محمد محق سفير جمهورية أفغانستان الإسلامية في القاهرة:
* نسبة قليلة تؤيد طالبان في الشارع الأفغاني ومن تقديري هم لا يتجاوزن الـ 10 %
*حرب نفسية ونشر ذعر في البلد يديرها طالبان
*وقوع كابول في قبضة طالبان مستبعد إلی حد کبیر
في حدث يتابعه العالم عن كثب، تنسحب القوات الأمريكية والناتو وجيشي بريطانيا وألمانيا من أفغانستان بعد تواجد استمر لـ 20 عاما، حيث جاء قرار الإنسحاب تنفيذا لاتفاقية امريكية افغانية وبدأت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" رسميًا سحب آخر قواتهما من أفغانستان.
ولكن يبقى السؤال، ماذا بعد الانسحاب؟ وما أبرز عواقب ومميزات التواجد الأمريكي على مدار الـ20 عاما؟ وكيف يرى الشارع الأفغاني هذه التطورات؟، كشف محمد محق سفير جمهورية أفغانستان الإسلامية في القاهرة في حواره لـ "صدى البلد" كافة التفاصيل وإلى نص الحوار..
ما تعليقك على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان؟
تواجد القوات الدولية في أفغانستان على رأسها الولايات المتحدة وبجانبها القوات التابعة إليها مثل الناتو وبعض القوات الحليفة لهم جاء بناء على مبدأين، الأول قرار مجلس الأمن للأمم المتحدة بعد أحداث سبتمبر أي إنه قرار دولى، والمبدأ الثاني هو موافقة الجهات السياسية الأفغانية المعادية لطالبان في ذلك الوقت حيث كانت هذه الجهات تحت مظلة دولة أفغانستان الاسلامية برئاسة برهان الدين رباني وكان معترف به كرئيس الجمهورية الرسمية عند العالم ومنها عند الأمم المتحدة إلا 3 بلاد هم باكستان والسعودية والإمارات كانت تعتبر طالبان حكومة شرعية لذلك التواجد الأمريكي في أفغانستان لم يكن احتلالا بل كان طلبا من الافغان وموافقة منهم بالإضافة إلى قرار دولي.
هل يتشابه سيناريو العراق مع سيناريو أفغانستان؟
في العالم العربي غالبا يشبهون ملف العراق بملف أفغانستان ولكن هذا غير صحيح.
الرئيس أوباما عندما جاء الي القاهرة وألقى كلمته أشار إلى أن في القضية العراقية لم يكن هناك اتفاقا مع التواجد الامريكي انذاك ولكن في القضية الأفغانية كان هناك اتفاق دولي لذلك كل الجهات دون طالبان كانوا يرحبون بالتواجد الأمريكي ولم يكن للولايات المتحدة القدرة على اسقاط طالبان إلا بتعاون الأفغان أنفسهم لذلك هذا هو السر وراء سقوط طالبان بشكل سريع وفي غضون شهر.
أتذكر أن الناس في الشارع الأفغاني كانوا يرقصون فرحا بضرب الولايات المتحدة لطالبان وكانوا يعتبرونها تحريرا لأفغانستان.
لماذا لم يدعم الشعب الأفغاني رئيسه ضد طالبان في البداية بدلا من اللجوء الدولي؟
في ذلك الوقت كان الشعب قد خرج من حربين هم حرب الاتحاد السوفيتي التي دمرت البنية التحتية لأفغانستان والثانية هي الحرب الأهلية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط الحكومة الموالية له فالشعب في ذلك الحين كان يعاني من دمار اقتصادي واحتلال وتفكك للحكومة وانهيار المؤسسات فالشعب كان منهك ولم يتمكن من محاربة طالبان
هل طالبان وجيش باكستان وجهان لعملة واحدة؟
طالبان هم مجموعة متوحشة لا يعرفون ولا يعترفون بأي أمر إنساني في العالم.
طالبان كانت مدعومة في بدايتها، فی منتصف التسعينات الی قبیل احداث سبتمبر ۲۰۰۱، مباشرا بدعم مادي ضخم من السعودية والإمارات المتحدة والجيش الباكستاني فنحن لم نكن نحارب طالبان فقط فهي كانت بمثابة وجها للجيش الباكستاني، والجيش الباكستاني جيش قوي ودخل باسم وتحت غطاء طالبان الي الأراضي الأفغانية فهم من يقودون الحرب، فعند إلقاء القبض على بعض القيادات المیدانیة لطالبان كنا نجدهم ضباط باكستانيين فحركة طالبان في أساسها أفراد ريفيين من الأراضي الأفغانية ولم تكن تقدر على كل هذه الحروب دون الدعم الكبير من الجيش الباكستاني فنحن في الحقيقة كنا نقاتل 3 قوى الجيش الباكستاني وطالبان الافغاني والجماعات الارهابية الدولية ففي ظل هذا الوضع كان من الصعب على شعب منهك عاش 20 سنة تحت الحروب لم يكن بامكانه المقاومة
رفض العالم الاعتراف بطالبان لأنها كانت ترفض الاعتراف بالمواثيق الدولية سواء حقوق الانسان وحقوق المراة وحقوق الأقليات وجميع ما جاء في المواثيق الدولية.
