ما حدود مسؤولية الزوج عن حجاب زوجته؟ سؤال ورد إلى دار الإفتاء المصرية.
وأجابت دار الإفتاء المصرية عن السؤال قائلة: إن الله تعالى كلف الزوج برعاية مصالح أهله، وذلك بما يدفع عنهم الضرر في الأبدان والأديان.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» متفق عليه.
وأضافت عبر صفحتها الرسمية أن الشرع الشريف قد أناطبالرجل رعاية مصالح أهله بقدر وسعه ومستطاعه:
فأما في رعاية مصالح البدن: فقد أمره الله تعالى بالنفقة بما يسد حاجتهم من مسكن وملبس ومأكل وعلاج دون أن يكلفه في ذلك فوق طاقته؛ قال تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: 7].
وأما في رعاية مصالح الأديان: فقد كلفه الله تعالى أن يأمرهم بالطاعات وإقامة العبادات وينهاهم عن القبائح والمحرمات، بالنصح والتعليم لهم والصبر عليهم مع مداومة الإرشاد؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6].
فروى ابن وهب في "تفسير القرآن" من "الجامع" عن زيد بن أسلم: أن أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أُنزِلَتْ هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ قالوا: يا رسول الله، لقد أوقينا أنفسنا، فكيف بأهلينا؟ قال: «تَأمُرُونَهُمْ بِطَاعَةِ الله، وَتَنْهوهُمْ عَنْ مَعَاصِي الله».
وأشارت إلى أن الحجاب فريضة على كل امرأة مسلمة عاقلة، ويتحقق بأن تلبس ما يستر كلَّ جسمها ما عدا وجهَها وكفيها؛ أيًّا ما كانت هذه الملابس؛ بحيث لا تصف ولا تكشف ولا تشف؛ امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: 31].
وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا أَسْمَاءُ، إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا» وأشار إلى وجهه وَكَفَّيْهِ. أخرجه أبو داود في "سننه"، والطبراني في "مسند الشاميين"، وابن عدي في "الكامل"، والبيهقي في "السنن الكبرى" و"الآداب" و"شعب الإيمان".
ونوهت إلى أنه إن لم تكن الزوجة ترتدي الحجاب الشرعي فإن مسؤولية الأمر به والحث عليه داخلة في نطاق مسؤولية زوجها عنها في رعاية مصالحها الدينية، ويجب عليه حينئذ أمرُها به، أمرَ إرشادٍ وترغيب، لا أمرَ إجبارٍ وترهيب.
فعن دِحية الكلبي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَأْمُرِ امْرَأَتَكَ أَنْ تَجْعَلَ تَحْتَهُ ثَوْبًا لَا يَصِفُهَا» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود في "السنن".
وذكرت أنه إن قام الزوج بمسؤوليته في نصح زوجته وحثها على الحجاب، ولكنها مع ذلك لم تتحجب، فعليه أن يصبر عليها مع المداومة على النصح والترغيب؛ إذ نص الشرع على وجوب أمر الأهل بالصلاة والصبر عليهم في أدائها وإقامتها، مع كون الصلاة عماد الدين وأول ما يسأل عنه المرء يوم القيامة، فلأن يصبر الزوج على امرأته في الالتزام بفريضة الحجاب من باب أولى.
قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: 132].
وقد جاء التعبير القرآني بالأمر بالاصطبار لا الصبر؛ لبيان أن الرجل مطالب بقدر زائد على معنى الصبر العادي؛ ليشمل كل حال يستدعي الضجر والشدة، فيكون مطالبًا حينئذٍ بتكلُّف الصبر وتَعَمُّده، دون ملل أو ضجر باعثين على النفور والإيذاء.
فمسؤولية الزوج عن زوجته في القيام بحقوق الله تعالى مسؤولية دفع وتذكير ونصح وترغيب واتخاذ كافة الوسائل الممكنة المعينة لها على طاعة الله تعالى، فإن كانت الزوجة ممن يمتثل بالتلطف وجب عليه التلطف معها، وإن كانت ممن يمتثل بالزجر اتخذه وسيلة لذلك بشرط ألا يصل زجره لها إلى الإيذاء النفسي أو البدني.
وقد نص الشرع الشريف على أن الأصل في الدعوة إلى الله تعالى أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، فإذا كان ذلك لعموم الناس أو لأصحاب العداوات من المعارضين للحق؛ فلأن يكون بين الزوج وزوجته أولى. قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125].
واستطردت أن الإيذاء النفسي بحرمان الزوجة من حقوقها الأساسية كالنفقة، أو البدني كالتعدي بالضرب عليها؛ لأجل أن تتحجب: ليس من الحكمة في شيء، بل ربما أدى إلى نقيض المراد منه، وهو النفور مما كان سببًا لتعرضها للإيذاء النفسي أو البدني، كما جبل على ذلك البشر.
وقد نص الفقهاء على أنه ليس للزوج إيذاء زوجته بالضرب لإجبارها على الإتيان بحقوق الله تعالى، وإنه إنما يكتفي في ذلك بالوعظ والإرشاد، فإن لم يُفِدْ: جاز له زجرها بما لا يؤذيها إن غلب على ظنه إفادةُ ذلك؛ لأن منفعة قيامها بحقوق الله تعالى تعود إليها لا إليه.
وأكدت أنه على الزوج أن يديم النصح لزوجته في كل ما فيه طاعة ربها، ومن ذلك: فريضة الحجاب؛ بأن تستر جسمها ما عدا وجهها وكفيها، ولكن لا علاقة لذلك بإنفاقه عليها ما دامت غير ناشر؛ فالمعصية لا تمنع النفقة، كما أن عدم لبسها الحجاب ليس مبررًا له أن يمنعها من ممارسة حياتها، إلّا إذا علم انحرافها فعليه حينئذٍ أن يمنعها بسلطته من الانحراف قدر ما يستطيع.
فإذا قام الزوج بمسؤوليته في النصح والترغيب، مع المداومة على ذلك، فقد قام بما أمره الله تعالى به، ولا يأثم حينئذٍ عن معصية زوجته بتركها الحجاب، بل يقع إثم ذلك عليها وحدها؛ إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولا يأثم المسلم على معصية أهله إن نهاهم عنها فلم ينتهوا، قال تعالى: ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164].
قال الإمام الطبري في "تفسيره" (12/ 286): [﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا﴾، يقول: ولا تجترح نفس إثمًا إلا عليها، أي: لا يؤخذ بما أتت من معصية الله تبارك وتعالى، وركبت من الخطيئة، سواها، بل كل ذي إثم فهو المعاقب بإثمه والمأخوذ بذنبه] اهـ.
وبناء على ذلك: فإن الزوج كما هو مسؤول عن رعاية مصالح أهله الدنيوية مسؤول عن رعاية مصالحهم الدينية؛ وذلك بأمرهم بطاعة الله تعالى ونهيهم عن معصيته؛ بالموعظة الحسنة والإرشاد وتوفير السبل لهم لتحقيق ذلك، والحجاب حق من حقوق الله يجب على كل امرأة مسلمة القيام به، فإن لم تفعل وجب على زوجها أن يأمرها به ويتلطف معها بالنصح ويذكرها بفرضيته ويحثها عليه، ويداوم على ذلك، ولا يجوز إيذاؤها نفسيًّا ولا بدنيًّا لإجبارها على الحجاب؛ إذ لم يأمر الله أحدًا أن يجبر الناس على طاعته، بل أمر بالأمر بها على جهة التذكير والحث، فإن قام الزوج بذلك فلا إثم عليه في تركها الحجاب.