لا تزال التطورات تتلاحق في تونس بوتيرة سريعة، بعد تحرك الرئيس قيس سعيد الأحد الماضي لمعالجة جذور أزمات مزمنة عجزت البلاد عن حلها في ظل هيمنة حركة النهضة الإخوانية على البرلمان ومؤسسات الدولة.
وفي بحث عن جذور الأزمات التونسية التي أفضت إلى المشهد الحالي، ذكر موقع "مودرن دبلوماسي" الأوروبي أن حركة النهضة الإخوانية سعت منذ مشاركتها في السلطة طوال السنوات العشر الماضية إلى دفع تونس، وهي الدولة العربية الأكثر تمسكًا بالعلمانية والحداثة الغربية، إلى تبني النمط الأكثر تشددًا من الإسلام السياسي.
شلل صحي وسياسي
ومنذ مطلع العام الجاري، انضافت إلى أزمات السياسة في تونس أزمة إضافية، ذلك أن اتساع الفجوة بين مؤسسات رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان، فضلًا عن التنافر الجلي بين شخوص من يتولون الرئاسات الثلاث، أفضت إلى غياب التوافق حول الوسائل التي يمكن من خلالها معالجة أزمة جائحة كورونا وما استتبعته من أزمات اقتصادية، ونجم عن ذلك في النهاية حالة من الشلل السياسي والتشريعي لا يمكن تحملها على الإطلاق.
وخلال الأسابيع الأخيرة، سجلت تونس ارتفاعًا مطردًا ومخيفًا في أعداد الإصابات والوفيات بمتحور دلتا من فيروس كورونا، وهو ما سبب أضرارًا فادحة، لا على مستوى الصحة العامة فحسب، وإنما على مستوى الاقتصاد، في دولة تعتمد بشدة على السياحة كمصدر أساسي للدخل القومي.
أوضح الموقع أن برنامج مكافحة جائحة كورونا الذي تبنته حكومة رئيس الوزراء السابق هشام المشيشي لم يكن أقل من كارثة، ففي تونس التي صنفتها منظمة الصحة العالمية مؤخرًا باعتبارها الدول الأكثر تضررًا من فيروس كورونا في أفريقيا، تعاقب 5 وزراء على حقيبة الصحة في حكومة المشيشي، اقترح كل منهم إجراءات طوارئ مرتبكة وغير منسقة للحد من انتشار فيروس كورونا، لم تفلح أي منها في وقف تردي الوضع الصحي.
السياسة تطغى على الجائحة
وفي خضم هذه الكارثة الصحية، تفرغ كل من أنصار حكومة المشيشي وأنصار حركة النهضة الإخوانية لتبادل الاتهامات بالمسؤولية عن أزمة كورونا صحيًا واقتصاديًا، ولم تخل حركة النهضة نفسها من معارك داخلية بعيدة كل البعد عن أزمة كورونا، بين جناح يتعجل فرض نسخته الأكثر تشددًا من الإسلام السياسي، وآخر يجنح نحو تقديم تنازلات من أجل البقاء في السلطة.
وعلى خلفية هذا المزيج من الفوضى والشلل السياسي والاقتصادي، عمد الرئيس التونسي قيس سعيد إلى إقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي وعدد من الوزراء، وتجميد عمل البرلمان لمدة 30 يومًا، بالاستناد إلى المادة 80 من الدستور التونسي.
ساعدوا تونس
وأضاف الموقع أن الموقف في تونس لا يزال في حالة سيولة نسبية، لكن يبدو أنه يتجه نحو الاستقرار، والذي يمكن تسريعه إذا تحركت دول البحر الأبيض المتوسط والاتحاد الأوروبي بسرعة لمساعدة تونس على الخروج من حالة الركود التي خلفها الوباء والأزمة الاقتصادية.
أوضح الموقع أن مساعدة السلطات التونسية بشكل عملي لحل الأزمة السياسية هي أيضًا في مصلحة جميع البلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط، ليس فقط انطلاقًا من مبادئ حسن الجوار، ولكن أيضًا لمنع أي فوضى محتملة في تونس من التسبب في موجة جديدة من الهجرة الفوضوية إلى أوروبا.
شباب النهضة ينتفض ضد القيادات
وطالب بيان صادر عن شباب حزب "حركة النهضة"، قيادة حزبهم بحل المكتب التنفيذي للحزب لفشل خياراته بتلبية حاجات التونسيين، مطالبين راشد الغنوشي بتغليب مصلحة تونس.
وفي بيان تحت عنوان "تصحيح المسار" قال 130 شابا ومن بينهم عدد من النواب، إن "تونس تمر بمنعطف تاريخي أفضى إلى اتخاذ رئيس الجمهورية إجراءات استثنائية، قوبلت بترحيب شعبي كما أثارت تحفظ جزء من النخبة السياسية والقانونية".
وأضاف البيان أن "هذه الوضعية الحرجة، والتي لا يخفى على أحد منا أن حزبنا كان عنصرا أساسيا فيها، تضعنا أمام حتمية المرور إلى خيارات موجعة لا مفر منها، سواء كان ذلك من منطلق تحمل المسؤولية وتجنب أخطاء الماضي، أو استجابة للضغط الشعبي".