هل ستقع كابول في قبضة طالبان بعد الإنسحاب الأمريكي؟
وقوع كابول في قبضة طالبان مستبعد إلى حد کبیر، خاصة إن المجتمع الدولي سيتدخل في حالة ممارسة طالبان أعمالها ونشاطاتها الإرهابية بجانب إن أكثر من 90% من الشعب الأفغاني يعارض وجود طالبان.
هل الانسحاب الأمريكي سيؤثر على الجيش الأفغاني؟
جميع القوات الدولية الموجودة على أراضينا أقل من 10 آلاف والقوات الأفغانية 350 ألف جندي وهم يحاربون طالبان وليس القوات الدولية وحدها فالقوات الأمريكية والناتو وغيرها هم بضعة آلاف يدربون جنودنا وينسقون بعض التنسيقات والدعم اللوجيستي لان الحرب مكلفة ومجهدة فالحرب قائمة على الجيش الأفغاني فهذه بضعة الالاف عندما تنفصل رمزيا لها صدى وتاثير نفسي على البلد والشعب بانسحاب المجتمع الدولي من المشهد لكن هذا ليس معناه تغيير في توازن القوى على الأرض خصوصا إن الولايات المتحدة وكافة حلفاؤنا من مصر والامارات والسعودية جميعهم موافقون على استمرار مؤسسات الدولة ودور الجيش والشرطة وغيرها
أين تتمركز طالبان الآن؟
طالبان لم تتمكن من الاستيلاء على أي محافظة فهم متواجدون في أفغانستان بشكل متفرق لحرب عصابات منذ نشأتهم، لم يتمكنوا من الاستيلاء على محافظة واحدة بأكملها، أقصى مدة تمكنوا فيها من السيطرة على إحدى المحافظات كانت لأسبوع فقط، و لمرة واحدة فقط، فالحكومة مسيطرة على جميع المحافظات والمؤسسات.
ماذا عن الدعم المادي للجيش بعد الإنسحاب؟
حلفائنا الدوليين وعدونا بالاستمرار في الدعم المالي واللوجيستي لأن الجانب المالي مكلف جدا فهي أكبر حرب ضد الإرهاب في العالم.
لا يوجد في أي بلد في العالم هذا الحجم من الحرب ضد الإرهاب فنحن نشكر الجيش المصري لدوره في المنطقة لكبت وقمع الإرهابيين في سيناء ولكن مقارنة بأفغانستان فالعدد قليل جدا حيث أن هناك أكثر من 50 ألف مقاتل إرهابي في أفغانستان، فالحرب ضد الإرهاب في أفغانستان أكبر حرب ضد الإرهاب في العالم ولهذا يكلفنا إنسانيا وماديا حيث تبلغ تكلفة الحرب أكثر من 4 مليارات دولار سنويا، جزءه من جيب الشعب وموارد البلد وجزءه من الدعم الدولي، الولايات المتحدة والناتو وغيرها من البلاد وعدونا باستمرار دعم الجيش الافغاني تمويلا ولوجيستيا.
هل الإنسحاب الأمريكي سيصب في مصلحة إيران؟
عموما انسحاب القوات الدولية من أي موقف متأزم يسبب نشوب فراغ كبير يعطي فرصة للقوی الإقلیمیة للتدخل لملء هذا الفراغ فمن الطبيعي ان الفراغ الذي ستخلقه انسجام قوات الولايات المتحدة سيزيد من قوة وفرصة الإقليميين
كمواطن أفغاني، هل ترى أن الإنسحاب الأمريكي يصب في مصلحة المواطن؟
رأيي الشخصي إن الإنسحاب فی هذا الوقت و بهذا الشکل ليس فی صالحنا حيث جاء الإنسحاب في فترة غير مستقرة وكنا نفضل ان يكون في وقت متأخر من الآن بعد ان تتضح الصورة السياسية إما المصالحة مع طالبان او هزيمتهم بشكل بارز على الساحة.
