لم تكن حرارة الأجواء فقط، هي ما كانت تعيشهُ مصر في يونيو عام 2020، بل أن حرارة الأحداث أيضاً التي عاشتها "المحروسة" في تلك الفترة، هي ما كانت تعيشه البلاد ، والتي لم تقل سخونة عن حرارة الأجواء حينها، فلقد عاشت مصر "الشعب - والدولة" في تلك الفترة، فترة صعبة، بل هي الأصعب في تاريخها الحديث، بما تشمل تلك الفترة من تحديات هددت بصورة مباشرة الأمن القومي المصري.
فـ البوابة الغربية لأقدم دولة عرفها التاريخ أصبحت في خطر، المرتزقة يقتربون من مصر لتنفيذ ما تلقوهُ من أوامر خارجية بضرورة وقف "المارد المصري" الذي ضرب مخططاتهم التي أعدها طوال سنوات، كذلك إفشال المصريين لسيناريوهات وضعها كل من لا يريد الخير لمصر، عبر ثورتهم العظيمة في 30 يونيو عام 2013، حينما أطاح الشعب المصري بحكم جماعة الإخوان الإرهابية من الحكم، في مرحلة فارقة في تاريخ الأمة.
وبالرجوع إلى التاريخ، فإن التحديات التي شهدتها مصر على مر تاريخها، اختلفت بإختلاف الأزمنة والعصور، إلا أن تلك الفترة التي عايشتها الدولة المصرية في يونيو 2020، كان لأول مرة التحدي فيها كان مُجمعاً ومباشراً وتنوع ما بين "سياسي - عسكري - اقتصادي - أمني - اجتماعي" مرة واحدة، هدد بصورة مباشرة أمن واستقرار أكثر من 100 مليون مورطن مصري، وأصبح يهدد مصر "المكان - والمكانة".
الوضع الليبي حينها لم يكن بالأمر البسيط أو الهين، فلقد أصبح التهديد مباشراً على حدود مصر الغربية، وكان ذلك يتوجب تحرك مصر واضح ومباشر وصريح أمام العالم كافة، من أجل حماية مصر والمصريين، على الرغم من أن مصر لم تكن يومًا من دعاة العدوان والاعتداء على الأراضي ومقدرات أي من الدول، وإنما كانت تعمل دائماً على حماية وتأمين حدودها ومجالها الحيوي فقط.
تحرك الرئيس السيسي لحماية البلاد
على مسافة 600 كيلومتر من العاصمة المصرية القاهرة، كانت المنطقة الغربية العسكرية على موعد مهم لم يتم الإعلان عنهُ مسبقاً ، فقد حطت الطائرة الرئاسية التي كان يستقلها الرئيس عبد الفتاح السيسي ، رئيس الجمهورية ، القائد الأعلي للقوات المسلحة، على مهبط إحدى القواعد الجوية المهمة التي تقع في نطاق المنطقة الغربية العسكرية، ليطمئن على جاهزية القوات الجوية، في حالة أن تطلب منهم الأمر الحفاظ على الأمن القومي المصري وحماية شعبهُ الآبي سواء كان في الداخل أو في الخارج حال تطلب الأمر.
الرئيس كان في استقباله الفريق أول محمد زكي ، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي والفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقادة الأفرع الرئيسية وكبار قادة القوات المسلحة، حيث شهد الرئيس بنفسه جاهزية القوات موجهاً رسالة لهم والتي أكد فيها على أن الجيش المصري من أقوى جيوش المنطقة، لكن في ذلك الوقت هو جيش رشيد يحمي ولا يهدد يؤمن ولا يعتدي وتلك هي ثوابت وعقيدة القوات المسلحة التي لا تتغير.
جاهزية القوات المسلحة للحفاظ على الأمن القومي
تفقد الرئيس عبد الفتاح السيسي في العشرين من شهر يونيوعام 2020، اصطفافاً ضخماً لعناصر القوات المسلحة بالمنطقة الغربية العسكرية، حيث كان في الاصطفاف جميع الأفرع والإدارات والأسلحة المختلفة، في مشهد مهيب يدُل على قوة مصر ومكانتها، كذلك توصيل رسالة أيضاً لمن يهمهُ الأمر بأن الجيش المصري مُستعد للتحرك في أي وقت يُطلب منهُ ذلك من أجل الحفاظ على الأمن القومي المصري.
