تعتبر أكثر المجموعات كثافة في العلوم والتكنولوجيا هي تلك التي لديها أكبر نصيب للفرد من براءات الاختراع والنشر العلمي، وتتصدر كامبريدج وأكسفورد ببريطانيا كأكثر المجموعات كثافة في العلوم والتكنولوجيا عالميًا، تليهما أيندهوفن بهولندا، كما نجد أن أكثر مجالات النشر العلمي بأفضل مجموعات العلوم والتكنولوجيا على مستوى العالم هي الكيمياء والعلوم العصبية والهندسة، في حين أكثر مجالات طلبات براءات الاختراع الدولية بها هي التكنولوجيات الطبية والمستحضرات الصيدلانية والاتصالات الرقمية وتكنولوجيا الكومبيوتر كما سيتضح لاحقًا في هذا الجزء الذي يعتبر استكمالًا للجزء الثاني عشر، بينما عرضنا في الأجزاء السابقة تعريفًا بمؤشر الابتكار العالمي، وكيف يعمل على قياس وتقييم أداء الدول، ومقومات الدول الرائدة للابتكار في العالم، وواقع ومستهدف رؤية مصر 2030، ومؤشرات جودة الابتكار، وأفضل مجموعات العلوم والتكنولوجيا.
الجزء الثالث عشر: كثافة العلوم والتكنولوجيا، وأعلى مجالات الأبحاث والاختراعات، وأهم المؤسسات العلمية والشركات بأفضل المجموعات على مستوى العالم
* كثافة العلوم والتكنولوجيا في أفضل المجموعات على مستوى العالم:
مجموعات العلوم والتكنولوجيا هي التجمعات السكانية التي يبرز بها نشاط إيداع طلبات براءات الاختراع الدولية ونشر الأبحاث العلمية بكثافة من خلال الجامعات والمراكز البحثية والشركات والمؤسسات المنتشرة بها وكذلك الأفراد، وتعتبر أفضل المجموعات كثافة في العلوم والتكنولوجيا (في تقرير مؤشر الابتكار العالمي لعام 2020) هي المجموعات الأعلى في مجموع حصص طلبات براءات الاختراع الدولية التي تم إيداعها والمنشورات العلمية خلال الفترة من 2014 إلى 2018 مقسومًا على عدد السكان بها، حيث يقاس نصيب الفرد من إنتاج العلوم والتكنولوجيا بغض النظر عن الناتج الإجمالي من الأبحاث والاختراعات الذي كان المقياس التفاضلي في مقالنا السابق عن أفضل مجموعات العلوم والتكنولوجيا عالميًا.
فبينما تُظهر إسطنبول (المرتبة 51 عالميًا) بتركيا ومونتريال (المرتبة 52 عالميًا) بكندا أداءً علميًا وتكنولوجيًا مشابهًا على مستوى الناتج الإجمالي، فكلاهما تبلغ مساهمته بنسبة 0.31% من الإجمالي العالمي، بعدد 31,709 بحثا و2,677 طلب براءة اختراع دولية في إسطنبول، وعدد 36,816 بحثا و2,027 طلب براءة اختراع دولية في مونتريال، ومع ذلك تحتل إسنطبول المرتبة 96 ومونتريال المرتبة 60 في كثافة العلوم والتكنولوجيا، وذلك نظرا لأن عدد سكان إسطنبول يبلغ 14.4 مليون نسمة، في حين يبلغ عدد سكان مونتريال 3.4 مليون نسمة، وبذلك يصل نصيب كل 1000 نسمة من الأبحاث المنشورة والاختراعات الدولية في إسطنبول إلى 2.4 وفي مونتريال إلى 11.4، مما يعني أن نشاط العلوم والتكنولوجيا أكثر كثافة في مونتريال مما هو عليه في إسطنبول، حتى وإن فرضنا أن إسطنبول تتفوق على مستوى الناتج الإجمالي.
