قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله بني الإسلام على خمسة أركان: "شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا"، وأمرنا -سبحانه وتعالى- بإقامة هذه الأركان، فهي وعاء للإسلام وإناء يضع ربنا لنا فيه من أنواره وينزل علينا من أسراره سبحانه وتعالى فهو الرءوف الرحيم بحالنا.
وأضاف «جمعة» عبر صفحته الرسمية بموقع « فيسبوك» أن الله - عز وجل- جمع علينا في الحج كل هذه الأركان، فالحج يشتمل على التوحيد ويشتمل على الصلاة، ويشتمل على الإنفاق والحج يشتمل على الصوم، ويشتمل على النذر، ومن أجل ذلك يبشرنا النبي - صلى الله عليه وسلم- بعموم المغفرة للحجاج حيث قال : «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، [رواه البخاري ومسلم].
وأوضح عضو هيئة كبار العلماء أن الحج في اللغة هو: مطلق القصد، وقيل هو القصد لمعظم، أما الحج الذي نقصده فهو: قصد موضع مخصوص (وهو البيت الحرام وعرفة) في وقت مخصوص (وهو أشهر الحج) للقيام بأعمال مخصوصة وهي : (الوقوف بعرفة ،والطواف، والسعي عند جمهور العلماء, بشرائط مخصوصة يأتي بيانها.
وتابع المفتي السابق أن الحج فرض عين على كل مسلم ومسلمة بشروطه وهي : (العقل-البلوغ-الاستطاعة)، وهناك شرط خاص بالنساء وهو (عدم العدة) فلا يجوز للمعتدة أن تخرج للحج وهو أحد أركان الإسلام، أما بخصوص المحرم أو الزوج فلا يلزم المرأة ذلك في الحج، فإن وجدت نسوة ثقات (اثنتين فأكثر تأمن معهن على نفسها) كفى ذلك بدلا عن المحرم أو الزوج وهو ما ذهب إليه الشافعية والمالكية إن لم تجد المرأة المحرم، بل يجوز لها أن تخرج وحدها لأداء الفرض أو النذر إذا أمنت على نفسها ومالها.
وواصل أن ما يدل على فرضية الحج القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع المسلمين، فأما القرآن الكريم فيقول تعالى : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ»، ومن السنة النبوية أحاديث كثيرة؛ منها ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- : «خطبنا رسول الله - صلى اللخ عليه وسلم-، فقال : أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج، فحجوا، فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا, فقال رسول الله ﷺ لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم»، [رواه مسلم].
ونبه إلى أن الأمة أجمعت سلفًا وخلفًا، شرقًا وغربًا، على فرضية الحج وأنه أحد أركان الإسلام الخمسة، وأنه من المعلوم من الدين بالضرورة، وأنه منكره يكفر، وقد اختلفوا في وجوب الحج هل هو على الفور أو على التراخي ؟ فذهب الجمهور إلى أن الحج يجب على الفور (بمعنى فور الاستطاعة) وهو الأولى، وذهب الشافعية والإمام محمد بن الحسن إلى أنه يجب على التراخي، ذلك بالنسبة لحكمه، أما في فضله، فيقول - تعالى-: « وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ».
وأفاد بأنه كثرت النصوص النبوية الشريفة في فضل الحج وعظيم ثوابه، منها على سبيل المثال، ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»، [رواه مسلم]، وكذلك ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: « ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة, وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة»، [رواه مسلم، والنسائي].
وأبان أنه عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : «الحجاج والعمار وفد الله, إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم»، [ابن ماجة والبيهقي في الشعب] وعنه أيضًا : «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سئل : أي الأعمال أفضل ؟ فقال : إيمان بالله ورسوله, قيل : ثم ماذا ؟ قال : جهاد في سبيل الله, قيل : ثم ماذا ؟ قال : حج مبرور»، [البخاري ومسلم].
جدير بالذكر أنه في ظل الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار فيروس كورونا تم الاقتصار في أداء الحج هذا العام على المقيمين داخل المملكة العربية السعودية تقليلًا للأعداد والتزاحم، وكذا إجراءات مشابهة بالنسبة للعمرة، مما جعل النفوس تتوق إلى البيت الحرام لما وضع الله في القلوب من الحنين والرغبة في الحصول على الثواب الكبير الذي ينتظرهم، لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم- أرشدنا إلى أعمال تعدل في ثوابها الحج والعمرة، وهذا من فضل الله علينا.