قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

عام على انفجار مرفأ بيروت.. لبنان في نكبة وسط فشل الدولة وعرقلة التحقيق.. الهروب من البلاد رصاصة الرحمة للطبقة الوسطى.. وجروح غير مرئية تلاحق الناجين

انفجار مرفأ بيروت
انفجار مرفأ بيروت
×

مع قرب ذكرى انفجار مرفأ بيروت

- لبنان في فوضى وشلل وسط عرقلة سير التحقيق

- مواطنون يهربون بغير رجعة من أجل عيش كريم

- مطالبات برفع الحصانات والجراح النفسية لا تزال مفتوحة

كان حادث انفجار مرفأ بيروت الذي تحل ذكراه الأولى هذا الأسبوع يوم 4 أغسطس، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في لبنان، وأظهرت كم الفساد والفوضى التي تعاني منهما البلاد منذ سنوات حتى الآن، فلا تزال التحقيقات في ملابسات الكارثة غير واضحة، ولا يوجد محاسبة للمسؤولين عنه خاصة مع دخول الدولة في أزمات سياسية واقتصادية خانقة.

وفي 4 أغسطس من عام 2020، اندلع حريق في مرفأ بيروت تلاه بعد ذلك انفجار هائل وصلت أصداؤه إلى جزيرة قبرص، مخلفًا دمارًا ضخمًا في العاصمة اللبنانية وضحايا بالمئات، فيما غطت سحابة رمادية كبيرة السماء وحدثت خسائر مادية مهولة في شوارع المدينة المنكوبة، لتذكر العالم بالانفجار المروع الذي ضرب هيروشيما وناجازاكي، والذي يعد أكبر انفجار شهدته البشرية على مر التاريخ.

وأرجعت السلطات اللبنانية، سبب الانفجار إلى وجود 2750 طنا من نترات الأمونيوم، مخزنة في العنبر رقم 12 في المرفأ منذ عام 2014، لكن لا يوجد حتى الآن إجابة على تساؤلات من أين جاءت هذه المادة ولماذا لم يحاسب المتخاذلون والمسؤولن عنها حتى الآن، والتي تناولتها عدد من الصحف العالمية، مسلطين الضوء على الأزمة التي يشهدها لبنان عقب حادث المرفأ.

دولة فاشلة

وقالت صحيفة "جارديان" البريطانية، إن لبنان لا يزال يعاني من حالة شلل وصدمة، ولا تزال التحقيقات في ملابسات الانفجار غير واضحة، ويظل المسؤولون عن الواقعة بعيدين عن المساءلة أكثر من أي وقت مضى.

وأضافت الصحيفة البريطانية، أن الأمر الأسوأ من ذلك بالنسبة للشعب اللبناني هو أن المساعدات العالمية التي تم التعهد بها في أعقاب الانفجار، لا تزال مهملة من قبل حكام البلاد الذين فضلوا امتيازات ضيقة تدفقت عليهم بدلاً من خطة إنقاذ عالمية تتعافى بها بالبلاد.

ومقابل ما يصل إلى 11 مليار دولار من المساعدات، طالبت فرنسا بإصلاحات هيكلية للحكومة، والشفافية على جميع مستويات الإنفاق، فضلا عن دعم إجراء تحقيق مستقل ذي مصداقية في انفجار مرفأ بيروت، فيما كانت المليارات الأخرى من أوروبا مشروطة بمراجعة حسابات البنك المركزي، والتي كانت حاسمة في حركة ثروة لبنان.

وأكدت الصحيفة أنه بدلًا من ولادة عصر الخلاص، جاء الانفجار ليحدد الخلل الوظيفي لدولة فشلت في كل الأهداف، فلا تزال طبقتها السياسية غير قادرة على تشكيل حكومة، ولا تزال تتجادل حول لائحة توزيع الحقائب الوزارية وكأنها جوائز لتعزيز إقطاعيتها.

وبالمثل، تخضع مؤسسات الدولة للفصائل، فيما انخفضت احتياطيات البنك المركزي في لبنان إلى ما دون المتطلبات الإلزامية، مما يعني نهاية وشيكة للإعانات التي تحمي حتى الطبقات الوسطى.

هروب الطبقة الوسطى

كما سلطت الصحيفة البريطانية الضوء على وضع اللبنانيين الذين انضموا إلى أهالي سوريا وغيرهم من شعوب المنطقة في الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط ​​على قوارب هروبًا من ظروفهم مهما كانت المخاطر، موضحة أنه لا يوجد حل سوى خطة إنقاذ دولية واسعة النطاق تعني محو النظام الذي كان سائداً منذ 30 عاما.