كما تبرز كل من كامبريدج (المرتبة 57 عالميًا) وأكسفورد بالمملكة المتحدة (المرتبة 71 عالميًا) كأكثر المجموعات كثافة في العلوم والتكنولوجيا عالميًا، حيث يوجد بهما مؤسسات علمية عالية الإنتاجية داخل نطاق تجمعات سكانية صغيرة نسبيًا. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع كامبريدج بحضور كبير نسبيًا لشركات التكنولوجيا، مثل شركة أرم (ARM) المتخصصة في مجال الحوسبة المعززة بالذكاء الاصطناعي ومنها تصنيع معالجات الهواتف المحمولة (CPU & GPU)، وشركة نوكيا للحلول والشبكات المتخصصة في مجال أنظمة وتقنيات الهواتف المحمولة والأجهزة الذكية، مما ينتج عنها كم كبير من براءات الاختراع عادةً ما تنتج من مجموعات تضم ضعف عدد السكان، حيث يبلغ عدد السكان في كامبريدج 449,129 نسمة فنجد أن نصيب كل 1000 نسمة بها ما يمثل 63.8 من الأبحاث المنشورة والاختراعات الدولية، بينما يبلغ عدد السكان في أكسفورد 508,033 نسمة فنجد أن نصيب كل 1000 نسمة بها ما يمثل 56 من الأبحاث المنشورة والاختراعات الدولية.
أيضا نجد أن شنغهاي بالصين التي تحتل المرتبة التاسعة كأفضل مجموعات العلوم والتكنولوجيا عالميًا على مستوى الناتج الاجمالي، يبلغ عدد السكان بها 24.3 مليون نسمة، مما يجعلها تحتل المرتبة 82 عالميًا في كثافة العلوم والتكنولوجيا، حيث يصل نصيب كل 1000 نسمة بها ما يمثل 5.6 من الأبحاث المنشورة والاختراعات الدولية.
وعلى النقيض تحتل لوند – مالمو بالسويد المرتبة 96 عالميًا على مستوى الناتج الاجمالي، يبلغ عدد السكان بها 595,436 نسمة، وهذا العدد الضئيل من السكان جعلها تحتل المرتبة العاشرة عالميًا في كثافة العلوم والتكنولوجيا، حيث يصل نصيب كل 1000 نسمة بها ما يمثل 23.5 من الأبحاث المنشورة والاختراعات الدولية.
مع ذلك نجد أن سان خوسيه – سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة تحتل المرتبة الرابعة في كثافة العلوم والتكنولوجيا وأيضا تحتل المرتبة الخامسة عالميًا على مستوى الناتج الاجمالي، حيث يبلغ عدد السكان بها أكثر من ستة ملايين نسمة ونجد أن نصيب كل 1000 نسمة بها ما يمثل 21.4 من الأبحاث المنشورة والاختراعات الدولية، لذلك نجد أن هناك تباينًا كبيرًا في كثافة العلوم والتكنولوجيا بين المجموعات المختلفة ولا يوجد ارتباط واضح بين التصنيفات.
فبشكل عام هناك علاقة عكسية بين كثافة العلوم والتكنولوجيا وعدد السكان، فنجد أن المجموعات الصغيرة والمتوسطة في عدد السكان هي الأعلى كثافة في الأنشطة العلمية والتكنولوجية، بينما في المجموعات كثيفة السكان تقل كثافة العلوم والتكنولوجيا حتى وإن كانت متصدرة على مستوى الناتج الإجمالي، لذلك تُظهر العديد من المجموعات الأوروبية والأمريكية قليلة الكثافة السكانية نشاطًا علميًا وتكنولوجيًا أكثر كثافة من نظيراتها الآسيوية، على الرغم من أنها تظهر نشاطًا علميًا وتكنولوجيًا أقل على المستوى الإجمالي.
