قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

طالبة «الفستان».. وتاريخ «بنطلون» المرأة

×

" أنت نسيتي تلبسي البطلون " ، هذه العبارة التي سخرت بها إحدى الموظفات بجامعة طنطا من ، حبيبة طارق، الطالبة بالصف الثاني ، بكلية الآداب بنفس الجامعة ، لارتدائها فستانا في قاعة الإمتحانات ، تعكس التغير الكبير الذي طرأ على تفكير العالم ، و ليس تفكير بعض المصريين فقط حيال إرتداء المرأة للبنطلون . فبعد أن كانت المرأة التي ترتدي بنطلونا تخضع للمساءلة القانونية لكونها خارجة عن التقاليد الدينية لتشبهها بالرجال ، أصبحت من ترتدي فستان النساء تخضع ، للتهكم و السخرية، و التنمر، حتى لو كان هذا الفستان محتشم، ففستان حبيبة طارق لم يكن ميني جيب أو حتى ميكروجيب .

و تمتلك المرأة ، تاريخا طويلا من الكفاح ، لكي تتمكن من إلغاء القوانين التي تحظر عليها إرتداء البنطلون خضوعا لتعاليم الكتاب المقدس الذي يحظر على المرأة المسيحية و اليهودية التشبه بالرجال لا سيما في الملبس . و كانت المرأة الفرنسية ، و معها المرأة الأمريكية ، في طليعة النساء اللاتي نجحن في إنتزاع حق المرأة في إرتداء البنطلون، رغم إعتراض رجال الدين المسيحي و الشخصيات المحافظة في أوروبا و أمريكا منذ القرن الثامن عشر ، لسببين أولهما : أن البنطلون ينتمي لملابس الرجال الأمر الذي سيشجع الرجال في المستقبل على التشبه بالنساء ، في حال السماح للمرأة بأرتداء البنطلون ، و ثانيهما : أن البنطلون يبرز مفاتن المرأة خلافا للفستان لذي يستر أكثر مفاتنها .

وفي واقع الأمر، فقد بدأ كفاح المرأة في سبيل إنتزاع حق إرتداء البنطلون، منذ أن صدر مرسوم العام 1800 من جانب مديرية أمن باريس ، خضوعا لضغوط الكنيسة ، و الذي أجبر أي إمرأة تريد إرتداء البنطلون ، سواء بسبب المشاركة في حفلات تنكرية، أو بسبب ممارسة عمل من الأعمال التي يمارسها الرجال، أو لأسباب تتعلق بالصحة ، على ضرورة التوجه لأقرب قسم شرطة تابع لمنزلها ، للحصول على التصريح اللازم ، لإرتداء البنطلون ، و إلا ستخضع للغرامة المالية المقررة، و التي كانت تزيد قيمتها في حال تكرار مخالفة المرسوم الأمني .

و مع مشاركة المرأة الأوروبية و الأمريكية في الثورة الصناعية بكثافة عالية ، بدأت المصانع تسمح للعاملات بارتداء البنطلون ، بشرط خلعه بعد الخروج من المصانع ، لكي لا يخضعن للمساءلة القانونية . و بمرور الوقت ، ازدادت أعداد النساء اللائي يرتدين البنطلون ، بعد أن قادت نساء شهيرات مسيرة كفاح المرأة من أجل السماح لها بإرتداء البنطلون في إطار السعي للمساواة بين الرجل و المرأة . و كانت الكاتبة الفرنسية الشهيرة ، جورج ساند ، أول من ارتدت البنطلون أكثر من مرة في نهايات القرن التاسع عشر ، في تحدي صارخ للمرسوم الأمني الفرنسي ، فيما شهدت الولايات المتحدة في نفس التوقيت ، قيام الناشطة الأمريكية ، أميليا بلومر، المدافعة عن حقوق المرأة و المساواة بين الجنسين ، بإرتداء البنطلون تحت الفستان ، لتثير بذلك ضجة كبيرة بين الأمريكيين ، لأنه لم يكن شيئا مألوفا في الولايات المتحدة في ذلك الوقت ، خشية أنتشار عدوى تشبه الرجال بالنساء ، لو سمح للنساء بأرتداء ملابس الرجال .

