بعد عقود من الفن والإبداع، بلغت ٥٥ عاماً على أرض قنا، توقفت آلات ومعدات مصنع خزف جراجوس عن العمل، بعد نزاعات وخلافات على ملكية و إدارة المكان بين الفنانين المسئولين عن إدارة المصنع و مطرانية الأقباط الكاثوليك صاحبة الأرض.
النزاع الذى بدأ فى ٢٠١٨ بعد توقيع بروتوكول بين إدارة مصنع خزف جراجوس و غرفة الحرف اليدوية بالقاهرة، وصل إلى أروقة المحاكم، لتتحول المنتجات التى أبهرت العالم هى الضحية.
خزف جراجوس، ليس مجرد مصنع لإنتاج قطع فنية هى الأولى على مستوى الجمهورية، لكنه كان و مازال بمثابة مدرسة لتعليم حرفة الخزف للشباب والفتيات، و ملتقى ثقافى فنى للمشاهير والمبدعين، من شتى أنحاء العالم.
قصة المصنع العريق بدأت فى منتصف القرن العشرين، على يد الراهب الفرنسي ستيفان ديمون، عندما قرر إدخال نشاط آخر بجوار حرفة الزراعة التى كانت الوحيدة لأهالى قرية جراجوس التابعة لمركز قوص، فبدأ إنشاء مصنع للخزف، فى العام ١٩٦٦ بتصميم وإبداع من الفنان و المهندس المعمارى حسن فتحى، والذى صممه بنظام القباب ليتحمل حرارة الجو القاسية بصعيد مصر أثناء العمل.
بعد فترة من إنشاء المصنع ورواج منتجاته بين السائحين، ذاع صيته ليصبح منتجا عالميا له اسمه المميز فى مختلف بلدان العالم بفضل جودة و تميز منتجاته، وتحول المصنع إلى واحداً من أهم معالم محافظة قنا.
و بعد رحيل الجالية الفرنسية التى كانت تدير المصنع، أحيلت مسؤولية المصنع للعمال الموجودين بالمصنع البالغ عددهم 9 أفراد وتولوا الاهتمام به واستكمال العمل، و إشهار المصنع كشركة مصرية لاستكمال الإجراءات الحكومية و التأمينية.
شهد مصنع خزف جراجوس، زيارات هامة لشخصيات محلية و دولية، أبرزها زيارة ملك وملكة السويد عام 1986، الشيخ الطيب، أحمد شفيق وزير الطيران الأسبق، فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، ممدوح البلتاجى وزير الإعلام الأسبق، الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودى وعائلته، الفنانة فاتن حمامة، الشاعر صلاح جاهين، و الكثير من الأدباء والمثقفين.
وقال الفنان التشكيلى فواز سيدهم سيفين"أحد المؤسسين"، كانت بداية المصنع لتعليم الأهالي حرفة وصناعة جديدة بجوار الزراعة التى كانت تعتمد عليها المنطقة بشكل رئيسى، و أنشىء المصنع بطابع ميزه عن غيره من المصانع التى تعمل بصناعة الخزف، فمن يعملون هنا بدرجة فنانين محترفين، حيث يعتمد المصنع على خامة تسمى" الطين الأحمر " لا يتم خلطها بأي مواد أخرى بالإضافة إلى أن تشكيل رسومات معينة تسمى منتجات جراجوس لا ينافسهم فيها أحد.
و تابع سيفين، الأزمة بدأت بعد عمل برتوكول تعاون مع غرفة الحرف اليدوية بالقاهرة فى ٢٠١٨ لتدريب ٢٥ شاب وفتاة، من أبناء المنطقة، حيث اعترضت مطرانية الأقباط الكاثوليك، على هذا الأمر، ودخلنا فى نزاعات منذ هذا التاريخ، رغم أن المصنع كان ملكاً فى البداية للاباء الجزويت و كان تحت إدارة الجالية الفرنسية فترة، والمطرانية ليس لها إلا الأرض والمبنى فقط، لكن ما بداخلها ملك لنا، فنحن من أحضروا المعدات والخامات.
و أضاف اسحاق يوسف، فنان تشكيلى، حاليا العمل توقف وكل الأسر التى كانت تعتمد على المصنع منذ سنوات طويلة أصبحت بلا عمل، رغم أحقيتنا وملكيتنا للمصنع، وهو ما يهدد بإهدار قيمة تراثية عظيمة ظلت تعمل فى هدوء لأكثر من نصف قرن من الزمان.
و أشار يوسف، إلى أن هناك قضايا متداولة فى المحكمة بالقاهرة، صدر الحكم الأول لصالحنا، لكن فى الاستئناف تم الحكم لصالح مطرانية الأقصر، وقدمنا حالياً التماس إلا أن المطرانية لم تنتظر واقتحمت المكان بما فيه، لذلك نطالب بتدخل الجهات المعنية للحفاظ على هذا المكان العريق.