كما نجد أن المجموعات التي يكون ناتج العلوم والتكنولوجيا بها مدفوعًا بشكل أساسي بنشاط إيداع طلبات براءات الاختراع الدولية تكون أعلى كثافة في العلوم والتكنولوجيا، مثل أيندهوفن بهولندا التي تحتل المرتبة الثالثة في كثافة العلوم والتكنولوجيا (المرتبة 34 عالميًا على المستوى الإجمالي) يصل نصيب النشر العلمي عالميًا بها 0.07% بينما يصل نصيب طلبات براءات الاختراع الدولية عالميًا بها 0.79%، وكذلك الحال في سان خوسيه – سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة التي يصل نصيب النشر العلمي عالميًا بها 1.04% بينما يصل نصيب طلبات براءات الاختراع الدولية عالميًا بها 3.8%، ويشير هذا إلى أن تأثيرات المجموعات المرتبطة بنشاط إيداع طلبات براءات الاختراع الدولية قد تكون أقوى من تلك المرتبطة بالنشر العلمي،
ويستثنى من ذلك عدد قليل من المجموعات مثل كامبريدج بالمملكة المتحدة التي يصل نصيب النشر العلمي بها 0.3%، ويصل نصيب طلبات براءات الاختراع الدولية بها 0.25% ومع ذلك تحتل المرتبة الأولى في كثافة العلوم والتكنولوجيا عالميًا، وأيضا بوسطن – كامبريدج بالولايات المتحدة التي يصل نصيب النشر العلمي بها 1.49%، ويصل نصيب طلبات براءات الاختراع الدولية بها 1.48% ومع ذلك تحتل المرتبة السادسة في كثافة العلوم والتكنولوجيا عالميًا، فنجد أن ناتج العلوم والتكنولوجيا بهما مدفوعا بكلى النشاطين.
* أعلى مجالات الأبحاث والاختراعات وأهم المؤسسات العلمية والشركات بأفضل مجموعات العلوم والتكنولوجيا على مستوى العالم:
تظهر نتائج تقرير مؤشر الابتكار العالمي لعام 2020 أعلى مجالات النشر العلمي، وأهم المؤسسات التي ينتسب إليها المؤلفون العلميون، وأعلى مجالات إيداع طلبات براءات الاختراع الدولية، وأكثر الشركات والمؤسسات العلمية المودعة لطلبات براءات الاختراع الدولية في أفضل 100 مجموعة من مجموعات العلوم والتكنولوجيا عالميًا.
فنجد أن أعلى مجالات النشر العلمي هي، الكيمياء في المرتبة الاولى (34 مجموعة)، والعلوم الطبية في المرتبة الثانية (29 مجموعة) متضمنةً العلوم العصبية (18 مجموعة)، والطب العام (4 مجموعات)، والقلب والأوعية الدموية (3 مجموعات)، وعلم الأورام (3 مجموعات)، وطب الأطفال (1 مجموعة)، والهندسة في المرتبة الثالثة (17 مجموعة)، والفيزياء في المرتبة الرابعة (11 مجموعة).
كما نجد أن أعلى مجالات إيداع طلبات براءات الاختراع الدولية هي، التكنولوجيا الطبية في المرتبة الأولى (18 مجموعة)، وتساوت مجالات المستحضرات الصيدلانية والاتصالات الرقمية وتكنولوجيا الكومبيوتر في المرتبة الثانية (بعدد 15 مجموعة لكل منها)، ثم في المرتبة الثالثة مجال الآلات الكهربائية والأجهزة والطاقة (12 مجموعة).
ونجد أن أكبر مودع لطلبات براءات الاختراع الدولية في هذه المجموعات هو في العادة شركة (وذلك في عدد 75 مجموعة)، بل وتشكل العديد من الشركات المتقدم الأول لأكثر من مجموعة واحدة، مثل:
- شركة إنتل في مجال تكنولوجيا الكومبيوتر: في تل ابيب – القدس (إسرائيل)، وبورتلاند وفينيكس (الولايات المتحدة)،
- شركة إريكسون في مجال الاتصالات: في ستوكهولم ولوند – مالمو وجوتنبرج (السويد) ومونتريال (كندا)،
- شركة هواوي في مجال الاتصالات: في شينزين – هونج كونج – جوانزو (الصين) وأوتاوا (كندا)،
- شركة أتش بي (HP) في مجال تكنولوجيا الكومبيوتر: في برشلونة (أسبانيا) وبنجالور (الهند)،
- شركة بروكتور أند جامبل (P&G) في مجالي كيمياء المواد الأساسية والعناية الشخصية: في بروكسل (بلجيكا) وسينسناتي (الولايات المتحدة).
