لم يستغرق الأمر سوى شهرين، ليطيح الجيش الأمريكي بحركة طالبان في أفغانستان خلال عام 2001، كان نجاحا واضحا للقوة العسكرية الأمريكية في البلد الذي وفر ملاذا آمنا لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وبعد 20 عاما، تنسحب القوات الأمريكية من الأراضي الأفغانية وسط توقعات جدية بعودة طالبان للحكم.
وسط خلاف حول خروج القوات الأمريكية منتصرة من أفغانستان، أو ما إذا كان الانسحاب بمثابة "انتكاسة"، تكشف تجربة أفغانستان، حدود القدرات العسكرية الأمريكية، والحجم الحقيقي لما يعتقد أنه أقوى جيوش العالم
تقول وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، في تحليل لها إن هذا التناقض الظاهري في أفغانستان، يثبت أنه يمكن كسب المعارك وخسارة الحرب في الوقت ذاته، أو على الأقل، أن القوة المتفوقة تكنولوجيا قد تكون قادرة على قتل عدد أكبر من الأعداء، ولكنها قد تفشل في تحقيق نتيجة تمثل انتصارا حقيقيا.
وتثبت 20 عاما من الحرب الأمريكية في أفغانستان، أن الأمر يتطلب أكثر من جيش قوي مسلح مثل الجيش الأمريكي، لتحويل الإطاحة بالحكومة، حتى ولو كانت ضعيفة مثل حكومة طالبان، إلى نجاح دائم.
وتطلب المهمة، على الأقل، فهم السياسة المحلية والتاريخ والثقافة التي كان الأمريكيون بطاء في معالجتها.
يرى كاتب التحليل أن الولايات المتحدة، استهانت بتأثير وجودها كمحتل، على دفع حركة طالبان نحو القتال من جديد، وتراجع قدرة الحكومة الأفغانية في كابول.
وعلى الرغم من مقتل بن لادن خلال الحرب الأمريكية على الإرهاب، والتراجع الكبير لشبكة تنظيم القاعدة، إلا أن الأفغان مازالوا عالقين في دوامة من العنف وسوء الحكم، تلوح في الأفق.
في كتابه "الحرب الأمريكية في أفغانستان.. تاريخ"، يقول كارتر مالكاسيان، المستشار السابق للعسكريين الأمريكيين في أفغانستان، إن أحد أسباب عدم جدوى الجهود الأمريكية في هذا البلد، هي التأثير الإسلامي، والرغبة في مقاومة الاحتلال الأجنبي، وهي عوامل لم يفهمها الأمريكيون جيدا.
واعتبر الكتاب أن وجود الولايات المتحدة في أفغانستان باعتبارها "محتل"، حفز النساء والرجال الأفغان للدفاع عن شرفهم، دينهم، ووطنهم أيضا، كما تحركت طالبان بقوة للانتقام.
وربما أضاع الجيش الأمريكي فرصا كثيرة، لإرساء الاستقرار في أفغانستان، لكن السؤال الأكبر الآن هل أخطأت واشنطن في دورها لنقل أفغانستان من الفوضى إلى الاستقرار؟
يختلف الخبراء في تقييم التجربة الأمريكية في أفغانستان، حيث يرى البعض أن واشنطن أخطأت التقدير عندما اعتقدت أنه يمكن تحقيق رؤيتها في أفغانستان ودفعها نحو الديمقراطية لتكون حكومة كابول على إدارة أزماتها ذاتيا.
وبالأرقام، كانت الخسائر هائلة، حيث فقدت القوات الأفغانية عشرات المقاتلين والمدنيين، فيما خسرت الولايات المتحدة حوالي 2440 جندي أمريكي، وقتل 1100 جندي من قوات الحلفاء، كما أنفقت واشنطن مئات المليارات، وحتى بعد الانسحاب، تخطط إدارة الرئيس جو بايدن لمخاطبة الكونجرس بشأن إنفاق مزيد من الأموال لدعم الجنود الأفغان ومواصلة دفع رواتبهم.
لم تتفق تفسيرات الخبراء حول سبب الفشل الأمريكي في وقف عودة طالبان بعد خسائرها الأولية منذ 2001، لكن كثيرون يؤكدون أن الغزو الأمريكي للعراق في 2003، كان أحد تلك الأسباب، ما جعل القوة الأمريكية مستهلكة للغاية وأصبحت أفغانستان أولوية ثانية بالنسبة لواشنطن.
وبعد نحو عقد من القضاء على أسامة بن لادن، قرر جو بايدن أن الوجود الأمريكي في أفغانستان لا معنى له، معلنا بدء مغادرة قوات الولايات المتحدة هذا البلد، حيث سيغادر آخر جندي أمريكي في 31 أغسطس المقبل.
ويعتقد كاتب التحليل أن الجيش الأمريكي، لم يجد منافسا حقيقيا في أفغانستان، ولو حدث ذلك، لتغير السيناريو، فيما ترى إدارة بايدن أن السبب الرئيسي لوجودها في هذا البلد هو القضاء على تنظيم القاعدة، لذلك لا يجب المخاطرة بمزيد من القوات الأمريكية.
لكن ذلك الانسحاب يترك أفغانستان أمام خطر آخر، وهو انهيار الحكومة الأفغانية وعودة التهديدات المتطرفة لحركة طالبان، رغم التعهدات الأمريكية بالحفاظ على استقرار كابول.
وفي وقت سابق، أعلنت الولايات المتحدة أن عملية سحب القوات الأمريكية من أفغانستان ستكون اكتملت بما يزيد عن 95% بنهاية شهر أغسطس المقبل.