قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن صناعة الإفتاء من العلوم المعقدة التي تحتاج إلى حرفية خاصة للقيام بها وإصدارها في صورة صحيحة، وتعد عملية صياغة الفتوى من أعقد العناصر في هذه الصناعة.
وأضاف الدكتور علي جمعة عبر صفحته على فيس بوك، أن الفتوى تمر في ذهن المفتي بأربع مراحل أساسية، تخرج بعدها في صورتها التي يسمعها أو يراها المستفتي، وهذه المراحل الأربع هي: مرحلة التصوير، ومرحلة التكييف، ومرحلة بيان الحكم، ومرحلة الإصدار، وفيما يلي بيان لهذه المراحل.
المرحلة الأولى: مرحلة التصوير:
وفيما يتم تصوير المسألة من قبل السائل الذي يريد أن يستفتي في واقعة نزلت به أو بغيره، والتصوير الصحيح المطابق للواقع شرط أساسي لصحة الفتوى ومطابقتها للواقع الفعلي المسئول عنه، فعدم صحة التصوير يؤدي إلى أن الفتوى الصادرة ستكون لما فهم من السؤال وليس لما هو في نفس الأمر، وعبء التصوير أساساً يقع على السائل، لكن المفتي ينبغي عليه أن يتحرى بواسطة السؤال عن الجهات الأربع التي تختلف الأحكام باختلافها، وكثيراً ما يتم الخلط والاختلاط من قبل السائل بشأنها، وهي الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، كما ينبغي على المفتي أيضا أن يتأكد من تعلق السؤال بالأفراد أو بالأمة لأن الفتوى تختلف باختلاف هذين الأمرين.
والتصوير قد يكون لواقعة فعلية وقد يكون لأمر مقدر لم يقع بعد، وحينئذ فلابد من مراعاة المآلات والعلاقات البينية، وبقدر ما عند المفتي من قدرة على التصوير بقدر ما تكون الفتوى أقرب لتحقيق المقاصد الشرعية وتحقيق المصلحة ودرء المفسدة.
وقد نص الغزالي في كتاب «حقيقة القولين» كما أورده السيوطي في «الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض» على أن وضع الصور بالمسائل ليس بأمر هين في نفسه، بل الذكي ربما يقدر على الفتوى في كل مسألة إذا ذكرت له صورتها، ولو كلف وضع الصور وتصوير كل ما يمكن من التفريعات والحوادث في كل واقعة عجز عنه، ولم يخطر بقلبه تلك الصور أصلا، وإنما ذلك من شأن المجتهدين.