يعتبر العالم المسلم الكبير عبد الرحمن بن خلدون أحدث أبرز مؤرخى شمال افريقيا ومؤسس علم الاجتماع الحديثوأول من وضعه على أسسه الحديثة، وقد توصل إلى نظريات باهرة فى هذا العلم حول قوانين العمران ونظرية العصبية، وبناء الدولة وأطوار عمارها وسقوطها، وقد سبقت آراؤه ونظرياته ما توصل إليه لاحقا بعدة قرون عدد من مشاهير العلماء كالعالم الفرنسى أوجست كونت، الذى حلت ذكرى ميلاده منذ يومين التى توافق الـ 27 من مايو فى تونس عام 1332 بالدار الكائنة بنهج تربة الباى، وذكر فى موسوعته كتاب العبر المعروفة باسم "تاريخ بن خلدون" أنه من سلالة الصحابى وائل بن حجر.
وعاش عبد الرحمن بن خلدون فى مصر اكثر من 24 عاما وتوفى بها عن عمر ناهز 76 عاما إلا أن مكان مقبرته غير معروف حتى الأن على الرغم من معلومية انه دفن قرب باب النصر بشمال القاهرة، وهو ما سنحاول ان نستعرضه فى هذا التقرير .
فى الاونة الاخيرة وتحديدا فى شهر أبريل الماضى طالب تونسيون الرئيس قيس سعيّد باستغلال واستثمار زيارته إلى مصر، من أجل المطالبة بالتحري والبحث للكشف عن مكان قبر عالم الاجتماع التونسي الشهير عبدالرحمن بن خلدون، المدفون في إحدى المقابر المصرية، من أجل استعادة رفاته وإعادة دفنه في موطنه، وذلك بسبب ما لدى ابن خلدون من رمزية كبيرة لدى التونسيين، حيث يعد تمثاله الذي يتوسط شارع الحبيب بورقيبة حاملا بين يديه كتاب "المقدمة"، أحد أبرز المعالم التذكارية في تونس العاصمة، كما بدأت السلطات التونسية مشروعا لتحويل منزله الذي يقع على بعد أمتار قليلة من جامع الزيتونة بالمدينة العتيقة، إلى متحف للزوار، لكن غياب قبره ورفاته بمثابة جرح لدى التونسيين والمصريين والمهتمين بعلمه وما قدمه على حد سواء .
أمضى ابن خدلون 24 عاما من حياته فى مصر، وهى المرحلة الأهم فى حياته العلمية والثقافية، وأثرى العالم بكتاباته وعلمه وتأريخه للأحداث، عاش وشغل العالم، لكن انتهى به المطاف دون معرفة هوية قبره الذى أصبح ضائعا بين قبور القاهرة الإسلامية ، فالثابت لدى المؤرخين أن قبره فى مصر بمنطقة مقابر الصوفية فى باب النصر، ولكن ليس معلوما بالتحديد فى أى هذه القبور يرقد رفات "ابن خلدون".
ومايزيد الامر تعقيدا فى عملية البحث عن القبر المفقود انه فى عام 2002 تم توسعة الشارع الموازى لمقابر الصوفية فى باب النصر والتى دفن فيها ابن خلدون، مشيرا إلى أنه تم اقتطاع جزء من المقابر لصالح الطريق، وهناك روايات تقول إنه ربما تكون مقبرة ابن خلدون في الجزء الذي تم اقتطاعه .
كانت هناك محاولات سابقة و مخاطبات رسمية من الكاتب الكبير يوسف القعيد بحكم موقعه كنائب برلمانى لمعرفة وتحديد مكان مقبرة ابن خلدون وهى المحاولات التى سردها "القعيد" فى مقال له برجيدة الاهرام وقال فيها "بتاريخ 11/11/2017 قدمت للأستاذ الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب طلب إحاطة عاجلا. أرسله لرئيس الوزراء، المهندس شريف إسماعيل، وتم تحويله لوزير الآثار، الدكتور خالد العناني، أتساءل عن مكان قبر ابن خلدون، حتى جاء رد وزارة الآثار فى 30 صفحة من القطع الكبير مزود بـ 20 صفحة للمعلومات والصور والخرائط .
