هناك الكثير من قصص النجاح والكفاح والأمثلة لأشخاص فشلوا في بداية حيواتهم وحققوا بعد ذلك نجاح لم يتوقعه أحد، ويوجد الكثير من هؤلاء الأشخاص استطاعوا تغيير العالم إلى الأفضل ومنح الأمل للكثير من الناس حول قصصهم التي سوف تمدك بحماس شديد، ونقصد بالفشل هنا العائق الذي منعهم من مواصلة مشوارهم في الحياة أيًا كان هذا العائق، فقد أثبت هؤلاء الأشخاص قدرة الإنسان على تخطي الصعاب مهما كانت العوائق.
وعلى درب العظماء الذين تحدوا كل الصعاب، سويتشيرو هوندا رجل الأعمال الراحل والمخترع الياباني الشهير ومؤسس الشركة التي تحمل اسمه، فهو الطالب الفاشل الذي استطاع أن يؤسس إحدى كبرى شركات السيارات في العالم، إنه ابن الحداد الفقير الذي أصبح أشهر من إمبراطور اليابان، فكيف كانت بدايته؟
في عام 1906 ولد هوندا بقرية بمقاطعة هماماتسو اليابانية النائية، وكان والده يعمل حدادا يقوم بإصلاح الدراجات الهوائية للمارة على الطريق السريع، وكان لدي هوندا العديد من الاخوات ولكن بسبب سوء أحوالهم المادية التي كانيغلب عليها الفقر القارح وتسببت في موت خمسة من إخواته الصغار تباعا نتيجة قلة الطعام وأمراض سوء التغذية، وكانت تلك الأزمة نقطة تحول في حياة هوندا.
وكان هذا الصبي، في بداية حياته شخصا لا يفضل العمل والاجتهاد بل كان طالبا فاشلا بشهادة جميع اساتذته، وكان يتهرب دائما من أداء واجباته المدرسية وكان دائمًا ما يردد عبارة: ”أن نظام التعليم في بلاده فاشل، وليس هوندا ذاته”، وكان يفضل السير في الشوارع لمشاهدة السيارات والآليات، وكان هذا يمثل له أهمية أكثر من الذهاب إلى المدرسة، وفي نهاية المطاف قرر هونداترك الدراسة.
وأصبحت السيارات عشقه الأول، وقال هوندا عن ذلك فيما بعد: “لقد تسمرت أمام أول سيارة رأيتها في حياتي، وأعتقد أنه في هذه اللحظة نمت داخلي حلم تصميم سيارة بالكامل على الرغم من أنني كنت طالبا فاشلا في تلك الأيام .
كان هوندا يكره نظام التعليم والمدارس وكان يري أن نظام المدارس يقتل الإبداع والاختراع والتطوير، بل كان يفضل طريقة التجربة والخطأ للتعلم وهو ما دفعه الي ترك المدرسة ومغدرة قريته النائمة والذهاب إلي العاصمة طوكيو،حيث أقام بشكل مستمر وعمل كصبي ثم كعامل في محل لإصلاح السيارات لمدة 6 سنوات وخلال تلك الفترة اكتسب خبرة كبيرة في عالم السيارات وتعلم الكثير من أسرار المهنة.
وكان هوندا يحرص علي إدخار جزء كبير من مرتبه لأنه كان يريد فتح مشروع خاص به وبالفعل نجح هوندا في تحقيق مراده وتمكن من فتح أول محل لتصليح السيارات في عام 1928.
بدأت رحلة هونداالحقيقة في عالم السيارات عندما بلغ من العمر عشرين عاما، حيث قام هوندا بعرضحلقة الكباس التي صممها على شركة تويوتا، وقرر فتح مصنع صغير لصناعة تلك الحلقات ليكفي حاجة الشركة التي كانت تحتاج لعدد كبير من هذه الحلقات .
في الحقيقة لم يكن الأمر سهلا للغاية حيث واجه هوندا صعوبةفي الحصول علي ترخيص المصنع، بالإضافة إلي ضعف الموارد الحكومية ورفضها لتزويده بالأسمنت، إلا إنه لم ييأس وسرعان ما ابتكر طريقة هو وفريق العمل لتصنيع الأسمنت محليا وبنى المصنع بالفعل بعد أشهر طويلة من الكفاح والاجتهاد.
في نفس العام، حصل هوندا على براءة اختراع لتصميمه مكابح معدنية للسيارات، بعد أن كانت مصنوعة من الخشب، وكانت هذه الفكرة هي نقطة انطلاقه الأولى إلى عالم الابتكار، وتوالت براءات اختراعاته حتى بلغت خلال أعوام 150 براءة اختراع، و450 ابتكارًا باسمه.
