وجد نفسه محاطاً بأشكال وأنواع مختلفة من المنتجات الفخارية منذ نعومة أظافره، فاتقن صناعتها بجانب دراسته التى تفوق فيها حتى وصل للمرحلة الجامعية، وكان حلمه مثل الكثير من الشباب وطلاب الجامعة أن يعمل فى التدريس أو يجد وظيفة حكومية بـ قنا، تخفف عنه متاعب سنوات كثيرة قضاها فى صناعة الفخار بين الأتربة والأدخنة، لكن القدر كان له قرار آخر.
برضا نفس واستسلام تام لقضاء الله وقدره استقبل حربى صدمته الكبرى بفقدان البصر وفشل كل المحاولاتفي العلاج من العمي، ليلقي نفسه مرة أخرى في أحضان الفخار، كونها الحرفة التي يجيدها ويعرف أسرارها و تفاصيلها، وكونها المحببة إلى نفسه.
فقدان البصر لم يكن من نصيب "حربي" فقط، لكن شقيقاه سبقاه في الابتلاء والعمي مبكراً، وقررا استكمال حياتهما في صناعة المنتجات الفخارية، لكن حالته تظل هي الأبرز بتفاصيل إنسانية أفصح عن بعضها واحتفظ بأخري، فضلاً عن كونه حاصلاً علي مؤهل جامعي ورزقه الله بـ ٥ من البنات يسعي بكل قوة لأن يحصلن علي حظهن من التعليم.
قصة حربي وشقيقيه يراها الكثير أشبه بالمسلسلات الدرامية، لكنها واقع حقيقي يعيشه الأشقاء الثلاثة في قرية الشيخ علي بمركز نقادة جنوب قنا، وسط أكوام من المنتجات الفخارية التي صنعوها وأبدعوها بأياديهم وأحاسيسهم دون أن تراها عيونهم.
قال حربى رسلى ٤٨ عامًا: "حصلت على ليسانس دراسات إسلامية من جامعة الأزهر بأسيوط، في عام ١٩٩٦، و بعد التخرج أصبت بمياه بيضاء فى العين مع ضعف فى القرنية، ولم تفلح محاولات العلاج وفي ٢٠٠٨ أصبت بفقدان كامل للنظر، وسلمت أمري لله سبحانه وتعالي، فهناك عظماء أصيبوا بالعمى أمثال طه حسين وعمار الشريعى، اعتبرتهم قدوة لي.
وأضاف رسلي: “طفولتي التي عشتها وسط الفخار في حياة والدي جعلتني أتقن الحرفة جيداً لدرجة العشق، وتعلمت كل ما يتعلق بمراحل صناعة المنتجات الفخارية بداية من إحضار التراب والعجن وتقطيع كتل المواد الخام وانتهاء بتشكيلها لتصبح زيرا أو قلة أو قصرية، وهو ما ساهم في التعامل بسهولة مع الفخار بعد فقدان نظري، لأنني حفظت التعامل مع الدولاب وكل الأدوات المتعلقة بالحرفة”.
وتابع رسلي: “فقدان نور عيني أصابني بصدمة كبيرة فى البداية جعلتنى حبيس غرفتى فى المنزل، لكن بعد فترة أقنعت نفسى بأننى لابد أن أرضى بقضاء الله وأن أعمل من جديد فى الحرفة التى تربيت عليها من أجل أسرتي وأكرمني الله بـ ٥ بنات وفرصة عمل في الحكومة ضمن نسبة الـ٥٪ تساهم في تخفيف أعباء المعيشة”.
و أوضح رسلي، أن فقدان النظر لم يكن من نصيبه فقط، لكنه أصاب شقيقه الأكبر كمال وشقيقه الأصغر سعيد، وكان موقفهم واحد وهو عدم الاستسلام للإعاقة، وقرروا العمل بالإحساس في حرفة الفخار التي رأوها بأعينهم ولمسوها بأياديهم قبل فقدان أبصارهم، موجهاً نصيحة للشباب بعدم الاستسلام لأى إعاقه، لأنها قضاء من الله ليس للإنسان دخل فيها، ولابد من التعايش معها.
وطالب رسلي، أن تتولي الدولة توفير مكان لصناع الفخار بعيداً عن المناطق السكنية،حتي يتمكنوا من أداء أعمالهم دون مشاكل فى معوقات، وللحفاظ علي هذه الحرفة العريقة من الاندثار.