وهذا ما تحدثت عنه وكالة "فرانس 24"، والتي تناولت وضع آلاف العائلات اللبنانية من الطبقة الوسطى، والتي غادرت البلاد إلى الخارج منذ انفجار مرفأ بيروت، وكان بعض منهم نشأوا خلال الحرب الأهلية 1975-1990، لذلك يريدون نوعية حياة أفضل وأمنًا لأطفالهم.

وقالت الوكالة إنه عندما شعر فؤاد عساف، البالغ من العمر 51 عامًا، بهزة الانفجار في العاصمة بيروت يوم 4 أغسطس 2020، هرع إلى الصليب الأحمر في منطقة الجميزة الأكثر تضررًا، للتطوع كعامل إسعافات أولية.

وبينما كان يبحث بين الأنقاض عن ناجين ويساعد في علاج الجرحى، كان لديه هاجس وتوقع بأن شيئًا لن يتغير في هذا البلد.

وبسبب هذا الانفجار الذي تسبب في مقتل 218 شخصًا وإصابة 7000 آخرين، بدأ عساف في التخطيط للمغادرة.

مثل زملائه اللبنانيين، كان يصارع عساف مع أزمات الحياة اليومية المتزايدة في بيروت "الوقوف في طوابير لمدة 3 ساعات للحصول على البنزين، والعيش مع نقص الكهرباء، ومحاولة إطعام أسرته بدخل يتناقص كل يوم بشكل حاد، والمكافحة من أجل الحصول على الأدوية الأساسية مثل الباراسيتامول".

وتعد الأزمة الاقتصادية الحالية في لبنان، من بين أسوأ الأزمات التي شهدها العالم منذ 150 عامًا، وفقًا للبنك الدولي، إذ ألقت بالبلاد في حالة اضطراب، خاصة مع معاناة المواطنين من ارتفاع معدلات البطالة ، وزيادة التضخم، وانخفاض قيمة الليرة، وتزايد انعدام الأمن الغذائي بالإضافة إلى أزمة فيروس كورونا.

لكن بالنسبة لعساف، كان انفجار مرفأ بيروت بمثابة "رصاصة الرحمة"، ففي نهاية الصيف، غادر هو وعائلته لبنان إلى باريس، حيث التحق أطفاله الآن بالمدرسة.

وأشار رائد الأعمال في مجال التكنولوجيا: "كان الكثير من الناس يفكرون في المغادرة قبل 4 أغسطس، إلا أن الانفجار أيقظهم"، مضيفًا "لا نريد أن نجعل أطفالنا يمرون بما مررنا به".

وتابع: "غادر العديد من أصدقائنا.. كل المعلمين والأطباء يغادرون. وهذا يعني أن جودة الرعاية الطبية ستنخفض، وستنخفض جودة التعليم ".

ولفت: "لم تعد هناك طبقة وسطى في بيروت"، مضيفًا "أولئك الذين لديهم الطرق الممكنة للمغادرة قد غادروا، والآخرون سيغادرون قريبًا جدًا"

وختم قوله بأن الطبقة الوسطى التي تبقى في الخلف هي الفقراء الجدد.

تحقيق معطل

ونقلت وكالة "فرانس برس"، عن مصادر قضائية أن الجزء الأكبر من التحقيق انتهى، لكن الحصانات والأذونات السياسية تقف اليوم عائقاً أمام استدعاء نواب ووزراء سابقين ورؤساء أجهزة أمنية وعسكرية كانوا يعلمون بمخاطر تخزين كميات هائلة من نترات الأمونيوم في المرفأ، ولم يحركوا ساكناً لإخراجها منه.

ووفقًا لما قاله مصدر قضائي مطلع لوكالة "فرانس برس" إن المحقق العدلي في القضية طارق بيطار "أنهى أكثر من 75 % من التحقيق السري بامتياز.. وباتت صورة ما حصل شبه جاهزة أمامه"، مشيراً إلى أنه يأمل الكشف عن نتائج تحقيقه قبل نهاية العام الحالي.

فيما ذكر المحامي يوسف لحود، وكيل نقابة المحامين وأكثر من ألف ضحية أن "القضاء اللبناني حسم المسؤوليات من ناحية الجهة التي أتت بنترات الأمونيوم إلى بيروت، وأسباب تفريغها وكيفية تخزينها وصولاً لقرار عدم إتلافها أو إعادة تصديرها إلى حين وقوع الانفجار".

وأضاف لوكالة "فرانس برس": "لكن أسئلة أساسية لم تتم الإجابة عنها حتى الآن، أبرزها كيف اندلع الانفجار؟ وهل من قطب مخفية في ما يتعلق بالمسؤولين عن إحضارها الى لبنان؟".