استمر مصنع هوندا يعمل لحساب شركة تويوتاحتي قيام الحرب العالمية الثانية التي دخلت دولة اليابان طرفا فيها وأصاب المصنع بالقنبلة من قنابل دول الخلفاء أوقفت العمل به،ولم يجد هونداالمواد الخام اللازمة لصناعة قطع الغيار، فخطرت على باله فكرة رائعة حيث نهض من جديد وجندفريقـه فأخذوا يجمعون علب البنزين الفارغـة التي كانت المـقـاتـلات الأمريكية تتخلـص منها خلال الحرب، وأطـلـق على هذه العلب اسم هدايـا الرئيس ترومـان لأنها وفرت لـه المـواد الأوليـة التي يحتاجها للعمليـات الصناعيـة التي يقوم بهـا، وهي مواد لـم تكـن متوافـرة فـي اليـابـان حينما.
وبعد قيام هوندابإعادة بناء مصنعه من جديد، بدأ في إنتاج الصمامات التي طـلبتهـا شركة تويوتا ولكن سرعان ما وقع زلـزال في عام 1954 ليكمل على ما تبقى من المصنع ودمر المكان بالكامل وأصيب هذا المخترع الذي كان في التاسعة والثلاثين من عمره، بالكارثة تلو الأخرى.
وعلى الرغم مما أصاب مصنعه من دمار وخراب، إلا أن عزم هوندا لتحقيق حل وسرعان ما وجد لنفسه طريقا جديدا ، يبدأ من خلاله العمل من جديد.
وعلى الرغم مما أصاب ورشته من دمارٍ وخراب، إلا أن عزم هوندا لتحقيق حلمه وسرعان ما وجد لنفسه طريقا جديدا، يبدأ من خلاله العمل، بخاصةبعد دخوله سوق الدراجات النارية بمحض المصادفة، فقد عانى هوندا من انقطاع البترول في نهاية الحرب العالمية ولم يستطع قيادة سيارته، فساعدته قريحته على ربط دراجته الهوائية بمولد صغير عثر عليه في مخلفات المصنع، وكان يعمل على الكيروسين الذي كان متوفرا في ذلك الوقت بكثرة.
بالفعل استطاع هوندا بمفرده صناعة 12 دراجة هوائية التي لا تحتاج لوقود لتعمل، وقام ببيعها، وخلال العام 1948، بدأ هوندا التأسيس لشركته الرائدة بمجال تصنيع الدراجات النارية.
سجل هوندا براءة اختراع لتصميم الدراجات النارية، وفي العام 1951 استطاع أن يقدم دراجة نارية من تصميمه بالولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تدعي باسم سوبر كاب، وفي عام 1958 استطاع هوندا أن يصبح أكبر مصنع للدراجات النارية في اليابان، وأسرع ملايين الأشخاص لشراء دراجاته النارية والتي اتسمت بالقوة والمتانة والتصميم الجميل.
في العام 1961 قام هوندا بشحن 100 ألف دراجة نارية للولايات المتحدة الأمريكية، وهو الرقم الذي تضاعف بعد 7 سنوات ليصل إلى مليون دراجة نارية شحنتها شركة هوندا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبحلول العام 1990 أصبحت الشركة تشحن 3 ملايين دراجة نارية للولايات المتحدة الأمريكية سنويًا.
في العام 1962 اقتحم هوندا سوق السيارات، وتخصص في إنتاج سيارات السباق، وارتفعت مبيعات الشركة لحد وهمي بحلول العام، وصممت أول سيارة لهوندا بمحرك صديق للبيئة عام 1970، واستطاعت شركة هوندا أن تحتل 60% من حصة سوق السيارات خلال العام 1980.
وفي عام 1983 أصبحت هوندا أسرع الشركات تطورًا في العالم، وحصلت سيارته هوندا أكورد على شرف احتلال المركز الأول للسيارات الأكثر مبيعًا في العالم الأعوام كثيرة، وفي عام 1993 احتلت هوندا أكورد أفضل مركز في الولايات المتحدة الأمريكية، لتحقق شركته أرباحا بمليارات الدولارات.
كانت حياة هوندا عنوان كبير على الكفاح، فقد كان يمتلك عزيمة لا تقهر ولا يستسلم أبدا لأي مشكلة، وكان يرى في كل مشكلة صعبة تأتيه فرصة من الظلام، بل إنه قال ذات يوم لقد ارتكبت الكثير من الأخطاء، وأنا اوكد أن النجاح يمثل 1% فقط من عملنا الذي ينتج عن 99% من فشلنا.
وتوفي هوندا في عام 1991 عن 85 عاما، بفشل كبدي، وتاركا وراءه الكثير من الإنجازات والنجاحات والدروس والعبر؟، وفلم يتوقع احد يوماأن الطفل الفقير المعدم الذي يقيم في قرية يابانية صغيرة، لديه تلك الطموح والأحلام والعزيمة والإصرار، التي مكنته من غزو العالم بأفكاره وابتكاراته ومنتجاته.
وقصة هوندا تعلمك درسا هاما للغاية، وهو إذا أردت أن يكون النجاح حليفك، أن تتبع شغفك، وتعمل لتطوير قدراتك، دون الالتفات للتعليقات والآراء السلبية، التي يرددها البعض حولك.