قال مرصد الأزهر في تقرير له بعنوان" التطرف في عصر وسائل التواصل الاجتماعي.. التداعيات وسُبُل المواجهة" إن العالم شهد على مدار العقد الأخير تسارعًا ملحوظًا في استخدام أدوات الاتصال الرقمي، التي حافظت على مظاهر الحياة الطبيعية إلى حدٍّ ما، خاصَّة بعد تفشِّي جائحة كوفيد-19، وأصبحت وسائل الإعلام، لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي، حاليًا أحد الأدوات الأساسية في حياة الفرد؛ نظرًا لسهولة استخدامها، وسرعة انتشارها، وقدرتها على سدِّ الفجوة التي تعيق التواصل من أجل نقل الأفكار، ووجهات النظر بين المستخدمين، وقدرتها الفعَّالة على ترويج هذه الأفكار بتكلفة منخفضة.
حيث أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي إسهامًا ملحوظًا في تشكيل رأيٍ عامٍّ حول بعض القضايا الاجتماعية والسياسية التي تشغل الفرد.
وتابع المرصد أن وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدَّين، إذ يمكن استخدامها في نشر القيم والأفكار الإيجابية والتعاليم الدينية الصحيحة، التي تفيد المجتمعات والأفراد على حدٍّ سواء، ولعل أبرز مثال على ذلك انتشار القنوات والصفحات والمجموعات التي يتشارك أعضاؤها منشوراتٍ ومقاطع فيديو، وأخرى صوتية، وغيرها من المواد الرقمية التي تروِّج للمحتوى السليم، ويلقى قبولًا بين الناس، ويساهم في تعزيز أمن المجتمعات واستقرارها، في حين يتمثَّل الوجه القبيح لهذه الوسائل في الاستخدام السيء لها من جانب المتطرفين وأصحاب الأيديولوجيات المنحرفة، الذين يستخدمون تطبيقات مشفَّرة لتسهيل عملية التواصل والتفاعل بين أعضاء الشبكات المتطرفة؛ بهدف نشر محتويات تحضُّ على العنف وتثير الكراهية، ما يجعل الشباب فريسة سهلة أمامها، فضلًا عن استغلال المتطرفين منصات التواصل الاجتماعي في الحصول على تمويل وتجنيد أعضاء جُدُد، ومشاركة المعلومات المتعلقة بتنفيذ أعمال عنف.
وأكد المرصد أن الحركات المتطرفة في الغرب، لا سيما جماعات اليمين المتطرف، لجأت إلى مواقع التواصل من أجل نشر أفكارها الرئيسة، التي تمحورت حول كراهية الأجانب، والإسلاموفوبيا، والتعصب لسيادة العِرْق الأبيض، والتمييز القائم على الدِّين والنوع، وادَّعت هذه الجماعات أن الحفاظ على الهُويَّة الثقافية والدينية لبلادها، هو ما دفعها إلى تبني هذه الأيديولوجيات.
وكانت الجماعات اليمينية في الولايات المتحدة قد استخدمت مواقع التواصل مؤخرًا، خاصة فيسبوك وتويتر وتليجرام، في تنفيذ أعمال شغب على مبنى الكابيتول الأمريكي، ما دفع هذه المنصات إلى شنِّ حملة على المتطرفين اليمينيين، وحظر حساباتهم من هذه المواقع، ولعل أبرز الهجمات التي نفذها اليمين المتطرف خلال الآونة الأخيرة، تتمثَّل في الهجوم الذي استهدف مسجدين في مدينة كرايستشرش في نيوزلاندا، ما أسفر عن مقتل 51 شخصًا من روّاد المسجدين، وإصابة آخرين، وقد أسهمت وسائل التواصل إسهامًا ملحوظًا في نجاح هذا الهجوم، ذلك أن منفِّذه أعلنه على موقع "8chan" ثم بثَّه مباشرة على فيسبوك، وتناقلته مواقع التواصل والقنوات الإعلامية الأخرى بعد ذلك على منصاتها.
ويتسائل المرصد : هل ينجح حظر اليمينيين المتطرفين من مواقع التواصل في إنهاء نشاطهم؟ يحذِّر كثير من الخبراء المعنيين بمكافحة التطرف، من أن حظر هؤلاء المتطرفين من هذه المنصات لن يمنعهم من البحث عن تطبيقات أخرى مثل تطبيق “Gab” الذي يتبنى القائمون عليه توجُّهات يمينية، حيث شهد التطبيق تدفقًا للمتطرفين اليمينيين، والمتعصبين للعرق الأبيض الباحثين عن ملاذ يمكِّنهم من ترتيب أوراقهم، والعودة من جديد إلى نشاطاتهم المنحرفة.
حيث أن العامل الرئيس في انتشار الفكر المتطرف عبر الفضاء الإلكتروني، على وسائل التواصل الاجتماعي، يكمن في خطاب الكراهية الذي تروِّج له الحركات المتطرفة باختلاف منهجياتها وأيديولوجياتها، ما يضع أعباء مضاعفة على عاتق السلطات الأمنية في تحديد الفرق بين ما يعتقده رواد مواقع التواصل بأنه حرية تعبير يكفلها القانون، وما يشكل خطرًا محدقًا على أمن البلدان واستقرارها.
ويدعو المرصد إلى التحرك الفوري من أجل الحفاظ على الشباب، الذين يمثلون مستقبل الأمم، للحيلولة دون وقوعهم في براثن التطرف، وربما تبدأ هذه التحركات بإعداد برامج تثقيفية دورية تعمل على تفنيد الأفكار التي ربما يستغلها المتطرفون في التأثير على النشء، كما يجب أن يواكب قادة الأديان التطور الشديد للأدوات الرقمية، ووسائل الاتصال الحديثة التي يستخدمها الشباب؛ حتى لا يقعوا فريسةً لأفكار لا تمت للأديان بصلة، فضلًا عن التحركات الاستباقية التي تهدف إلى التصدي لأشكال التمييز المختلفة.