ولكن على المستوى البعيد هذا يمثل تحدى لنا لإستعادة قوتنا حيث ان اعتماد الجيش الافغاني على قوى اخرى يدفعه لعدم الاستعداد لذلك فان الانسحاب الأمريكي يدفع الجيش الافغاني للاعتماد على قدراته واستعادة قوته.
ما رأي الشارع الأفغاني في الانسحاب؟
في الشارع الأفغاني تباينت الآراء، هناك نسبة من الشارع لهم دور متفرج و لا يهمهم، وهؤلاء فئة لم تنتفع من التنمية والتطورات في ال 20 سنة الأخيرة فالتنمية في البلاد التي تعاني من الحروب عادة لا تكون ملموسة للجميع فتكون لبعض الطبقات. لکن أغلبیة الشعب تشعر بالقلق من عودة الطالبان إلی الساحة.
ماذا حقق التواجد الأمريكي في الـ 20 عام؟
الولایات المتحدة دعمت الحکومة و الشعب الافغانی خلال هذین العقدین فی مجالات شتی، والحكومة الحالية في الـ 20 سنة الأخيرة لها إنجازات كبيرة إنسانية في الديمقراطية وحرية الرأي وحرية النشاط الاجتماعي والسياسي فعندما كانت طالبان في الحكم لم يكن هناك قناة تلفزيونية واحدة، كان هناك راديو حكومي واحد فقط باسم صوت الشريعة لكن الآن لدينا أكثر من 50 قناة تلفزيونية وأكثر من 150 محطة إذاعية ومئات من مؤسسات المجتمع المدني وعشرات المئات من الجامعات الخاصة، ملايين البنات اللواتي كانوا محرومين من الدراسة الان اصبحوا نواب في البرلمان ووزراء في مجلس الوزراء حيث ان خمس نواب البرلمان من السيدات فالتقدم التي شهدته افغانستان في مجال المرأة وحرية الرأي لم تشهد اي دولة جارة لنا من ايران او باكستان بالاضافة الي ان افغانستان ليس لديها صحفي واحد في السجون.
ما رد فعل طالبان في الأيام الحالية؟
هناك حرب نفسية ونشر ذعر في البلد يديرها طالبان في الشارع الأفغاني حاليا.
طالبان معروفة بعدم إنسانيتها فعندما تستولى على مديرية او قرية يبدأوا بتعذيب الناس وضربهم اذا حلقوا لحيتهم وكذلك المراة الغير منقبة او محجبة حتي انهم ينذرون اصحاب محلات الحلاقة "لا تحلقوا لحية الناس وإلا نحن سنعذبكم"
هل هناك مؤيدين لطالبان في الشارع الأفغاني؟
يوجد نسبة قليلة تؤيد طالبان في الشارع الافغاني ومن تقديري هم لا يتجاوزن الـ 10 % هم من البدو والارياف نتيجة للنسيج الثقافي المتقارب مع طالبان ولكن معظم الشعب في المدن يرفضون طالبان ولذلك نجد طالبان تخشى خوض الانتخابات لانها تعرف ان المؤيدين لها فئة ضعيفة للغاية فكلمة الانتخابات بالنسبة لهم كابوس
ما عواقب الوجود الأمريكي؟
نفسيا سبب نوع من الاتكالية عند الافغان بإن هناك أحد يحارب عنهم بالاضافة الي ان دعم المشروعات التنموية كان متشتت فكان لكل دولة دعم قطاع ما دون رؤية قومية مكتملة مما سبب في خلق فساد لعدم تمركز التنمية
هل تتوقع عودة القوات الأمريكية الي أفغانستان مرة اخرى؟
يبدو للمراقبين أن هناک عدم وضوح لدى الولايات المتحدة على المستوى الإستراتيجي بالنسبة لدورهم العالمي والتقبل بمسئولياتها کأکبر قوة فی العالم، فمن الصعب التنبؤ بالعودة او لا ولكن ذلك تابع للمتغيرات على الاراضي الأفغانية فهم لوحوا بالموضوع انه اذا كانت هنالک مؤشرات تدل على ان طالبان والقاعدة وداعش وغيرهم كان لهم نشاطات جديدة يهدد الدول فإنها ستتدخل فورا فهناك احتمالات كثيرة متاحة على الساحة في هذه الفترة ففي الأغلب إن عادت طالبان للساحة سيتبعها التدخل الأمريكي او القوات الدولیة مرة اخرى تعاونا مع الجیش الافغانی نظرا بوجود اتفاقیات بهذا الخصوص.