ابتليت الأمة بشرذمة في القديم والحديث،حيث فهمت الإسلام فهماً خاطئاً وحملت آيات القرآن الكريم ما لا تحتمل حيث تعثفت في تأويلها تأويلاً فاسداً لا يدل عليه السياق القرآني ولا يستند إلى قاعدة شرعية صحيحة ولا يعتمد على قانون لغةٍ سديد.
تقولت هذه الطائفة المتطرفة، على الله تعالى زوراً وبهتاناً وحكمت على مراد الله من كلامه حكماً أبعد ما يكون عن الصواب ظانين بهذا الفهم السقيم وهذا التمحل أنهم يملكون ناصية الدين وأنهم حُماته والأوصياء على الشرع.
تحذير النبي من هذه الطائفة
حذر النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح الذي بين فيه أنهم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم يقرأون القرآن لا يتجاوز حناجرهم مفتونةٌ قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وهؤلاء هم الخوارج في القديم.
ولقد نبتت نابتة سوء في العصر الحديث وهم خوارج هذا العصر سلكوا مسلك القدماء ورفعوا راية الإسلام زوراً وبهتاناً وعاثوا في الأرض فساداً ووصفوا المجتمعات بالجاهلية وحكموا على شعوبها وحكامها بالكفر فشوهوا صورة الإسلام السمحة وإستغلهم أعداء الأوطان فجندوهم لتخريب الأوطان فقاموا بتكفير المجتمع وإستحلال أمواله وأعراضه واستباحة دماء من فيه ولم تسلم منهم المجتمعات العربية والإٍسلامية فضلاً عن الإنسانية حيث إكتوى جميع العالم بنيران تطرفهم وغلوهم وتشددهمز
وقال الدكتور عبد الفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، إن الذي يقرأ أدبياتهم أو يستمع إلى خطبهم ودروسهم أو يطلع على مقالاتهم التي ينشرونها في سائر مواقع التواصل الإجتماعي قاصدين من وراء ذلك تجنيد الشباب والشابات بإسم الدين والدين من أفعالهم براء والمتآمل في كل ما ورد عنهم لو عُرِضَ على ضوابط التأويل الصحيح وقواعد الشرع ومقاصده وقوانين اللغة وأساليبها لوجد كلامهم ساقطاً عن درجة الإعتبار بالكلية لكنه قد ينطلي على صغار السن وأنصاف المثقفين لكونهم يستغلون عند هؤلاء وهؤلاء العاطفة الدينية .
آيات أخطأ في فهمها المتطرفون
وأكد العواري، أنهم يزعمون أن جميع آيات الموادعة والصفح والعفو والأمن والسلام منسوخةٌ بآية السيف وهذا زعمٌ باطل ودعوة لا برهان عليها بل الذي أجمع عليه العلماء سلفاً وخلفاً من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن آيات العفو والصفح والسلام محكمة لا نسخ فيها.
وأضاف، أن السلام هو القاعدة الكلية وأما الحرب فهو إستثناء شرعه الله لعباده من أجل دفع عدوان المعتدي وحماية الأوطان والمواطنين وتأمين طريق الدعوة إلى الله كي يكون الداعي والمدعو في أمن وسلام . وحق الدفاع عن النفس والأوطان أقرته جميع القوانين الدولية فهؤلاء تراهم لجهلهم لا يفرقون بين آيات القتال وآيات الجهاد مثلا بل يخلطون المفاهيم.
وتابع: إنما التأويل الصحيح أن آيات الجهاد أعم من آيات القتال لأن الجهاد يكون بالقول ويكون بالحجة والبرهان لا بالسلاح كما يفهم هؤلاء الطغام فقول الله تعالى (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومآواهم جهنم وبئس المصير) إنما هو أمر بمجاهدة من كفر برسالته من مشركي مكة والمنافين الذين أظهروا الإيمان به وأبطنوا الكفر في قلوبهم من منافقي المدينة ولم ينقل التاريخ أن النبي صلى الله عليه وسلم حارب أو قاتل منافقا قط وفي هذا دلالة على أن المراد بالجهاد في الآية هو المجاهدة بالحجة والبرهان لا بالسيف والسلاح .
آيات القتال والجهاد
أما آيات القتال التي يحملونها على إطلاقها دون مراعاة للقيود التي إعتبرها الشرع فقد ركبوا متن الشطط وأخروجها من سياقها وجعلوها مطلقة في قتال كل من خالف فكرهم ولو تدبروا حق التدبر لوجدوا أن الأمر بالقتال في آيات القتال إنما هو تشريعٌ لمن أراد أن يقاتلنا أو يعاون من يقاتلنا أو يريد أن يخرجنا من ديارنا أو يظاهر على إخراجنا.
ونقرا في ذلك قوله تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) تآمل كم قيداً في الآية التي شرع الله لنا فيها الأمر بمقاتلة من قاتلنا واقرأ قوله تعالى (فمن إعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما إعتدى عليكم) وهكذا سائر الآيات في تشريع القتال إنما أتت من أجل الدفاع عن النفس وحماية الوطن وحفظ الدين.
وأكد أنه ليس هناك آية في القرآن تدعو المسلمين إلى قتال أو قتل الإنسان لمجرد مخالفته لهم في العقيدة لأن الإسلام يؤمن بأن سنة الله في الخلق إنما هي التنوع والتعدد في العرق والجنس واللون والعقيدة كما قال سبحانه (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وقوله سبحانه (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) وما كانت علة القتال في الشرع هي كفر الكافر لأن الكافر الأصلي معصوم الدم لا يجوز قتله إنما علة القتال هي الإعتداء علينا ودفع عدوان المعتدي.
وحذر العالم الأزهري، الشباب المسلم في شتى بقاع الأرض من تآويل المتطرفين وإنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وليعلم أن العفو والصفح في الإسلام حكمٌ باقي إلى يوم القيامة وأن تشريع القتال حكم باقي إلى يوم القيامة شرعه الله لحماية الأوطان والدفاع عن النفس وحماية المقدسات الإسلامية وغير الإسلامية تحقيق ذلك قوله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها إسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله قوي عزيز).
ودعا إلى تمسك الشباب بصحيح الإٍسلام وسماحة تشريعاته وليأخذوا علومهم ومعارفهم من علماء الأمة الثقات الذين انزوت أعينهم في التعلم والتعليم والتمحيص والتدقيق وليبتعدوا عن فكر هذه الجماعات التي تريد بفكرها تدمير الأوطان وتفتيت وحدة الوطن وخدمة أجندات الأعداء حفظ الله بلادنا وسائر بلاد المسلمين وهدى شبابنا إلى ما فيه الخير وزرع في قلوبهم الحب والإخلاص لدينهم وأوطانهم إنه سميع قريب .