ويضيف القعيد: " عبد الرحمن بن خلدون، مؤسس علم الاجتماع ومكتشفه بالنسبة للدنيا مات بالقاهرة، ودفن بها، وعندما زرت تونس والمغرب وإسبانيا، سألنى الجميع عن المكان الذى دفن فيه ابن خلدون، فمن المؤكد أنه مات بمصر. ومن المعروف ميلاده فى 27 مايو 1323 بتونس، ووفاته فى 19 مارس 1406 بالقاهرة.ابن خلدون صاحب المقدمة التى كانت فتحا فى زمانها وما زالت حتى الآن، وضعت البشرية على الطريق الصحيح لاكتشاف ما قال عنه الغرب: علم الاجتماع البشري، ومن الثابت وفاته بمصر، وبعض كتب المؤرخين تذهب إلى أنه دفن فى قرافة ومقابر باب النصر، ولأنه حدثت حالة من الإهمال الشديد لضريحه، فلم يتعرف إليه أحد، فلم لا تقوم وزارة الآثار بعمل بحث ميدانى ومسح شامل للتوصل لقبره؟ وفى حال نجاح مصر فى تحديد مكان دفنه، سيصبح مزاراً سياحياً مهماً، وقد يكون نواة لإنشاء مؤسسة تحمل اسم الرجل وتقدم فكره للدنيا، خصوصاً أن عطاءه المكتوب كتبه بعد أن أتى إلى مصر واستقر بها، وظل بها إلى أن وافاه الأجل. ومع شكرى للدكتور خالد العناني، وزير الآثار، والفريق المعاون له. الذى بحث الأمر وأولاه اهتمامه الشديد ولمن كتبوا الرد: رانيا موسى الشيوي، مدير القصور. إبراهيم عبد الفتاح، مفتش الآثار. نجوى محمد أحمد، مدير مركز تسجيل الآثار. وعادل زيادة، المشرف على المراكز البحثية.
وجاء الرد بحسب مقال الكاتب الكبير يوسف القعيد: "لا يوجد فى الوقت الحالي. وبالشيء المادى الملموس وجود لحوش الصوفية حتى اللحظة الحالية فوق سطح الأرض. ولم يتيسر لنا بالإمكانات المتاحة العثور على شاهد قبر أو ضريح أو مكان محدد بحدود معينة. فقد مر زمان اختلفت فيه طبقات الأرض. وكثرة مريدى هذه المقابر ما بين زوار وساكنين ومدفونين وسارقين ونابشين للقبور. ولكن هذا لا يعنى فقد حوش الصوفية الذى أكدت المصادر التاريخية وجوده. وإن عجزت الآلة الأثرية المادية الملموسة على إثباته. وقمنا بالدليل والبرهان والحجة والبحث الميدانى فى محاولة تقديم صورة واضحة عن اجتهادنا فى محاولة استبيان مكان الحوش والتحديد التصورى لمكان ضريح ابن خلدون، وذلك من خلال المراجع والمصادر والخرائط القديمة والحديثة التى استطعنا الوصول إليها، وبالفعل حددناها تقريباً فى وسط جبَّانة باب النصر. شمال قبة الشيخ يونس. وجنوب شرق قبة سيدى نجم الدين، وامتدادهما شرقاً حتى الإدارة العامة للأمن المركزي. أوضحنا الأسباب والملابسات. ولكن يبقى هذا التحديد موضع اقتراح ينقصه المسح الأثرى للمنطقة. واستخدام أجهزة حديثة لعمل مجسات حفر فى طبقات التربة، حيث ارتفاع مستوى الطريق عن سابقة.
لتبقى مقبرة العالم الكبير ابن خلدون مجهولة الموقع حتى الأن ، رغم تحديد المنطقة التى تقع بها المقبرة، خاصة انه مكث بمصر ما يناهز ربع قرن حيث توفي عام 1406م عن عمر بلغ ستة وسبعين عامًا وتم دفنه قرب باب النصر، بعد أن اعتزل ابن خلدون الحياة بعد تجارب مليئة بالصراعات والأحزان على فقد الأعزاء، من أبويه وكثيرٍ من شيوخه إثر وباء الطاعون الذي انتشر في جميع أنحاء العالم سنة 1348م.
فرحم الله العالم الكبير ابن خلدون الذى عدد المؤرخون له عددا من المصنفات في التاريخ والحساب والمنطق غير أن أشهر كتبه كتاب "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" في سبعة مجلدات أولها المقدمة المشهورة بـ"مقدمة ابن خلدون".