اكتسى خطاب حركة النهضة الإخوانية في تونس خلال الأسبوعين الماضيين منذ قرارات الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو بقدر كبير من العناد والانفصال عن الواقع ورفض الاعتراف بالخطأ، والإصرار على العودة إلى أوضاع ما قبل 25 يوليو، بالرغم من التأييد الكبير والواضح الذي حظيت به قرارات سعيد في الشارع التونسي.
ورصدت إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية دلائل قوية في السنوات الأخيرة على أزمة داخلية يمر بها الحزب، بينها استقالات قيادات مؤسسة من الحركة رافضة بقاء راشد الغنوشي البالغ من العمر 80 عاماً على رأس الحزب منذ أربعين سنة.
وعادت حركة النهضة التي تأسست قبل أربعين عاماً، إلى الحياة السياسية في تونس إثر ثورة 2011، وكانت جزءا من كل البرلمانات ومعظم الحكومات منذ ذلك الوقت، ثم تراجع حضورها بشكل لافت، وانتقل تمثيلها البرلماني من 89 نائباً في العام 2011 إلى 53 (من أصل 217) في الانتخابات التشريعية في العام 2019.
خلاف داخلي يخرج إلى العلن
ومع إعلان الرئيس قيس سعيّد قراراته الاستثنائية في 25 يوليو بتجميد أعمال البرلمان الذي تملك فيه النهضة أكبر كتلة لمدة ثلاثين يوماً، وإقالة حليفها رئيس الحكومة هشام المشيشي وتولي السلطة التنفيذية بنفسه، خرج الخلاف الداخلي في الحزب إلى العلن، وتجلى في استقالات جديدة ومواقف رافضة لخيارات الحزب السياسية.
ويرى البعض أن هذه الأزمة الداخلية على خلفية الأزمة السياسية الوطنية، قد تهدد موقع الحزب في المشهد السياسي.
ورد الحزب على سعيّد باعتبار قراراته "انقلاباً على الثورة والدستور"، ودعا أنصاره للخروج للتظاهر و"الدفاع عن الشرعية"، لكنه سرعان ما تراجع عن هذه الدعوة، تجنباً للعنف، كما قال.
ويقول أستاذ التاريخ المعاصر والمحلل السياسي التونسي عبد اللطيف الحنّاشي: "لن تكون النهضة كما كانت منذ العام 2011. هذا أكيد. ستكون أضعف"، معلّلاً ذلك بحدة "الزلزال الداخلي" بين من يدعم بقاء الغنوشي وتنامي شق آخر يدعوه لرحيله.
تاريخ من المراوغة
ويرى الباحث في العلوم السياسية محمد الصحبي الخلفاوي أن "ما حدث مع الرئيس أظهر النهضة في حالة ضعف كبير، لم تعد ممسكة بخطوط اللعبة السياسية عكس ما كانت عليه في الماضي".
قرّرت النهضة عندما كانت في الحكم في العام 2013 وإثر أزمة سياسية حادة أججتها اغتيالات سياسية طالت معارضين لها، الخروج من الحكم والمشاركة في حوار وطني انتهى آنذاك بتشكيل حكومة تكنوقراط.
إثر ذلك ومن أجل ضمان البقاء في السلطة، شكلت ائتلافاً "هجيناً" مع حزب "نداء تونس" الليبرالي العلماني في العام 2014، وتقرّبت من رئيسه الراحل الباجي قائد السبسي. في انتخابات 2019، تحالفت مع حزب "قلب تونس" الذي يلاحق رئيسه نبيل القروي بتهم فساد وتبييض أموال.
الغنوشي.. براجماتي أم صاحب سلطة أبوية؟
خفّف مجلس شورى حركة بعد اجتماعه الخميس الماضي من حدة خطابه ضد الرئيس قيس سعيّد، ودعاه الى حوار وطني وتعيين رئيس حكومة جديد، وأقر بضرورة القيام بمراجعات لسياسة الحزب المنتهجة في السنوات الأخيرة وتحمّل مسؤوليته واستعداده للاعتذار عن الأخطاء المرتكبة.
وهذه الخطوة في تقدير الحنّاشي "انحناء للعاصفة لتجاوزها". لكن سعيّد يشدد على أنه "لا رجوع إلى الوراء".
ويمثّل الغنوشي الذي يقدّم نفسه "إسلامياً ديموقراطياً" البعد الرمزي القوي للإسلام السياسي، ويرى أنصاره أن له فضلاً كبيراً في نجاح بقاء الحركة في السلطة طيلة السنوات العشر الماضية، بينما ينتقد آخرون "سلطته الأبوية" على الحزب الذي أصبح "مشروعاً شخصياً" له ودفع العديد من القيادات، على غرار حمادي الجبالي ولطفي زيتون وعبد الحميد الجلاصي وزبير الشهودي، الى الاستقالة.
ويقدّر الحناشي أن الغنوشي "سيخرج ولكن في صورة مشرفة له"، لأنه "أصبح عبئا على جزء من النهضة وقياداتها". ويوضح الخلفاوي أن "مستقبله كلاعب سياسي متصدر المشهد السياسي انتهى وأصبح من الماضي.