و في النصف الثاني من القرن العشرين، أنتشر البنطلون النسائي بشكل كبير ، خاصة بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية ، لكن ظل البنطلون محظورا مع ذلك على النساء في مؤسسات الدولة الفرنسية و الولايات المتحدة . و قد شهدت ستينات و سبعينات القرن الماضي أهم حادثتين في إطار كفاح المرأة لأنتزاع حقها في أرتداء البنطلون . الحادثة الاولى ، جرت سنة 1965 ، عندما ظهرت المذيعة الفرنسية ، نوال نوبلكور ، على شاشة التلفزيون الفرنسي و هي ترتدي فستانا أظهر ربكبتيها ، أحتجاجا على تعنت مسئولي التلفزيون الفرنسي ، الذين ظلوا يرفضون بشدة الحاحها المتكرر للظهور على الشاشة بالبنطلون فكان من الأعلامية الفرنسية المتمردة ، أن أرتدت الميني جيب ، الذي روجت له بيوت الأزياء الفرنسية الشهيرة بكثافة في منتصف الستينات مثل ، شانال ، و كارتييه، و ديور ، و جيفونشي . و كان من نتاج هذا التحدي أن قام أتحاد الإذاعة و التلفزيون الفرنسي ، بفصل نوال نوبلكور من عملها .

أما الحادثة الأشهر التي فتحت الباب للمرأة لأرتداء البنطلون في مؤسسات الدولة ، فكانت بطلتها النائبة في البرلمان الفرنسي ، ميشال اليو ماري ، التي تجرأت و هي تشغل منصب وزيرة الأشغال العامة، في 1973 ، بدخول البرلمان الفرنسي، و هي ترتدي البنطلون . و كانت صدمة حرس البرلمان الفرنسي كبيرة ، و هم يرون وزيرة ، تخالف القانون الفرنسي ، و تحاول دخول البرلمان بالبنطلون، فكان من رئيس الحرس أن أبلغها بأنه سيضطر ، مع الإحترام لمنصبها ، من منعها من دخول البرلمان ، فكان رد فعل ميشال أليو ماري، التي كانت تبلغ من العمر آنذاك 26 عاما ، أن هددت الحرس بخلع البنطلون في الحال ، فذهل رئيس حرس البرلمان من موقف النائبة الوزيرة ، و أضطر أن يسمح لها بدخول البرلمان، لتفتح الباب للموظفات بالذهاب لمقار أعمالهن بالبنطلون .

و قد كان لي موقف طريف مع ، ميشال أليو ماري، في مقر وزارة الدفاع الفرنسية بباريس ، عندما كنت مديرا للمكتب الصحفي لوكالة أنباء الشرق الأوسط بفرنسا . و أثناء أستعدادي لتغطية زيارة قام بها لباريس وزير الدفاع المصري آنذاك و كان يشغل المنصب المهيب ، المشير حسين طنطاوي ، تلبية لدعوة من نظيرته الفرنسية ميشال أليو ماري ، التي كانت تشغل في العام ، 2006 ، منصب وزيرة الدفاع الفرنسية ، فوجئت ، بأليو ماري ، تقترب مني ، لتبلغني قبل وصول المشير حسين طنطاوي، بأن الحكومة الفرنسية قررت تنظيم إستقبال حافل للمشير طنطاوي ، تقديرا لمصر، و لقواتها المسلحة ، و ذلك بتخصيص موكب مهيب على شرفه بالخيل ، مصحوبا بموسيقات عسكرية ، في مراسم أستقبال تتشابه في عظمتها مع زيارات رؤساء الجمهورية . و قد بادرت بنشر تصريحاتها ، لكني وجهت لها سؤالا يتعلق ببنطالونها قائلا لها : معاليكي لازلتي ترتدين البنطلون فضحكت و قالت لي، أنها لم تخلعه منذ أن دخلت به البرلمان سنة 1973 ، لأنه رمز مهم في إطار المساواة بين الرجل و المرأة .

أما الأمر المدهش في تاريخ البنطلون النسائي ، أن فرنسا لم تصدر قرارا بالغاء قانون سنة ، 1800 ، الذي يحظر على النساء ارتداء البنطلون إلا في سنة 2013 فقط ، رغم أن البنطلون أصبح الملبس الأكثر إنتشارا بين النساء في فرنسا و العالم منذ منتصف ستينات القرن الماضي سواء في الشوارع أو في المصالح الحكومية .

و نهاية فقط أثبتت الاحداث صحة مخاوف من كانوا يحاربون إرتداء المرأة للبنطلون ، فقد أدى ذلك الى ما كانوا يخشون منه ، و هو تقليد بعض الرجال للنساء في الملبس ، وحتى في طريقة قص الشعر، لدرجة أنه أصبح من الصعب في بعض الأحيان التمييز بين الشباب و الشابات . و لذلك بدأت بيوت اللأزياء العالمية إعادة الوقار للمرأة بالترويج للفستان . و وقوع إختيار بيت الأزياء الفرنسي الشهير ، "كارتييه " على النجمة المصرية ، ياسمين صبري ، للترويج لآحدث صيحات الموضة في مجال تصميم الفساتين خير دليل على ذلك.