اعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في عددها الصادر اليوم /الإثنين/ أن تأكيدات الرئيس جو بايدن بمواصلة دعم ومساعدة الحكومة الأفغانية بعد انسحاب القوات الأمريكية، فشلت في طمأنة مخاوف العديد من كبار المسئولين بشأن ما قد يحمله المستقبل حيال العلاقات الأمريكية-الأفغانية بعد الانسحاب.
وسلطت الصحيفة (في تقرير لها نشرته على موقعها الإلكتروني) الضوء على استضافة الرئيس بايدن لنظيره الأفغاني الرئيس أشرف غني، في البيت الأبيض نهاية الأسبوع الماضي، في أول زيارة تأتي بعد إعلان بايدن في أبريل الماضي عن قرار سحب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد حرب استمرت عقدين.
وأشارت الصحيفة إلى أن "ثمة أنباء حول تقييم استخباراتي أمريكي انتشرت قبل وصول غني وعبد الله عبد الله، شريكه الحاكم في كابول، وأكدت أن الحكومة الأفغانية قد تسقط في غضون ستة أشهر من الانسحاب العسكري الأمريكي، بما يسلط الضوء على صورة قاتمة بشكل متزايد بعد عودة الجيش الأمريكي ومعداته إلى الوطن؛ حيث تستمر طالبان في السيطرة على العديد من المناطق في حين تقوم الوحدات العسكرية الأفغانية إما بتسليم أسلحتها أو بإعلان هزيمتها في اشتباكات دامية اندلعت مؤخرا مع حركات مسلحة".
وبسبب هذه المخاوف، أبرزت الصحيفة أن العديد من المشرعين الجمهوريين حثوا بايدن على تأجيل المغادرة حيث قال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل (وهو جمهوري من كنتاكي) إن الإدارة "اختارت التخلي عن القتال ضد طالبان، بما قد يستدعي المزيد من التهديدات الإرهابية"، وذلك بغض النظر عن أن بايدن ينفذ بالضبط ما وعد به سلفه الجمهوري دونالد ترامب.
مع ذلك، أكدت الصحيفة أن غني أجاد دور رجل الدولة الرزين، وأصر على أنه وحكومته يحترمان قرار بايدن، ولم يُشعر أحداً بأن الولايات المتحدة قد تخلت عنه بل تعهد بأنه "سيدير العواقب". لكنه استدعى استعارة اعتبرها البعض بـ"المقلقة"، وقال إن أفغانستان ربما تعيش "لحظة 1861 خاصة بها"، في إشارة إلى بداية الحرب الأهلية الأمريكية. وأضاف للصحفيين: أننا متمسكين بالوحدة والتماسك والشعور الوطني بالتضحية ولن ندخر شيئًا في ذلك.
وتابعت الصحيفة أن "تطورات المشهد الراهن بالنسبة لأفغانستان يجب أن تدق بالفعل ناقوس الخطر، بعد أن أمضت الولايات المتحدة عقدين من الزمن في شن الحرب ومكافحة التمرد هناك، بما أفقدها أكثر من 2000 جندي وامرأة وكبدها خسائر مادية بتريليونات الدولارات جراء مجهودها الحربي ومحاولاتها لمشاريع بناء الدولة. ولكن الآن، يعتقد الرئيس الأفغاني أن الصراع الوجودي في بلاده على وشك أن يبدأ".
ورغم تأكيدات بايدن بمواصلة الدعم، رأت الصحيفة أن طالبان بدت تحشد قواتها مرة أخرى، حيث يُعتقد الآن أن المجموعة تسيطر على ما يقرب من ثلث مناطق البلاد وتقاتل من أجل المزيد. كما أنها تقدمت في الآونة الأخيرة نحو مساحة شاسعة من الأراضي الحدودية الشمالية الوعرة بالقرب من طاجيكستان إلى المناطق القريبة من كابول.
ويؤكد منتقدو استراتيجية البيت الأبيض الحالية أن سحب القوات في الظروف الراهنة من شأنه أن يعزز حركة طالبان بما قد يُطارد بايدن والإدارات المستقبلية. وكتبت مديحة أفضل من معهد بروكينجز للواشنطن بوست: "من نواحٍ عديدة، تبدو تكاليف الإقامة بالنسبة للولايات المتحدة أقل بكثير مما قد تعنيه المغادرة للشعب الأفغاني الذي سوف يدفع فاتورة الأمر على مدى فترة زمنية أطول. مع ذلك، وحتى لو بدت هذه التكاليف بعيدة الآن، يخبرنا التاريخ بأنه سيتم إلقاء اللوم فيها على الولايات المتحدة".
أخيرا، أوضحت "واشنطن بوست" أن الأفغان ربما يعتقدوا بأن الثمن الذي دفعوه بالدم أكبر بكثير، وأن العمل العسكري الأمريكي القاسي أدى، في مناسبات عديدة، إلى زيادة الخسائر في صفوف المدنيين. ولكن ما هو واضح الآن يؤكد أن الولايات المتحدة طرف في دورات الصراع في الدولة التي مزقتها الحرب منذ فترة طويلة وهي ما قد تستمر حتى بعد أن تسحب الولايات المتحدة قواتها، ورجحت بأن إدارة بايدن سوف تضغط من أجل التوصل إلى سلام تفاوضي بين حكومة غني وطالبان، غير أن الجهود الدبلوماسية لا تزال متوقفة حيث تضغط حركة طالبان على مكاسبها الميدانية.