سبعة يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. من كان يتصدق في الدنيا حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه؛ تأخذه الملائكة تحت عرش الرحمن ليستظل بظله - سبحانه-، فيشعر عندها بأن روحه قد ردت إليه، وأن الزمان يسير سريعاً؛ فلا يشعر بطول مدة الوقوف للحساب.
سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. رُوى عن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (سبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلَّا ظلُّه: إمامٌ عادلٌ وشابٌّ نشَأ في عبادةِ اللهِ تعالى ورجلٌ ذكَر اللهَ خاليًا ففاضت عيناه ورجلٌ ـ كان ـ قلبُه معلَّقٌ في المسجدِ ورجُلانِ تحابَّا في اللهِ: اجتمَعا عليه وتفرَّقا ورجلٌ دعتْه امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ إلى نفسِها فقال: إنِّي أخافُ اللهَ ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتَّى لا تعلَمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يمينُه)، [صحيح ابن حيان].
السبعة المستظلون بظل العرش
سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. و ذكر نبي الله - عليه أفضل الصلاة والسلام- في هذا الحديث النعيم الذي سيحصل عليه سبعة أنواعٍ من عباد الله المؤمنين، أصحاب العقيدة الصافية، والنفوس الزكية، الذين يبتعدون عن ارتكاب المعاصي خوفًا ورهبةً من خالقهم، الذي وعدهم بأنّهم سيكونون في كنفه وتحت ظله في يوم القيامة، وهم:
١- الإمام العادل: وهو كل إنسان أصبح وليًا على شؤون المسلمين، فأقامها بالعدل، والقسطاس المستقيم؛ لأنّ في ذلك ارتقاءٌ للأمة، ووسيلةٌ لتقدمها وعمرانها في كافة نواحي الحياة.
٢- الشاب الناشئ في عبادة الله: وهو الشاب المليء بالقوة والنشاط والحيوية، والذي استغل طاقته في عبادة الله تعالى والتقرب إليه بالطاعات، وابتعد عن كلّ ما يغضبه من المعاصي والشهوات، وصان نفسه من مغريات الطيش والهوى.
٣- رجل ذكر الله ففاضت عيناه: وهو العبد الصادق مع ربه البعيد عن النفاق والرياء أمام الناس، الذي يخلي مع نفسه، ويتذكر عظيم كرم الله ورحمته مع عباده، فتفيض عيناه بالدمع، ويصبح طامعًا في رضاه ومغفرته، وخائفًا من جبروته وعذابه.
٤- رجل تعلق بالمسجد: والتعلق بالمسجد لا يعني أن يحب شكله الخارجي، أو الزخارف الموجودة فيه، بل يعني أن يلتزم في أداء الصلوات داخله وفي أوقاتها، وأن يستشعر قوّة الله ويتضرع إليه بالدعاء طالبًا العفو والمغفرة، بعيدًا عن حبّ ملذات الدنيا ومغرياتها، فالمسجد هو بيت الله، ومكان تجمع المسلمين، وتوحّدهم.
٥- رجلان تحابا في الله: وتعني أن يحب اثنان بعضهما البعض بعيدًا عن المصالح، وأن يكون حبًا خالصًا لوجه الله - تعالى-، لا يتأثر بالوضع المادي، أو المكانة الاجتماعية، وغيرها، كما يعني اجتماعهما على طاعة الله، يأمران بالمعروف وينهيان عن المنكر، ولا يفرقهما سوى الغيرة على الدين وارتكاب المعاصي.
٦- رجل يخاف الله من فتنة النساء: وهو الرجل الذي تدعوه امرأةً ذات جمالٍ ومال إلى نفسها، وتغريه حتى يرتكب المعصية والمنكر؛ فيرفض خوفًا من الله وعذابه، وهذا يدلّ على قوّة النفس، وعظيم الإيمان.
٧- رجل ينفق في سبيل الله: و هو الرجل المقتدر الذي ينفق أمواله ابتغاء مرضاة الله وحده، ولا ينتظر من الآخرين الشكر أو الجزاء، وهو الذي يقدّم الصدقات دون أن تعرف يديه اليسرى ما قدمت يده اليمنى.
من هم الذين يستظلون بعرش الرحمن
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، إنه سيتظل في عرش الرحمن يوم القيامة 90 صفة أو فئة وليس فقط سبعة كما في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ الله في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ في عِبادة الله تعالى، ورَجُلٌ قَلْبُه مُعَلَّقٌ بالمساجد، ورَجُلانِ تَحَابَّا في الله: اجْتَمَعَا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورجلٌ دَعَتْه اْمرأةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فقال: "إِني أَخاف الله "، ورجلٌ تصدَّق بصَدَقَةٍ، فأَخْفَاهَا حتِّى لا تَعْلَمَ شِمَالُه ما تُنْفِقُ يَمِينُه، ورجلٌ ذكر الله خالياً، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ».
