نشر موقع "فوكس" الأمريكي تقريراً بعنوان "لماذا تغزو إثيوبيا نفسها"، والذي جاء به أن رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، حصل على جائزة نوبل للسلام، ثم شرع بشكل مفاجئ في الحرب.
وقال التقرير إنه في عام 2019 ، بعد إنهاء حرب إثيوبيا التي استمرت عقودًا مع جارتها إريتريا، مُنح رئيس الوزراء أبي أحمد جائزة نوبل للسلام، بدا الأمر وكأنه بداية جديدة لإثيوبيا، بعد عقود من الديكتاتوريات والأنظمة القمعية، بدا أنه أخيرًا يضع البلاد على مسار جديد، لكن بعد أقل من عام، شن أبي هجوما عسكريا على تيجراي، وهي منطقة إقليمية في بلاده.
عندما أصبح رئيسًا للوزراء في عام 2018، حل إلى حد كبير محل حزب تيجراي السياسي الرئيسي، الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، باعتباره مركز السلطة في البلاد. منذ ذلك الحين، تصاعدت التوترات بين أبي وجبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراي بسرعة. أدى التنافس السياسي إلى نزاع حول الانتخابات، مما أدى إلى هجوم مزعوم على قاعدة عسكرية - وأخيراً إلى نشر أبي للجيش.
وعد آبي بإحلال السلام في إثيوبيا؛ وهو الآن يرأس حربًا تصاعدت من نزاع إلى دمار في غضون أسابيع وليس لها نهاية واضحة تلوح في الأفق. وقد استولت الجيوش والميليشيات المحلية على الكثير من أراضي تيجراي، مات الآلاف أو فروا من منازلهم. لقد ترك العديد من الإثيوبيين يتساءلون كيف أحضرهم أبي، القائد الذي وعد بالانفصال عن الماضي، إلى هنا بدلاً من ذلك.
وشرح التقرير أن الإمبراطورية الإثيوبية كانت من بين الدول الأفريقية القليلة التي فرت من الاحتلال الأوروبي، وفعلت ذلك جزئيا من خلال غزو واستيعاب الدول المجاورة لحماية الإمبراطورية المركزية من القوات الأوروبية، والنتيجة كانت دولة منقسمة للغاية بعشرات الإثينيات والأعراق، ولكنها كانت محكومة من قبل شعب أمهرة، بينما عوملت بقية الأعراق والإثنيات كمواطنين من الدرجة الثانية.
بعد الحرب العالمية الثانية، ضمت الإمبراطورية الإثيوبية إريتريا بعد تخلصها من الاحتلال، وكانت تعامل الشعب الإريتري أيضا بالطريقة نفسها، ما نتج عنه تشكل مليشيا كانت تهدف إلى الاستقلال والانفصال عن إثيوبيا، "جبهة تحرير الشعب الإريتري".
وفي عام 1977، تولى ديكتاتور شيوعي مقاليد الحكم في إثيوبيا، الكولونيل مينجيستو هالي ماريام، بعد قتل جميع خصومه السياسيين، وبدأ في محاربة كل ما هو مخالف له في حملة دموية حملت اسم "الرعب الأحمر"، والتي قتلت آلاف المعارضين، ما نتج عنه تشكل مليشيات أخرى. واحدة منهم حملت اسم "جبهة تحرير شعب تيجراي".
وبدأت المليشيات بالتعاون معا خاصة في الشمال، هذا التحالف جعل هذه الأقاليم قوية بالشكل الكافي الذي يمكنها من مقاومة جيش مينجيستو، ما جعل الأخير يضاعف من قواته القمعية في بقية أنحاء إثيوبيا، ما دفع المليشيات والمعارضين إلى الفرار نحو الشمال من أجل الاحتماء، ليرد مينجيستو بقتل المدنيين في تيجراي وإريتريا، ومنع حتى المساعدات الدولية من الوصول إلى الإقليم. وقتل أكثر من مليون إثيوبي خلال حكمه.
وفي أواخر الثمانينيات، شكلت الجبهة التيجرية والإريترية مليشيات مكونة من الآلاف من المقاتلين، وفي عام 1991، شكلت الجماعتين تحالفا مع مليشيات أخرى، ونجحت في الإطاحة بنظام مينجيستو، وبعدها بأيام، أعلنت إريتريا استقلالها عن إثيوبيا، تاركة جبهة تحرير شعب تيجراي أقوى قوة في البلاد، ليصبح زعيم الجبهة، ميليس زيناوي، أول رئيس وزراء لجمهورية إثيوبيا الفيدرالية.
وفي محاولة لمعادلة القوى بين الجماعات العرقية، جعل زيناوي النظام السياسي لإثيوبيا به نوع من الديمقراطية، بتحويل المليشيات التي أطاحت بالنظام السابق إلى أحزاب سياسية، بما فيها جبهة تجرير شعب تيجراي، وقسم إثيوبيا إلى 10 ولايات إقليمية قائمة على العرقية.
