلك الجامعات الرياضيات التابعة لها.
لا أريد التحدث عن المشاكل التي تدور في حلقتها الرياضة المغربية، لأنها أصبحت معروفة للبعيد والقريب من الرياضة، بل من أجل وضع الحلول والعمل وفق خطة واستراتيجية واضحة ولمرة واحدة فقط، وأن يشعر المغاربة ولمرة واحدة أن هناك نية لتحقيق شيء في هذا الجانب الذي نحتاج فيه إلى إعادة صياغة بشكل حقيقي وفعال.
بالنظر إلى الإمكانات المتوفرة لدينا من منشآت وبنى تحتية وكافة الجوانب المتعلقة بأي نوع رياضي، يمكن لرياضتنا وبوفرة الإمكانيات المتوفرة حاليا صناعة لاعب ناجح على مستوى عدة ألعاب رياضية، بداية من ألعاب القوى والملاكمة، لكن المشكلة تكمن في أن المسؤولين لم يلمسوا بعد عملا حقيقيا، ومعظم المحاولات تكون وقتية لفترات محددة، لأن الإداري لدينا يريد تحقيق أمجاد سريعة تحسب له، وهذا أكبر خطأ.
أعتقد أنه حان الأوان للنظر إلى تجارب اﻹتحادات العربية الأخرى، وكيف نهضت بعدة ألعاب رياضية خلال فترة وجيزة وبكل ثقة، وأصبحت دول لم نسمع عنها تحقق الإنجازات وتصل إلى منصات التتويج في الوقت الذي أصبحت فيه معظم الرياضات عندنا عاجزة تماما، يتحسر فيها المغربي بصمت عن السبب الذي يجعلنا نقف في محطة المشاهدة فقط.
انتهت حكاية طوكيو 2020 بالنسبة للرياضة المغربية بانتظار بدء حكاية جديدة مع أولمبياد باريس 2024، بأحلام وآمال وتطلعات أفضل، انتهت وفي حكايتها ذهبية تلخص حصيلة الرياضة المغربية، ومعها الحديث عن الإعداد الأولمبي ودور اللجنة الأولمبية الوطنية في مسألة إعداد الرياضيين للمشاركات الأولمبية، كان وسيبقى هاجسا صعب المنال بسبب الأسلوب التقليدي الذي تنتهجه اللجنة، ناهيك عن تجاهلها الواضح لمسألة الإعداد الفني والتهييء النفسي للمشاركين، بل أن اللجنة الأولمبية فشلت في بلورة فكرة مشروع صناعة البطل الأولمبي على استهداف رياضات معينة نجح فيها المغرب في أولمبياد سابقة تمكنها من الدخول في النواة الأساسية لمشروع البطل الأولمبي مثل ألعاب القوى والملاكمة أثبت فيها الرياضيون المغاربة قدرتهم على المنافسة الدولية في حال توفير المقومات الضرورية لنجاحهم فضلا على كونها تعد خيارا استراتيجيا حيويا للرياضة المغربية.
ومن بين الرياضات المستهدفة أيضا الرماية والفروسية باعتبارهما من الرياضات المتصلة بالثقافة المغربية والاهتمام الواسع الذي تحظى به، علما بأن المشروع يجب أن ينطلق بنواة مكونة من عدد محدد من الرياضيين الحاليين القادرين على تحقيق إنجازات رياضية على أن يتم الانفتاح التدريجي على رياضيين ورياضات أخرى بحسب مقترحات اللجنة الأولمبية، وتكون المنافسات والمسابقات الدولية المستهدفة على المدى القريب في دورات إفريقية وعربية وبطولات العالم والبطولات والدورات التأهيلية، وعلى المدى البعيد متمثلة في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية باريس 2024، ودورة الألعاب الأولمبية بلوس أنجلوس 2028.
