لبنان.. البلد العربي الشقيق الذي ما زال يشهد إستعصاء في تشكيل الحكومة منذ تكليف "سعد الحريري" قبل ثمانية أشهر نتيجة عمق الإختلافات وإنعدام الثقة والتصعيد بين الرئيس (ميشيل عون) والحريري والتي أدخلته في مرحلة جديدة من التأزم والإنهيار الإقتصادي غير المسبوق حيث وصف البنك الدولي الأزمة الإقتصادية في لبنان بأنها ثالث أسوء ركود إقتصادي منذ منتصف القرن التاسع عشر وحذر من تأثير كارثي للأزمة.. وإضافة إلى أزمة الحكومة هناك أزمة أداء سياسي وأزمة داخلية ومحلية كما وصفها (جوزيف بوريل) الممثل الأعلى للإتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية أثناء زيارته للبنان وليست بسبب وجود اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية.. كما ألمح (بوريل) بإمكانية فرض عقوبات على مسئولين بعينهم وأنه لا يرغب أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة.
وهي رسالة تحذيرية أخيرة من الإتحاد الأوربي للطبقة السياسية التي دفنت المبادرة الفرنسية وأفشلتها وتسببت في هذا الوضع بالتجاذب والمصالح الحزبية والفئوية المرتبطة بالوضع الإقليمي وأقصد بالطبع (حزب الله) الذي ينتظر نتيجة المحادثات النووية التي تؤخر تشكيل الحكومة الأمل الوحيد في تحسن حالة اللبنانيين الذين يريدون حكومة الحد الأدنى.. ربما لم تكن هذه هي أحلامهم وطموحاتهم لولا تردي الأوضاع الإقتصادية.. حزب الله يريد أن يثبت للعالم أن لبنان ليست دولة حديثة بل دولة غنائمية وأن لديه القدرة في التسلط على موارد البلد والإنفراد بالقرار الوطني اللبناني.. حالة شبه عراقية حيث جيش وطني وميليشيا مذهبية أقوى من الجيش – والآن يطلق قائد الجيش اللبناني الجنرال (جوزيف عون) نداء إستغاثة وتحذيرات خطيرة للدول الصديقة والمحبة للبنان والقوى العالمية لمد يد العون والمساعدة للجيش اللبناني المؤسسة الوحيدة المتماسكة والضامنة لبقاء لبنان الدولة وقد عقدت فرنسا الأسبوع الماضي مؤتمر المانحين بعد أن تصدر الجنرال (عون) الصحف في مارس الماضي وتحذيره من أن جنوده يعانون وجوعي مثل بقية الشعب.. ولا شك أن المجتمع الدولي ينظر إلى لبنان على أنه يجب أن يكون مستقر وهناك إهتمام دولي بالجيش اللبناني بهدف الاستقرار الداخلي ومحاربة الإرهاب لذا أعلنت الولايات المتحدة أنها ستزيد تمويلها للجيش اللبناني هذا العام من 15 إلى 120 مليون دولار وأيضاً هناك تأكيد على أن العالم لن يترك لبنان يقع في الإنهيار تخوفاً من سيطرة حزب الله على الجيش وإنهيار كل المؤسسات اللبنانية نتيجة الأزمة المالية فإذا كان حزب الله يحظى بصداقة ونفوذ في دوائر عربية ودولية فإن الجيش اللبناني يحظى بتأييد ودعم دولي.. وتبقى المعركة الأكبر هي معركة تشكيل الحكومة والتوافق الذي سيخرج لبنان من أزمته.. وليس دفاعاً عن (الحريري) ولكن الرجل قبل بمهمة إنتحارية سياسياً ويتحمل مسئولية تكليف الحكومة في وقت حرج للغاية ويريد القيام بإصلاحات مؤلمة يخشى منها السياسيين لأن المساعدات لن تأتي من الغرب ولا من البنك الدولي وكذلك المساعدات الخليجية إلا بعد تشكيل الحكومة والبدء في إصلاحات لأن هناك تخوف من الإنهيار وهو لا يطلب المستحيل ولا يتمسك بشروط تعجيزية كما وصفها بيان الرئاسة اللبنانية بل يريد حكومة مختصين مستقلين غير حزبية لا يكون فيها الثلث المعطل وأن يسمى الوزراء بالتوافق مع الرئيس.. يريد تشكيلة لا ترضخ للتيار الوطني الحر وقد لاحظنا تغير في موقف (نبيه بري) رئيس مجلس النواب بعد تراشق سياسي بينه وبين الرئيس (عون) إذ أعلنها صراحة أنه لا يرى بديلاً لسعد الحريري وقدم مبادرة للخروج من الأزمة تمنح المسيحيين المتمثلين في الرئيس ميشال عون وصهره باسيل الحق في تعيين ثمانية وزراء في الحكومة مقابل 16 وزيراً لبري نفسه ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري لكن من الواضح حتى الآن أن الضغوط غير كافية لتشكيل الحكومة وحزب الله لا يبذل جهوداً على حلفائه عون وبري.. والتحركات الشعبية ليست على المستوى المطلوب بعد أن تم إحتواء الثورة بالترهيب والترغيب إضافة إلى أن الكورونا وإنفجار مرفأ بيروت أفقد الكثيرين المعنويات وفي حال إستمرار التعنت أعتقد أن الحريري ليس أمامه سوى الإعتذار لأن رئيس الحكومة هو من يتحمل المسئولية أكثر من رئيس الجمهورية ليكون لبنان أمام سيناريو واحد وهو الإنتخابات العام المقبل ولكن هل يتحمل البلد رفاهية الوقت والإنتظار؟ وإستمرار الفراغ الحكومي والوضع الإقتصادي المنهار والإجتماعي الملتهب.. وفقدان الليرة 90% من قيمتها ليصل الدولار إلى خمسة عشر ألف ليرة.. وترتفع أسعار المواد الغذائية 670% ويصبح 23% تحت خط الفقر.. إن المواطن اللبناني وحده هو من يدفع ثمن الإنهيار فهو من يقضي الساعات في البحث عن البنزين والدواء المفقود.. إن هذه الطبقة السياسية لا تريد أن تتحمل مسئولية أفعالها وأن تصلح ما إرتكبته ويوماً بعد يوم تتضاءل إمكانية الإصلاح الحقيقية لذا لا بد من ممارسة ضغوط دولية أكثر فاعلية لإنقاذ لبنان قبل حدوث كارثة حقيقية وقبل الوصول إلى نقطة اللاعودة..