جبهة تحرير شعب تيجراي مثلت فقط نحو 5% من سكان إثيوبيا. ولكن في حكومة زيناوي الجديدة، تشكل ائتلاف مع الحلفاء يمثل غالبية سكان الأقاليم، بهدف أن تأتي الانتخابات دائما في صالح جبهة تحرير شعب تيجراي.
ولكن بعد سنوات قليلة من توليه الحكم، خاض زيناوي حرباً ضد إريتريا بطول حدودها مع تيجراي، الحرب التي قطعت العلاقات بين البلدين لمدة عقود. كما لم يفعل نظام زيناوي شيئا من أجل وقف العنف بين الجماعات العرقية في جميع أنحاء إثيوبيا.
مات زيناوي عام 2012، لكن بقيت جبهة تحرير شعب تيجري في السلطة، وفي عام 2015، نظمت انتخابات رأى العديد أنها كانت مزورة، وفازت بها الجبهة بأغلبية ساحقة.
خرجت مظاهرات ضخمة عبر إثيوبيا، ورأى المزيد والمزيد في إثيوبيا إن الحكومة التي تقودها جبهة تيجراي فاسدة وغير شرعية، وأخيرا في عام 2018، اختارت الحكومة رئيس وزراء جديد، من إحدى الجماعات المضطهدة تاريخيا (عرقية الأورومو)، والذي دافع عن السلام ووحدة إثيوبيا طويلاً، ليشعر الكثير في إثيوبيا والعالم بأن عهده سيكون بداية جديدة. الشاب المفوه، آبي أحمد.
لكن أجندة آبي أحمد وضعته في الحال في صراع مع جبهة تحرير شعب تيجراي، إحدى تحركات آبي أحمد الرئيسية الأولى كرئيس للوزراء، كانت إصلاح العلاقات مع إريتريا، والتي باتت الآن عدو لجبهة تيجراي، كما بدأ في الإطاحة بمسوؤلي الجبهة الفاسدين من السلطة.
وبعد ذلك، دشن آبي ائتلافا جديدا والذي انتهى ليكون حزباً واحداً (حزب الازدهار). أرسل آبي أحمد دعوة إلى حزب جبهة تحرير شعب تيجراي للانضمام إلى الحزب الجديد، لكن دعوته قوبلت بالرفض، وانضمت إلى المعارضة.
كانت انتخابات تيجراي الإقليمية في أغسطس 2020، فرصة لحزب جبهة تحرير شعب تيجراي لإعادة بناء قوتهم، لكن آبي أحمد قرر تأجيل هذه الانتخابات بسبب وباء فيروس كورونا، على حد زعمه، وردا على ذلك، أعلنت الجبهة أنها قررت عدم الاعتراف بحكومة آبي أحمد، وإقامة الانتخابات الإقليمية، رد آبي أحمد بتقييد التمويل الفيدرالي إلى تيجراي، لترد الجبهة بالاستيلاء على قاعدة عسكرية فيدرالية. لتندلع الحرب.
والآن، تسيطر القوات الإثيوبية على الكثير من أراضي إقليم تيجراي، بالإضافة إلى غزو القوات الإريترية وسيطرتها على جزء من تيجراي. تم تهجير وقتل الآف خلال هذه الحرب، بشهادة سكان تيجراي الذين قالوا إن قوات آبي كانت تقتل المدنيين عن عمد.
آبي أحمد ليس أول رئيس وزراء يجلب الحرب إلى إثيوبيا، ما يجعل الأمر مختلفا هذه المرة، هو أنه وعد بالسلام، والمشكلة تكمن في أن رؤية آبي أحمد لإثيوبيا الموحدة لم تكن تضم الجميع، وهو ما جعله لا يختلف عن أسلافه. والآن أصبحت إثيوبيا مستقطبة ومنقسمة ومضطربة لأقصى الحدود.
وعلى صعيد أزمة سد النهضة مع مصر والسودان، أصرت إدارة آبي أحمد على التعنت في المفاوضات بدون أسباب، ما جعل الأزمة تتفاقم، تماماً مثلما فعل مع تيجراي، يجعل آبي أحمد إثيوبيا والمنطقة على صفيح ساخن، ولا يبدو أنه يكترث حتى لأكثر السيناريوهات سوداوية، من خلال استهتاره وتهوره والعبث بمصدر الحياة للشعوب من أجل أغراضه السياسية ورغبته في أن يصبح الديكتاتور الأوحد، فأزمة سد النهضة بات من الواضح أنها لا تتمحور حول تنمية إثيوبيا، بل أن السد مجرد أداة سياسية.