اصطفاف عناصر القوات المسلحة كانت رسالة واضحة وصريحة من قبل الجيش المصري مفادها بأنه مُدرك جيداًً لحجم التحديات والتهديدات المحيطة، ليس فقط بالأمن القومي المصري، بل بوجود مصر وكيانها،وإخضاعها لنظرية التفتيت والتقسيم التي تجتاح عالمنا العربى ومحوره الرئيسي وعموده الفقري هى مصر.
السيسي يضع خط أحمر
استمع العالم في العشرين من شهر يونيو عام 2020، لحديث الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك بعد تفقده الاصطفاف الخاص بعناصر القوات المسلحة بالمنطقة الغربية العسكرية، حيث وصف ذلك الخطاب الذي كان على الهواء مباشرة، بأنه الأقوى في تاريخ مصر الحديث.
فلقد حدد الرئيس السيسي خلال خطابه خطاً داخل ليبيا وهو خط "سرت - الجفرة"، محذراً من تجاوزه من قبل المرتزقة "ومن يدعمونهم" من دول إقليمية قامت بنقلهم إلى ليبيا.
الأهمية الإستراتيجية لـ سرت
تمثل الأهمية الإستراتيجية لمدينة سرت الليبية، بأنها تطُل على "الهلال النفطي الليبي"، والذي يوجد به أكبر إنتاج بترولي في ليبيا، بالإضافة إلى أن مدينة سرت، تتوسط بين مدينتي بني غازي في الشرق، ومدينة طرابلس في الغرب، مما يجعلها مدينة ذات "إستراتيجية"، والتي من خلالها يمكن السيطرة على الأراضي الليبية، ويصبح من يتواجد فيها على مقربة جدا للشرق الليبي، وبذلك يكون تهديد مباشر للحدود الغربية لمصر، وللأمن القومي المصري.
وقد خاض الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، على مدار أعوام ، "معارك دروس"، من أجل تحرير المدينة، من المليشيات الإرهابية، والتي كانت تتلقى دعماً وقتها من قبل المجلس الرئاسي الليبي السابق، بقيادة فايز السراج.
الجفرة وقاعدة الجفرة
تتمثل الأهمية الإستراتيجية لمنطقة الجفرة وقاعدة الجفرة، أنها تقع وسط ليبيا، وهي محور الربط بين الشرق والغرب والجنوب، كما يوجد بها أحد أكبر وأهم القواعد العسكرية والجوية في ليبيا، كما تتميز القاعدة ببنيتها التحتية القوية، والتي تم تحديثها، لكي تستوعب أحدث الأسلحة، لحماية الأمن القومي الليبي، كما تتميز القاعدة بأنها قريبة لتحركات الجيش الليبي للتحرك في أي اتجاه، وأن السيطرة عليها، هي السيطرة على النصف الليبي بالكامل.
شرعية التدخل المصري في ليبيا
أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في الـ 20 من يونيو عام 2020 ، أن أي تدخل مباشر من الدولة المصرية في الأزمة الليبية باتت تتوفر له الشرعية الدولية سواء في إطار ميثاق الأمم المتحدة "حق الدفاع عن النفس"، أو بناءً على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي "مجلس النواب الليبي".
وأوضح القائد الأعلى للقوات المسلحة أن هذا التدخل سيكون أهدافه:
= حماية وتأمين الحدود الغربية للدولة بعمقها الاستراتيجي من تهديدات الميليشيات الإرهابية والمرتزقة.
= سرعة دعم استعادة الأمن والاستقرار على الساحة الليبية باعتباره جزءا لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والأمن القومي العربي.
= حقن دماء الأشقاء من أبناء الشعب الليبي شرقا وغربا لتهيئة الظروف لوقف إطلاق النار ومنع أي من الأطراف تجاوز الأوضاع الحالية.
