قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، مفتي الجمهورية السابق، إنه إذا افترى شخص عليك الكذب فهذا بالطبع شيء يغيظ، مشيرًا إلى أنك إذا تأملت فسوف تتساءل لماذا سلط اللهُ علىّ هذا؟ فتأتي الإجابة {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}.
وأوضح جمعة في منشور له عبر صفحته الرسمية على فيس بوك، أنه إذا كان ليبلونا؛ فينبغي الصبر مع كمال الرضا والتسليم كما قال تعالى: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} فتفوض أمرك لله وتعفو وتصفح {فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فتجد أن الله سبحانه وتعالى قد أفهمك الْعِبْرَة عندما تقوم بتهدئة نفسك، وَحَوَّلَ ألسنة الخلق عنك بعد ما كانت عليك.
وتساءل: قد يقول هذا الشخص: لماذا جعلها علىّ أولا؟، مجيبًا: حتى يرى {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} حتى يختبرك؛ لأن الغرض هو لنبلوكم ، أى أن هناك امتحانا.
رسالة لكل عاصٍ ويريد التوبة
قال الدكتور علي جمعة ، إن سيدنا النبي ﷺ يُكثر الموعظة والوصية عسى أن ترق القلوب، وعسى أن تستقيم الأعمال، وأن يستجيب الناس لله رب العالمين، ومما ترك لنا من وصية "إصلاح ذات البين"، والنبي ﷺ عظَّم إصلاح ذات البين، والصلح بين الناس، وإزالة الخصام، والنزاع، والصدام تنفيذًا لأمر الله سبحانه وتعالى {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}؛ فالوفاق والصلح رحمة ؛ رحمةٌ في الدنيا ورحمةٌ في الآخرة، والفساد بين الناس، والإفساد بين الناس أعظم من الكبائر التي نهى عنها رسول الله ﷺ، وطلب الود، والصفاء بين الناس هو الذي يجعلك في نظر الله، وفي رحمته، وفي رضاه، يستجيب الله لك، ويؤيدك، وينصرك، ويُزيل الكآبة من نفسك، ويشرح صدرك، ويُنوِّر قلبك، ويغفر ذنبك، ويستر عيبك، أما إذا رضيت بالفساد بين الناس بينك وبين أخيك خرجت من نظر الله، وعُلِّقت إلى أن تعود، وأن تتوب، وأن تصلح ما بينك وبين أخيك.
وأضاف جمعة عبر الفيسبوك: هذه هى وصية رسول الله ﷺ لنا فإذا نحن أطعنا فقد أطعنا لأنفسنا، وإذا نحن أبينا فقد أبينا عليها لا يضر الله شيئًا؛ فالله سبحانه وتعالى هو الغني عني، وعنك، وعن العالمين؛ فهو رب العالمين، النبي ﷺ نهانا عن الهجر فقال: «لا يهجر أحدكم أخاه فوق ثلاث ليالي فيلتقيان فيُعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» ، وفي الحديث «فمن بدأ بالسلام فقد خرج عن العهدة فلو استجاب له أخوه فمعه، وإذا لم يستجب له أخوه فليس بهاجر» يعني الذي بدأ بالسلام فلم يستجب له أخوه ليس بهاجر، وأصبح الهجر منحصرًا في ذلك الذي أبى، النبي ﷺ فيما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ «تُفتَّح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيُغفر لكل من لم يشرك بالله شيئا» -من رحمة الله، من واسع مغفرته فهو الواسع سبحانه وتعالى، وهو الرحمن الرحيم- «إلا رجلٌ بينه وبين أخيه شحناء» -مشاكسة خصام صدام- «فيُقال» -أي ينادى في الملأ الأعلى، وتنادي الملائكة التي وكلها الله لتنظيم هذه الأعمال من فتح أبواب الجنان، من الغفران، من السجلات التي تكتب لمن لم يشرك بالله شيئا- «فيُقال أنظرا هذين حتى يصطلحا، أنظرا هذين حتى يصطلحا، أنظرا هذين حتى يصطلحا» وكأن المنادي يؤكد فيُعيد ثلاث مرات، ويكررها كما ورد في الحديث، والإنظار الإرجاء، التأجيل، التعليق علِّقوا هذين فلا يُحكم لهما بجنة حتى يُغيرا من حالهما، وحتى يصطلحا.
وأكمل الدكتور علي جمعة: أيها العاصي الذي لا تستطيع أن تُقلع عن معصيتك أصلح بين الناس، وابدأ صفحةً جديدةً مع الله ، أيها العاصي الذي تشكو نفسك لنفسك وللناس وتقول غلبتني شهوتي، وغلبتني نفسي، ولا أستطيع أن أتوب، ولا أعرف ماذا أفعل فيها أصلح بين الناس، هكذا قد غُفر ما تقدم من ذنبك، وأنت قد تحررت منه، ابدأ حياةً جديدةً مع الله ، وجدد عهدك بالله، وكن مع الصادقين ستجد نفسك قد تغيرت، وبعد أن كانت تعاكسك تؤازرك، وعندما تريد طاعة تساعدك، وعندما تريد معصية تنأى بك، وتنهاك، وتتعجب ما الذي حدث يا نفسي؟ حدث عهدٌ جديدٌ مع الله ، حدث أن غفر الله ما تقدم من ذنبك كما أخبرك سيدك رسول الله ﷺ.