وأكد أن التحقيق كشف أسماء عدة بينها الشركة التي تملك السفينة "تيتو شيبينج" والشركة الشاحنة أي الوسيطة "سافارو ليمتيد" و"البنك الوطني" في موزمبيق الذي موّل الشحنة... لكن ما لم يحسمه بعد هو ما إذا كانت هناك جهات أخرى (سياسية مثلا) تقف خلف الشحنة.

يذكر أن رئيس الوزراء السابق، سعد الحريري، دعا، إلى رفع الحصانات عن الجميع في قضية انفجار مرفأ بيروت، خاصة مع مطالبة أهالي ضحايا مرفأ بيروت بهذا الأمر.

وقال رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، الخميس الماضي، إن البرلمان على "أتم الاستعداد لرفع الحصانات عن الجميع من دون استثناء بما في ذلك عن القضاء الذي وضع يده على قضية النترات منذ لحظة رسوم الباخرة إلى لحظة حدوث الانفجار".

معاناة نفسية

وسط كل الوضع المأساوي الذي يعيشه أهالي لبنان، لا تزال حادثة مرفأ بيروت لها وقع نفسي صادم على كل من عاشه وحضره في لحظتها، لذلك ذكرت وكالة "رويترز" للأنباء، أن الناجي من انفجار 4 أغسطس، شادي رزق، توقف الوقت عنده، منذ لحظة الواقعة التي كانت أمام مكتبه بالعاصمة بيروت.

وقال رشدي، البالغ من العمر 36 عامًا: "كل يوم هو 4 أغسطس، كل يوم"، مضيفا: "كل يوم، أتذكر الانفجار أو أتذكر ما حدث في ذلك اليوم الرهيب".

وكان رزق في المكتب الذي يعمل فيه الخاص بتزويد الانترنت، وكان يصور الدخان المتصاعد من انفجار المرفأ الذي يقابل مكان عمله.

وأضاف أن الحادث تسبب له في 350 غرزة بجميع أنحاء جسده ووجهه، وأضعف بصره جزئيًا، لافتا إلى أن هذا اليوم يعتبر يوم ولادته بعد أن نجا من تجربة الموت المحقق.

وأشار إلى أنه الآن يريد مواصلة هذا الفصل الجديد من حياته بعيدًا عن لبنان، معبر عن غضبه الشديد من عدم المحاسبة قائلا "لم يعتقل أحد حتى الآن ولم يستقيل وأحد ولا يسجن أحد.. الحقيقة لم تعرف بعد".

وحتى الآن لا يزال رزق يتعافي من آثار الانفجار الجسدية والنفسية، قائلًا: "الندوب الداخلية أسوأ.. فمن الممكن أن أتعافى جسديا في نهاية المطاف ولكن نفسيا لا أعرف متى سأشفى".

وبشأن خططه مع اقتراب ذكرى انفجار مرفأ بيروت، لا يعلم رزق خططه بالضبط بالضبط، لكنه يخشى أن يعيد هذا ذكريات "الألم الذي لا يوصف"، لكنه متأكد من أنه يريد التواجد في الشارع بالقرب من الميناء، للتعبير عن غضبه.

ونفس الحال، مع ليال "مطورة ألعاب"، التي تشعر بالتوتر والقلق في كل مرة تستمع فيها للألعاب النارية أو صوت غلق أحد الأبواب، إذ كانت والدتها مع شقيقتها في مستشفى قريب من مرفأ بيروت عندما وقع الانفجار.

وقالت ليال لوكالة EFE الإسبانية: "كانت رحلتي للتعافي بطيئة وصعبة، مليئة بذنب الناجين واضطراب ما بعد الصدمة"، راوية ما حدث يومها: "ركضت إلى الشوارع ولاحظت أن كل شيء قد دُمّر وأن الناس كانوا يصرخون، وكان بعضهم يسير وكأنهم تائهون والبعض الآخر ينزف بشدة".

عندما وصلت إلى المستشفى، كان باب غرفة الطوارئ قد دُمّر، وكان الدخان الأسود يتصاعد من الغرفة وكانت هناك إصابات ودماء "في كل مكان.. لكن بعد ساعة من البحث اليائس، تلقت مكالمة أن أختها ووالدتها قد نجيا".

لكن بعد مرور عام، ما زالت ليال تفقد الإحساس بالوقت، وتكافح مع مشاكل الذاكرة وتشعر وكأنها "سجينة"، على الرغم من أنها بدأت تُقدر "كل ثانية" تقضيها مع أحبائها.