وأيضا نجد أن هناك بعض التوافق بين مجال النشر العلمي الأعلى ومجال براءات الاختراع الأعلى في هذه المجموعات. على سبيل المثال، هناك 11 مجموعة بالولايات المتحدة تتميز بالعلوم الطبية كأفضل مجال علمي وتتميز بالمستحضرات الصيدلانية والتكنولوجيا الطبية كأفضل مجالات لإيداع طلبات براءات الاختراع الدولية.
ومع ذلك، هناك العديد من الحالات التي لا يبدو فيها أن المجالين متطابقان. على سبيل المثال، هناك 22 مجموعة بالصين والولايات المتحدة وغيرها تتميز بالكيمياء كأفضل مجال للنشر العلمي، في حين تتميز هذه المجموعات بالهندسة والاتصالات والكومبيوتر كأفضل مجالات لإيداع طلبات براءات الاختراع الدولية.
بشكل عام، يمثل مجال العلوم الأعلى أقل من 10٪ من جميع المنشورات العلمية في معظم المجموعات، وعادة ما تكون حصص المجالات العلمية العليا أقل من تلك الموجودة في مجالات براءات الاختراع الدولية الأعلى. يشير هذا إلى أن الأنشطة العلمية للمجموعات أكثر تنوعًا من أنشطة براءات الاختراع الدولية الخاصة بها.
هذا وتتعاون المجموعات مع بعضها البعض في إيداع براءات اختراع تشاركية والتأليف المشترك للمنشورات العلمية كما يظهر في تقرير مؤشر الابتكار العالمي لعام 2019،
فنجد أن بكين بالصين هي أكبر تجمع متعاون في التأليف العلمي المشترك مع 18 مجموعة أخرى من خلال الأكاديمية الصينية للعلوم، وتليها واشنطن – بالتيمور بالولايات المتحدة مع 8 مجموعات أخرى من خلال جامعة جونز هوبكنز، ثم مدينة نيويورك بالولايات المتحدة مع 7 مجموعات أخرى من خلال جامعة كولومبيا.
في حين أن سان خوسيه - سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة هي المجموعة الأكثر شيوعًا للاختراع المشترك مع 20 مجموعة أخرى من خلال شركات وجامعات أعلاها تعاونًا شركات إنتل وإتش بي ومعامل دولبي، تليها بكين بالصين مع 8 مجموعات أخرى من خلال شركات ومعاهد أعلاها معهد جيانغ سوهو دونج لبطاريات ليثيوم أيون وشركتي هواوي وميديا تك، ثم شينزين – هونج كونج بالصين مع 6 مجموعات أخرى من خلال شركة هواوي (مع 5 مجموعات منها) وشركة شينزين لتكنولوجيا البصريات الإلكترونية.
بينما الكيانات التي تقود التعاون المشترك بين مجموعتين أو أكثر بالنسبة للمنشورات العلمية نجد أن أعلاها الأكاديمية الصينية للعلوم (18 مجموعة)، تليها جامعة جونز هوبكنز (8 مجموعات)، ثم جامعة كولومبيا (7 مجموعات)، وجامعة هارفارد (6 مجموعات)، وجامعتا بون ولندن (4 مجموعات لكل منهما).
في المقابل، تقود مجموعة كبيرة من الشركات إيداع طلبات براءات اختراع دولية مشتركة بين مجموعتين أو أكثر أعلاها شركتا إنتل وهواوي (6 مجموعات لكل منهما)، ثم شركة باسف الألمانية للكيماويات (4 مجموعات)، وشركات إتش بي (HP) وميرك للصناعات الدوائية وإريكسون (3 مجموعات لكل منهما).
وختاما لما تم استعراضه في الجزئين الحالي والسابق من سلسلة المقالات، نجد أن نشاط العلوم والتكنولوجيا من نشر الأبحاث العلمية وإيداع طلبات براءات الاختراع الدولية أمرًا محوريًا لتقييم أداء الابتكار على مستوى المجموعات المختلفة، ولكنه مازال لا يوضح كيف يُترجم هذا نشاط إلى مكاسب إنتاجية بالإضافة إلى منتجات وخدمات جديدة في السوق، ايضًا لا يزال الطريق طويلاً لالتقاط كامل أداء الابتكار على مستوى المدن والدول.
للحديث بقية،