= وقف إطلاق النار الفوري وإطلاق مفاوضات عملية التسوية السياسية الشاملة تحت رعاية الأمم المتحدة وفقا لمخرجات مؤتمر برلين وتطبيقا عمليا لمبادرة إعلان القاهرة.
تصريحات الرئيس السيسي أوقفت الزحف نحو الشرق الليبي
على مرأى ومسمع من العالم، تم نقل الآلاف من العناصر المرتزقة إلى ليبيا، وذلك لدعم حكومة الوفاق الليبية، والمليشيات التابعة لها حينها، من أجل السيطرة على الهلال النفطي الليبي، وهُنا تحول الأمر من خلاف بين فرقاء الوطن الواحد في ليبيا، إلى دعوة صريحة للسيطرة على كل شيء وهدم الجيش الوطني الليبي وسرقة مقدرات "أحفاد المختار" لصالح نظام الدولة العثمانية.
القضية الليبية بالنسبة لمصر
كانت مصر تستهدف في تلك الفترة الوصول إلى حل سياسي للأزمة الليبية، كما أن مصر لم تتدخل في الشأن الليبي احترامًا لليبيين، وحتى لا يذكر التاريخ أن مصر تدخّلت في ليبيا والليبيين في موقف ضعف، لكن الموقف حينها كان مختلفاً، ومعادلة الأمن القومي العربي والمصري والليبي كانت مُهتزة.
بالنسبة لمصر، فإن القضية الليبية هي قضية "أمن قومي"، لا يقبل فيها أي تهاون، لكن القاهرة طيلة السنوات الماضية، كانت تتعامل بحكمة وهدوء وصبر مع الأزمة الليبية، لكن عندما استشعرت القاهرة الحرج، وأصبحت المعادلة على الأرض تتجه إلى تفتيت الدولة الليبية، وبدء الاقتتال الداخلي داخل القُطر الواحد العام الماضي.
كان على مصر أن تعلنها بوضوح وأمام العالم أجمع بأنها لن تسمح بتفتيت ليبيا، أو نشر الفوضى فيها عن طريق "المرتزقة" والتي تكفلت تركيا بإرسالهم إلى الدولة الليبة.
الرئيس يلتقي بشيوخ وعواقل وأعيان ليبيا
ولأن مصر كانت تسعى دائما للسلام، وللحل السياسي بالنسبةللأزمة الليبية، فقد التقى الرئيسعبد الفتاح السيسي، في الرابع عشر من شهر يوليو الماضي، بمشايخ وأعيان القبائل الليبية، الممثلة لأطياف الشعب الليبي بجميع ربوع البلاد وذلكتحت شعار "مصر وليبيا.. شعب واحد ومصير واحد".
أكد الرئيس خلال لقاءه بمشايخ وأعيانالقبائل الليبيةأن الهدف الأساسي للجهود المصرية علي كل المستويات تجاه ليبيا هو تفعيل الإرادة الحرة للشعب الليبي من أجل مستقبل أفضل لبلاده وللأجيال القادمة من أبنائه، موضحا أن الخطوط الحمراء التي أعلنها من قبل في سيدي براني هي بالأساس دعوة للسلام وإنهاء الصراع في ليبيا، مشددا في الوقت ذاته على أنمصر لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة أي تحركات تشكل تهديدًا مباشرًا قويًا للأمن القومي ليس المصري والليبي فقط وإنما العربي والإقليمي والدولي.
وأوضح الرئيس خلال اللقاء منذ ما يقرب من عام أن مصر لن تقبل بتحول ليبيا إلى بؤرة للإرهابيين حتى لو تطلب ذلك تدخلًا مباشرًا، مؤكدا أنه لا يوجد إرادة قوية في المجتمع الدولي لحل النزاع الليبي، مشيرا إلى أن الاستمرار في نقل المرتزقة من سوريا إلى ليبيا تهديد لدول الجوار، مؤكدا أن مصر قادرة على تغيير المشهد العسكري في ليبيا بشكل سريع وحاسم، كما أنه سيتم التوجه للبرلمان المصري لطلب أي تحرك عسكري خارج، مشددا على أن مصر تمتلك أقوى جيش في المنطقة لكن الجيش المصري لا يقوم بأي عمليات غزو.
وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تجاوز للخط الأحمر في ليبيا، موضحا أن مصر مستعدة لتدريب القبائل لتكوين نواة لجيش وطني ليبي، مطالبا القبائل الليبية بتوحيد صفوف جيش وطني ليبي، مشددا في الوقت ذاته بأنه لن يتم القبول بتحويل ليبيا إلى بؤرة للإرهابيين حتى لو تطلب ذلك تدخلًا مباشرًا، موضحاأن مصر مستعدة لتقديم كل الدعم للشعب الليبي، كما أن مصر لن تسمح بالرهان على الميليشيات في ليبيا، مؤكدا أن التدخلات الخارجية طامعة في ثروات ليبيا، مشددا على أن مصر لن تسمح بتقسيم ليبيا بأي شكل من الأشكال.
وأشار الرئيس السيسي خلال لقائه العام الماضي إلى أن هناك وحدة لمصير مصر وليبيا، مؤكدا أن مصر ستدخل في ليبيا بطلب من الشعب الليبي وتخرج بأمر منه، مؤكدا أنه قبل أن نفكر في دخول ليبيا نفكر في كيفية الخروج، ولن نقبل باقتراب الميليشيات من حدود مصر، كما أناستقرارليبيا هواستقرارلمصر وليس لمصر أي مطامع في ليبيا.
من جانبهم، أعربمشايخ وأعيانالقبائل الليبية عن كامل تفويضهم الرئيس والقوات المسلحة المصرية للتدخل لحماية السيادة الليبية واتخاذ الإجراءاتلتأمين مصالح الأمن القومي لليبيا ومصر ومواجهة التحديات المشتركة، وذلك ترسيخا لدعوة مجلس النواب الليبي لمصر للتدخل لحماية الشعب الليبي والحفاظ علي وحدة وسلامة أراضيبلاده.
ليبيا تحصد نتائج استقرارها بدعم مصري
بعد سنوات من رئاسة فايز السراج المجلس الرئاسي الليبي، تقلد الدكتور محمد المنفي مقاليد حكم المجلس الرئاسي، كما تقلد عبدالحميد الدبيبة رئاسة حكومة الوحدة الوطنية، واللتان تعملان على تسيير الأمور لحين عقد الانتخابات بنهاية العام الجاري.
وكانت القاهرة الوجهة الأولى لرئيس المجلس الرئاسي الليبي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية ، والتي أكد على أن التعاون الإستراتيجي مع مصر في كافة المجالات هو الخيار الأساسي بالنسبة لليبيا، وهذا ما قبُل بترحيب كبير من القاهرة والتي أكدت عبر رئيسها الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن مصر ستقدم كل الدعم من أجل استقرار وازدهار ليبيا.
وبتوجيهات من الرئيس السيسي، قام اللواء عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية بزيارة إلى العاصمة الليبية "طرابلس" كذلك مدينة "بني غازي"، التقى فيها عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية وكبار المسؤولين وبمحمد المنيفي رئيس المجلس الرئاسي وكبار المسؤولين، وبالمشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي وكبار المسئولين.
وذلك من أجل تعزيز علاقات التعاون المشترك ودعم العملية السياسية والاستقرار بليبيا، ونقل فيها اللواء عباس كامل رسالة من الرئيس السيسي التي أكد فيها على وقوف مصر خلف الشعب الليبي الشقيق وحكومته التي تسعى الى تحقيق الاستقرار في ليبيا.
كما أن زيارة الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء إلى العاصمة الليبية طرابلس منذُ أشهر، على رأس وفد وزاري رفيع المستوى أكدت على مصداقية التحرك المصري في تدشين عهد جديد مع القيادة الليبية قائم على وحدة الأراضي الليبية وأن يتمتع الليبيين بثروات بلادهم ومساعدة القاهرة في إعادة إعمار ليبيالكي تعود مثل السابق، كذلك تم توفيع العديد من الاتفاقيات المختلفة والتي ستعمل على تحقيق الرخاء لصالح الشعبيين.