قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء ، إن بيت المقدس هو المسجد الأقصى، وأنبأنا تعالى أنه قد بارك فيما حوله، أنبأنا الله سبحانه وتعالى أنه مسرى رسول الله ﷺ، وكان أولى القبلتين، وأصبح ثالث الحرمين، وجعل النبي ﷺ الصلاة في مكة بمائة ألف صلاة، وفي المدينة بألف، وفي بيت المقدس بخمسمائة صلاة، وقال ﷺ: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مكة، والمدينة، والمسجد الأقصى» هذه المدينة كيلو متر في كيلو ونصف، فمساحتها كيلو ونصف مربع بقعةٌ صغيرة، لكن الأمر هنا ليس بالكم، بل بنظر الله سبحانه وتعالى إليها، فقد فضّل الأزمان بعضها على بعض، وجعل ليلة القدر خير ليالي السنة، والعشر الأوائل من ذي الحجة خير أيام السنة، وفضّل الأشخاص على بعض ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [البقرة:253]، حتى درجة الرسالة والنبوة فضّل الله بها أشخاصٍ على أشخاص، فضّل الله أشخاص على أشخاص، وأزمانًا على أزمان، وأماكن على أماكن، ومن مفضلات الأماكن هذه البقعة الطاهرة.
وأضاف جمعة عبر الفيسبوك: جاء الأمريكي فريدمن من أجل أن يقول إن كل شيءٍ في العالم له ثمن، والعبرة أن تعرف ثمنه، وكما نقول في العامية «من عرف دية رجلٍ قتله ودفع الدية»، ولكن هذه النظرية الخائبة، والتي أخذ عليها جائزة نوبل لا تصلح معنا، فالقدس لا تباع ولا تشترى، ولا يساوم عليها بسياسةٍ طاهرةٍ أو بسياسةٍ نجسة، #القدس في قلوب كل المسلمين، وإذا أراد العالم سلامًا فلابد أن يكون مبنيًا على رد الحقوق إلى أصحابها، وإلا فلا سلام، ليس لأننا لا نحب السلام، فديننا اسمه الإسلام من السلام، وتحيتنا هي السلام، ونُنهي صلاتنا بالسلام عليكم، نُسلّم على العالم، وعلى من بجوارنا، حتى إنا ونحن منفردين نُسلّم على الملائكة، والجنة اسمها دار السلام.
وأوضح: لا يزايد عليها أحدٌ في رغبتنا للسلام، لكن القدس مدينةٌ عربية أنشأها اليبوسيون من ستة آلاف سنة قبل سيدنا إبراهيم، وقبل العبرانيين، وقبل سيدنا موسى بمئات السنين، فهى من حق العرب، ولما دخل العرب مرةً أخرى مدينة القدس فإن سيدنا عمر بن الخطاب كتب وثيقةً، وعهدًا عُمريًا للمسيحيين بها، هذا العهد يُبيّن لكم تاريخكم، ويُبيّن لكم أنه يجب عليكم أن تعتزوا بإسلامكم، وأن ترفعوا رؤوسكم هكذا عاليًا في العالمين، وأن تسجدوا لرب العالمين فتشكروه أن هداكم إلى الإسلام، بالليل والنهار قولوا: «الحمد لله الذي جعلنا مسلمين»، نعم دينٌ تفخر به، دينٌ تعلو به، فالإسلام يعلو ولا يُعلى عليه.
وتابع: دخل عمر وهو يقود ناقته، وخادمه يركب الناقة، فقال سفرنيوس مطران القدس: «أين عمر الواقف أو الراكب؟» يعني معنى هذا أنه لم يكن يلبس شيئًا يُميّزه في الفخامة وهو خليفة المسلمين، وهو المنتصر على الرومان، وعلى الفرس، وعلى المشركين، دخل فسأل سفرنيوس: «من عمر؟» قالوا له: «عمر الذي يُمسك بخطام الناقة، وخادمه الذي يجلس عليها»، فبكى قالوا: «لم تبكِ؟» قال: «هكذا مكتوبٌ عندنا في الكتب، أن خليفة المسلمين عندما يأتي لفتح بيت المقدس سيكون مُمسكًا بخطام ناقته وعليها خادمه»، ماذا يعني هذا؟ أن هذا من عند الله، ويعني أن عمر والخادم قد تساويا، ويعني أن سيدنا عمر الدنيا في يده وليست في قلبه، ويعني أن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه معينٌ لا ينضب في تعليمنا، وإلى يوم الدين كيف نُسير في حياتنا، وكيف نُقيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين القوي والضعيف، وبين الخادم والمخدوم، وبين العامل وصاحب العمل، وأن كل ذلك قد بُني في الإسلام على الرحمة، «إنما بُعثت رحمةً مهداة» ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107].