حالة من الصدمة والحزن الشديدين سيطرا على مصور فلسطيني خرج على متابعه بفيديو لم تتعدى مدته الدقيقة يحكى فيه أنه فوجىء بدخول جثتي أخويه «أحمد ويوسف» عليه أثناء قيامه بعمله وتصويره للمصابيين وجثث الشهداء في المستشفي الأندونيسي شمال قطاع غزة إثر الغارات الإسرائليلية على القطاع الفلسطيني.
ولم يكن هذا الخبر هو الألم الأول الذي يعتصر قلب الشاب الفلسطيني صاحب الـ 24 عامًا والذي لم يمر على زواجه شهور بسيطة حيث فقد جنينه الأول على إثر الأحداث الأليمة التي تشهدها فلسطين على يد العدوان الإسرائيلي واصفًا هذه الليلة بأنها لم تكن ليلة عادية، فكانت بألف ليلة، والساعة فيها دهر، والدقيقة فيها عمر، والثانية فيها سنين عجاف.
وكتب المصور محمد المنسي على صفحته الرسمية بموقع «فيسبوك»: «تعودنا على رشقات الصواريخ على رؤوسنا لكن لم نرى مثل زخات الصواريخ التي أطلقت تجاهنا أمس صوت الإنفجارات وصراخ عائلتي لم ينقطع وإهتزاز البيوت لم يتوقف، عاصرت ثلاثة حروب من قبل لكن مثل هذه الحرب لم أرى قطعاً، أمسك أمي بيدي اليمنى وزوجتي الحامل بيدي اليسرى ، وهم يبكون ويصرخون بشكل هستيري أشهد ان لا اله الا الله وأشهد أن محمد رسول الله…».
«نحن نترقب الموت في كل لحظة كنا نشاهد الموت بأم أعينن».. بهذه الكلمات وصف المصور الفلسطيني محمد المنسي محاولته بكل طاقته تهدئة عائلته والسيطرة على حالة الفزع الموجودة في منزلهم، منوهًا أنه بشكل مفاجىء أثناء الصراخ المتزايد وقعت والدته على الأرض وانهارت أعصابها بسبب صراخ أطفال ونساء أسرتهم ، مبينًا أنه ركض كالبرق يحضر لها زجاجة ماء لكي يرويها ويغسل وجهها آملاً من الله - عز وجل0-أن تتحسن ، وبحمد الله أفاقت وتعافت.
ولم تمر لحظات حتي شعرت زوجته الحامل بلآلم شديدة في بطنها حيث توقف بي الزمن خوفاً من أن نكون قد فقدنا الجنين، ومع الأسف فقدنا الجنين والحزن يعتصر قَلْبَْيْنَا كان من المفترض أن يكون بكري (أول ذريتي) لكن الإيمان بقضاء الله وقدره كان يواسينا ويطبطب على قلبينا ، نحمد الله على منه وكرمه نحمد الله على أن سلمنا ونجانا من هذا القصف الفتاك، وأسأل الله أن يبدلني خيراً منه ليخدم وطنه وقضيته.
جمع محمد شتات نفسه وكتب ما حدث معه كما سبق لكن لم تمر ساعات حتي خرج بفيديو أوجع قلوب الملايين ممن شاهدوته على مواقع التواصل الاجتماعي وتداوله بشكل واسع، حيث ظهر في الفيديو وهو يردد: « يا جماعة بصور ناس وإصابات وشهداء دخلوا عليه اخوتي اتنين شهداء.. جت الضربة في أهلي.. احمد ويوسف الله يرحهمهم.. ادعولهم».
دقائق قليلة وظهر فيديو آخر لوالدة الشابين أحمد ويوسف المنسي وهي تصرخ بحرقة من أمام جثة ابنها الشهيد «يوسف» بالتحديد، قائلةً: « يا حبيبي قلتلك تطلعش ياحبيبي قتلووك»، وكان من أبرز التعلقيات على الفيديو: « هذا هو حال أم الشهداء أحمد ويوسف المنسي، كيف لنا أن نُقنعها أنهما استشهدا ولن يعودا ؟ كيف لنا أن نُفسر لها أن ابنيها هما قربانِ في طريق الحرية ؟ أي رثاء ممكن أن يُكتب ليُخفف لهيب دموعها المتحرقة ؟ أي تعويض سنتمناه لها ؟ أي مواساة سنقدمها ؟ابكي واصرخي واغضبي …فلا يوجد ما يُواسي ألمك ووجعك، ولا يوجد ما يُعوض حرمانك وفقدانك، يبقى الإيمان بعدلِ ما فوق هذه الأرض في سماء سنلحق إليها هو الرجاء».
وقال الدكتور أنس أبو عليش، أحد أقارب الشهيديين في تصريح لموقع «صدى البلد» أن الأخويين يوسف وأحمد خرجا ليطمئنا على أخيهم محمد المنسي والذي يعمل مصور صحفي متنقل بشكل أساسي بين المستشفي الأندونيسي شمال قطاع غزة والمسجد القريب منها رغم تحذير أفراد عائلتهم خاصة والدتهم من خطورة الخروج في هذا الوقت، لكنهما أصر على الاطمئنان على أخيهم وحال المواطنين بالخارج معًا ليتلقوا قدرتهم بعدما قصف المسجد بالشهادة.
وأوضح الطبيب الفلسطيني أن المصور محمد المنسي خريج كلية الإعلام بجامعة الأزهر ويحترف مهنة التصوير منذ 7 سنوات تقريبًا، كما أنشا له قناة على اليويوب يشارك فيها متابعيه يوميات له وتحديات مع عائلته.
وكان آخر ما كتبه أخوه الشهيد يوسف المنسي على صفحته الرسمية بموقع «فيسبوك» منذ ساعات قليلة : « ربما تكون هذه ساعاتنا الأخيرة، ربما فالغارات القادمة نكون نحن شهداء، فمن يحمل في قلبه شيئاً منا ف واللّٰه ما هو إلا سهواً فسامحونا، فأشهد أن لا إله إلا اللّٰه وأشهد أن محمداً رسول الله، سامحونا : يا مرحبا بلقاء الله».