سهولة العمل بها وتوافر المواد الخام فى الطبيعة المحيطة، دفع الكثير صغارا وكبارا لامتهان حرفة صناعة منتجات الجريد، التى لا غنى لأي منزل ريفى عنها، سواء في قنا أو غيرها من المحافظات، باعتبارها جزءا هاما من حياة القرى، و إن كان الاعتماد عليها بدأ يتراجع تدريجياً مع التطور وغزو المنتجات الصينية التى تهتم بالأسعار على حساب الجودة.
فالأسرة المصنعة من الجريد مازالت متواجدة فى الكثير من بيوت الصعيد، يستخدمها الأسر محدودة الدخل فى غرف النوم، فيما يستخدمها آخرين فى الدواوين أو أمام المنازل لقضاء أوقات السمر خلال السهرات الليلة عليها، و يستخدمها آخرين كراسى للمقاهى أو للمنازل كجزء من الديكور، فيما لا تزال الوعاء الأهم للكثير من الفواكه و الخضروات وخاصة الطماطم.
انتشار أشجار النخيل فى مركز نقاده جنوب قنا، و عمل الوالد بصناعة منتجات الجريد، كان من أهم الأسباب التى فرضت على "عم عبدالفتاح" كما يلقبه الأهالى، إلى امتهان صناعة الجريد واحترافها مع طول فترة العمل بها، التى تجاوزت ٥٠ عاماً صناعة منتجات متنوعة تعاقبت عليها أجيال كثيرة.
قال عم عبدالفتاح مريد موسي ٧٠ عاما، عملت فى حرفة الجريد منذ أن كنت فى طالباً فى المدرسة، حيث تعلمتها من والدى الذى ورثها هو الآخر عن والده، وكنت خلال فترة الدراسة أشاهد و أتعلم، و أكملت تعليمى حتى حصلت على دبلوم التجارة، وبعدها التحقت بالخدمة فى الجيش، ثم العمل بوزارة العدل، والتي فرغت لها كل وقت خلال فترة الصباح، و حتي أوفر عائد آخر مع الوظيفه الحكومية لم أجد أفضل من الجريد للعمل به، حيث كانت الحرفة الوحيدة المتاحة مع الزراعة والفركة.
و تابع "عم عبدالفتاح"، وقتها كانت صناعة منتجات الجريد حرفة لها أهميتها وقيمتها وكان الطلب عليها كبير، بعكس هذه الفترة التى تشهد تراجع كبير على طلب منتجات الجريد، فقد كان الأهالى فى سبعينيات القرن الماضى وما قبلها يعتمدون بشكل كبير على منتجات الجريد، سرير للنوم أو الجلوس عليه خارج المنزل، سدد للأحواش و حظائر المواشى، أقفاص لتربية الطيور و أخرى لوضع الخضروات والفواكه.
و أضاف عم عبدالفتاح، مع تقدم العمر أصبحت الحرفة متعبة وشاقة لمن فى مثل سنى، لاعتمادها على أدوات تقليدية قديمة، سكاكين، سواطير، أدوات تخريم، كلها تترك اثراً على اليد، فضلاً عن طول فترة الجلوس للانتهاء من صناعة قفص أو سرير، حيث تستغرق صناعة السرير من يومين إلى ثلاثة أيام، لكن فى النهاية حرفة تعودنا عليها ولا نستطيع الاستغناء أو التخلى عنها.
وأشار عم عبدالفتاح، إلى أن ندرة الطلب على منتجات الجريد لا يمنع أنها مازالت موجودة وتعتمد عليها بيوت كثيرة مصدر رزق وحيد فى ظل ظروف اقتصادية صعبة، تستدعى البحث عن أى مصدر دخل شريف لتوفير الاحتياجات الضرورية لأى أسرة.