أصبح العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أول زعيم عربي يلتقي الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة، وتكتسب زيارته تلك أهمية خاصة من حيث دلالاتها وتوقيتها، في ظل الأزمة الاقتصادية وتداعيات جائحة كورونا، والمحاولة التي أقدمت عليها شخصيات متنفذة بالأردن في محاولة للنيل من استقراره.
واجتمع الملك عبد الله، مع بايدن الذي وصف العاهل الأردني بأنه "صديق جيد، ووفي، مهذب". وقال مخاطبا ضيفه أمام الصحفيين في جلسة لالتقاط الصور "وقفت بجانبنا دائما، وسنقف دائما بجانب الأردن". وأضاف أنه يريد أن يطلع على تطورات الشرق الأوسط من الملك.
وقال الملك عبد الله لـ بايدن إن المنطقة تواجه الكثير من التحديات. ومضى يقول "بإمكانكم دائما الاعتماد علي، وعلى بلادي، وعلى كثير من حلفائنا في المنطقة".
ووفقًا لإذاعة "دويتشه فيله" الألمانية، من المقرر أن يحضر الملك عبد الله أيضا إفطار عمل مع نائبة الرئيس كاملا هاريس بمقر إقامتها اليوم الثلاثاء يعقبه اجتماع مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن بمقر وزارة الخارجية.
دور فريد في الشرق الأوسط
ويلعب الملك عبد الله دورا فريدا في الشرق الأوسط ويعتبره المسؤولون الأمريكيون زعيما معتدلا وعمليا يستطيع أن يلعب دور وساطة.
من جانبها، قالت الناطقة باسم البيت الأبيض، جين ساكي إن الزيارة "ستكون فرصة لمناقشة الكثير من التحديات التي تواجه الشرق الأوسط والتأكيد على الدور القيادي للأردن في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة".
وتعود علاقة الصداقة بين واشنطن والأردن إلى الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، بيد أنه في خمسينيات القرن الماضي، أصبحت المملكة الأردنية تمثل أهمية حقيقة للولايات المتحدة إذ رأت فيها بلدا آمنا ومعتدلا.
وعلى مدار العقود الماضية لعب الأردن دور الوساطة في مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ورغم أن عمان كانت ثاني عاصمة عربية تبرم اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1994، إلا أنها في الوقت نفسه كانت تمارس الكثير من الضغوط لصالح القضية الفلسطينية. ويشار إلى أن الكثير من سكان الأردن من أصول فلسطينية.
الأردن والاقتصاد الصعب
وأدت أزمة جائحة كورونا إلى تفاقم الوضع في الأردن، الذي يعاني من نقص الموارد فضلا عن قلة مصادر المياه، إذ لم تتحسن الظروف الاقتصادية في المملكة. ووفقا لتقديرات البنك الدولي، فقد انكمش الاقتصاد الأردني بنسبة 1,6 بالمائة العام الماضي فيما تجاوزت نسبة البطالة الـ 25 بالمائة، وبين الشباب وصلت إلى نحو 50 بالمائة. كذلك، يعاني الأردن من مشكلة ملحة تتعلق بقلة مصادر المياه فيما تئن البلاد تحت وطأة جفاف شديد.
وعلى وقع هذه العوامل، ظل الأردن يعتمد بشكل كبير على المساعدات الأجنبية - يأتي معظمها من الولايات المتحدة – وتصل إلى ما يقرب من 1,5 مليار دولار. فقد ذكر تقرير صدر في أبريل الماضي عن خدمة أبحاث الكونغرس الأمريكي أن الأردن حصل على 22 مليار دولار من الولايات المتحدة ما بين عامي 1946 و2018. وأشار التقرير إلى أن "الأردن يعد في الوقت الحالي ثالث أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأمريكية السنوية على مستوى العالم بعد أفغانستان وإسرائيل".
ويحصل الأردن على مساعدات عسكرية أيضا من الولايات المتحدة، إذ ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية أن المملكة حصلت على مساعدات عسكرية تقدر بـ 1,5 مليار دولار منذ 2015. وسمحت هذه المساعدات العسكرية للأردن بشراء معدات عسكرية جديدة وصيانة عتاده العسكري مثل الطائرات المقاتلة إف- 16 فيما ينتشر في الأردن قرابة ثلاثة آلاف جندي أمريكي.
وعقب إعلان إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس في ديسمبر عام 2017، توقفت الاتصالات بين قيادة البلدين، خطوة رآها مراقبون غير معتادة في تحالف قوي وطويل الأمد مثل التحالف الأمريكي-الأردني. وقد أحدث موقف إدارة ترامب تصدعا في هذا التحالف، إذ يدعم الأردن دائما حل الدولتين. ويبدو أن قرار ترامب في حينه تعارض مع طرح "الدولتين" ووصاية المملكة على المقدسات الإسلامية في القدس خاصة المسجد الأقصى.
صفحة جديدة بين الأردن والولايات المتحدة
بيد أن فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية حمل الكثير من التغييرات خاصة ما يتعلق بالعلاقة بينه وبين العاهل الأردني، إذ التقيا عدة مرات في السابق، وزار بايدن الأردن في الماضي سواء عندما كان عضوا في الكونجرس الأمريكي أو عندما كان نائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما.
وكان الملك الأردني من أوائل زعماء العالم الذين هنأوا بايدن بفوزه في الانتخابات الرئاسة، وأول زعيم عربي يجرى اتصالا هاتفيا معه في الشهر ذاته.
ويرى جريجوري أفتانديليان، الباحث بالمركز العربي في واشنطن والخبير في السياسة الأمريكية، أن الملك عبد الله يرغب في تعزيز دور الأردن على الساحة الإقليمية.
وجاء في مقال له أن الملك الأردني "يأمل في أن تسفر صداقته الطويلة مع بايدن عن تحقيق مكاسب لا تتوقف على الدعم الذي يحتاجه الأردن بشدة لإنعاش اقتصاده، وإنما يأمل في أن تمتد المكاسب إلى إظهار نفسه أمام المواطنين الأردنيين، خاصة ذوي الأصول الفلسطينية، بأنه قادر على استخدام نفوذه لدى بايدن لتعزيز الدعم الأمريكي لحقوق الفلسطينيين".
ويقول الخبراء إنه من المتوقع أن يسعى الجانب الأردني إلى تمديد حزمة المساعدات الحالية التي تقدر بـ 6,4 مليار دولار وتقدمها واشنطن للأردن على مدار خمس سنوات والمتوقع أن تنتهي العام المقبل. ورغم أن النتائج الملموسة للقمة بين بايدن والملك عبد الله لن تكون جلية على الفور، إلا أن دلالة الزيارة ستكون مهمة خاصة ما سترسله من رسائل. وفي ذلك، يقول أفتانديليان "لحسن حظ الأردن، فإن الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة لا تزال ترى أن المملكة ذات أهمية كبيرة بحيث لا يمكن إفشالها".