حقيقة أن عقود من التألق التي عاشتها مضامير ألعاب القوى، مع عبدالسلام الراضي، أول عداء حقق ميدالية للمغرب في ألعاب القوى، مرورا بالأسطورتين سعيد عويطة، ونوال المتوكل، أول سيدة عربية تتوج بميدالية أولمبية، وصولا إلى هشام الكروج وحسنة بنحسي، ونهاية بميدالية البقالي التي حفظت شيئا من ماء وجه الرياضة المغربية لكن الواقع أن حال ألعاب القوى المغربية انتهى إلى شكل لا يرضي أحدا، بعد أن أهملت أم الألعاب بدلا من تعميم الإهتمام بها في أنحاء الدولة، حتى اختفت الأسماء الكبيرة من الساحة وحل مكانها أنصاف الموهوبين، وكيف لدولة أقل إمكانيات مادية ولوجيستكية مثل كينيا حافظت على كيانها الرياضي وقاتلت رغم فقرها للحفاظ على ما وصلت إليه من شهرة عالمية، بينما المغرب بموارده المالية وعنصره البشري وأجواءه المناسبة لتكوين لاعبين على أعلى مستوى، فشل في استكمال ما حققه من نجاحات سابقة.
كل ذلك لم يغير في الأمر شيئا، ولم يدفع جامعة القوى، واللجنة الأولمبية للتفكير في كيفية التركيز على صناعة هشام كروج آخر، أو سعيد عويطة جديد، أو خليفة نوال المتوكل، أو امتداد لنزهة بيدوان، أو حسناء بنحسي وزهرة واعزيز، لم يفطن مسؤولي اللجنة الأولمبية على أن التركيز على ألعاب معينة وتحقيق نجاحات كبيرة فيها، وتركيز الدعم المالي عليها، أفضل كثيرا من الإنفاق الكبير على مجموعة من الألعاب الصعبة التي لا تتناسب مع طبيعة وفكر الرياضي المغربي.
قد يسوغ الكثير لما حدث من تدن مستمر في واقع رياضتنا الأولمبي، وما آلت إليه من صورة شوّهت ما تبقى من رياضة المغرب الأولمبية، مبررا ذلك نتيجة التدهور الحاصل في إدارات الرياضة، أو الى تداعيات أثّرت بشكل أو بآخر على تمكين الرياضيين من الدخول في ألعاب كان المغرب أجدر بالمنافسة فيها، بمقابل الصراعات التي نشبت بين أطراف وشخصيات تقنية بعض الرياضات، غير أن المنطق يفرض علينا أن نكون واقعيين وأكثر صراحة، إذ أنه من غير المُمكن تقبّل ما حدث من تراجع وانهيار، كان يفترض باللجنة الاولمبية المغربية أن تخطط مسبقا وفقا لبرنامج علمي ومدروس بإتجاه تأهيل أفضل ماديا ومعنويا للمشاركين، وأكتفت بالتواجد في مشاركة تدرك تماما بأنها بائسة، في غياب تأهيل الرباضيين وإعدادهم فنيا، بل أكاد أجزم أن اللجنة الأولمبية طالما ابانت على وجود فارق شاسع في مستوى التقييم والارتباط الإداري أولا والفني ثانيا بينها وبين مشاركات الجامعات الرياضية.
في الحقيقة اتضح جليا أن العديد من الجامعات تعيش في واد بعيد كل البعد عن عملها الفعلي، فهي لا تفقه في عملها الأساسي، ولا تريد أن تفهم دورها الحقيقي، بعد أن ابتعدت كثيرا عن أهدافها وتناست بشكل او بآخر أن وجودها هو اﻹرتقاء بالعمل وتحسين صورة المستوى الفني للرياضيين واﻹهتمام بالأبطال وتوسيع رقعة التواجد في التظاهرات والإسهام في ولادة المواهب بمختلف الألعاب وزجهم في معسكرات تدريبية وايصالهم إلى المنافسات الأولمبية.
عمر عاقيل يكتب: فاشلون بامتياز!