وأوضح جمعة أن الشيخ عبد الباقي بن يوسف الزرقاني في شرح الموطأ جمع بين الأحاديث التي يتظل الناس بها في عرش الرحمن نحو 70 صفة، مشيرًا إلى أن السيوطي أثبت في رسالة له أصناف أخرى غير الورادة في الحديث ستكون في ظل العرش الرحمن.
روى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضى الله عنه- أن النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : «ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِمْ، الَّذِي إِذَا انْكَشَفَتْ فِئَةٌ، قَاتَلَ وَرَاءَهَا بِنَفْسِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ، وَإِمَّا أَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَكْفِيهِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي كَيْفَ صَبَّرَ لِي نَفْسَهُ، وَالَّذِي لَهُ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ وَفِرَاشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ، فَيَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَذَرُ شَهْوَتَهُ، فَيَذْكُرُنِي وَيُنَاجِينِي وَلَوْ شَاءَ لَرَقَدَ، وَالَّذِي يَكُونُ فِي سَفَرٍ وَكَانَ مَعَهُ رَكْبٌ، فَسَهَرُوا وَنَصَبُوا ثُمَّ هَجَعُوا، فَقَامَ فِي السَّحَرِ فِي سَرَّاءٍ أَوْ ضَرَّاءٍ »، رواه الحاكم فى المستدرك، حديث حسن.
وذكر علماء الحديث فى شرح مستدرك الحاكم، أن المراد بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- « ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِمْ» هو إخبار المسلمين بأن هؤلاء الثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم - تعالى- وأولهم: رجل قاتل في سبيل الله فإذا انهزمت فئة من أصحابه ثبت هو وقاتل من ورائها صابرا محتسبا يحمي المسلمين، ولم يفر أو يجبن أو يضعف؛ لأنه موقن بنصر الله أو الموت في سبيله، ولذلك قال –صلى الله عليه وسلم- في الحديث:«وَإِمَّا أَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَكْفِيهِ»، أى يكفيه عدوه ويحفظه ويكلؤه، فيقول الله عز وجل : « انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي كَيْفَ صَبَّرَ لِي نَفْسَهُ» أي كيف حبسها لله وهيأها للقتل في سبيله .
وأضاف العلماء أن قوله –صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِي لَهُ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ وَفِرَاشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ، فَيَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ»أى أن الثاني هو الرجل الذى له زوجة حسنة وفراش ناعم مريح فترك ذلك لله وقام للتهجد بالليل، فيقول الله تعالى: « فَيَذَرُ شَهْوَتَهُ، فَيَذْكُرُنِي وَيُنَاجِينِي وَلَوْ شَاءَ لَرَقَدَ»أى يدع شهوته وحاجة نفسه إلى النوم أو إلى امرأته من أجل مناجاتي وذكري ولو شاء نام ولم يقم .
وأوضحوا فى شرح المستدرك، أن الإمام الحافظ ابن رجب -رحمه الله- قال : "إن من فضائل التهجد: أن الله تعالى يحب أهله، ويباهي بهم الملائكة ويستجيب دعاءهم "، أما قوله –صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِي يَكُونُ فِي سَفَرٍ وَكَانَ مَعَهُ رَكْبٌ، فَسَهَرُوا وَنَصَبُوا ثُمَّ هَجَعُوا»، أى أن الثالث هو رجل سافر مع رفقة، فسهروا بالليل حتى تعبوا ثم هجعوا أي ناموا ولا شيء هو أحب وأشهى للمسافر من النوم بعد التعب والسهر.
وأشاروا أن قول رسول الله: « فَقَامَ فِي السَّحَرِ فِي سَرَّاءٍ أَوْ ضَرَّاءٍ »، أى فقام هو من دونهم يصلي بالسحر وهو جوف الليل الآخر وترك النوم لله تعالى وقام يناجيه بالسحر ويدعوه فى السراء والضراء وهذا القول يدل على أن حاله مع ربه لا يختلف يذكر الله على كل حال سواء كان في مسرة أو في مضرة .
وبينوا أن هؤلاء الثلاثة يحبهم الله تعالى، لأن كلا منهم آثر أمر الله على شهوته وحظ نفسه وأعظمهم درجة الأول الذي قاتل بعد انهزام أصحابه؛ لأنه آثر أمر الله على حظ نفسه من الحياة، ويليه الثاني؛ لأنه آثر أمر الله على حظ نفسه من الزوجة ومن النوم، ثم الثالث الذي آثر أمر الله على حظ واحد من حظوظ نفسه.